شىء من الأمل

لا تتنحى !

عبدالقادر شهيب
عبدالقادر شهيب

فى مساء الثامن من يونيو عام ٦٧ تجمعنا نحن مجموعة من الأصدقاء فى منزل صديق بمنطقة شبرا التى كنت أسكن فيها وقتها لسماع خطاب عبدالناصر حتى نعرف حقيقة ما جرى والتى كانت الشواهد وقتها كلها تؤكد لى أنه كان كارثة فادحة.. وما إن أنهى ناصر خطابه بقرار الاستقالة من كل منصب رسمى الذى طالب الجماهير بأن تساعده عليه حتى خرجت إلى الشارع لا أستهدف شيئا محددا، ولا أعرف ماذا أفعل فإن صدمة الهزيمة كانت شديدة الوطأة على وكل أبناء جيلى الذى كان يوصف بالجيل الصاعد.. لكن كانت المفاجأة أن الشارع، كل الشوارع، فى لحظات احتشدت بالبشر، شيوخا وشبابا، رجالا ونساء، ومن لم يستطع أطل من النوافذ، والجميع يصرخون قائلين لناصر لا.. لا تتنحى.. ابق فى موقعك.. وزحف الناس إلى بيت عبدالناصر يحيطون به لدفعه على العدول عن قراره الذى فاجأ به الجميع بمن فيهم حتى زميله زكريا محيى الدين الذى قرر أن يسلمه زمام أمور البلاد، وكان ذلك مثار عتاب بينه وعبدالناصر سجله ثروت أباظة فى مذكراته.
كان المشهد فى الشوارع، سواء الرئيسية أو الفرعية أكبر من أن يكون مرتبا أو منظما من أية جهة أو تنظيم، هذا إذا افترضنا وقتها أنه فى الثامن من يونيو عام ٦٧ كان لدينا تنظيم متماسك أو جهة قادرة قيادتها على التفكير، ناهيك عن الترتيب والتدبير والتخطيط لتلك المظاهرات الضخمة الهائلة التى شهدتها البلاد والتى اندلعت فجأة وبشكل عفوى وفور انتهاء ناصر من خطاب التنحى والذى حمل فيه نفسه مسئولية الكارثة التى ألمت بالبلاد وقتها.. ودليلى على ذلك أن المعسكر الذى أقيم فى مدرسة السعيدية منذ اندلاع الحرب وانخرطنا فيه نحن مجموعة من طلاب الجامعات أعضاء منظمة الشباب، للتدريب العسكرى صباحا وممارسة مهام الدفاع المدنى ليلا، كان قد صدر فجر يوم الثامن من يونيو قرار من قيادة منظمة الشباب بإغلاقه فورا بدون إبداء أية أسباب.. لقد أصيب التنظيم السياسى بالشلل من جراء الصدمة العنيفة التى ألمت بِنَا فى الخامس من يونيو، وذات الشىء حدث لكل مؤسسات الدولة وقتها، وكانت قيادات هذه التنظيمات والموءسسات غير قادرةَ على التفكير، ناهيك عن التدبير والتخطيط والترتيب لمظاهرات لتثبيت عبدالناصر فى موقعه بعد الهزيمة.. ولذلك كانت هذه المظاهرات التى شهدتها البلاد مساء الثامن ثم يوم التاسع من يونيو مظاهرات عفوية تلقائية تعددت أسباب تفسيرها، كما يقول ثروت عكاشة، ما بين الثقة فى ان ناص القادر على انقاذ البلاد من هذه الكارثة، وانه يتعين تحمل مسوءلية مواجهة تلك الكارثة الذى اعلن تحمله مسئوليتها.. أى أن مطالبة الجماهير لناصر بالبقاء كان مشروطا بمواجهة الهزيمة وتحقيق النصر، ولعل هذا يفسر اندلاع مظاهرات الطلبة والعمال بعدها فى فبراير عام ٦٨ احتجاجا على أحكام قادة الطيران والتى اتسع هدفها بالمطالبة بتغيير سياسى كبير.