عدسة تملأها الدموع وخريطة مفعمة بالأمل

صورة بألف انتصار

صورة بألف انتصار
صورة بألف انتصار

كتبت: منى عبدالكريم

محمد الدرة.. اسم تجاوز الاسم لفصل فى تاريخ المقاومة. أكثر من عشرين عاما ولا تزال صورته محفورة فى الذاكرة، وعلى الجدران فتتحول لأيقونة للمقاومة الفلسطينية، ووجعا نازفا فى قلب الإنسانية. 
صورة واحدة كفيلة بأن تخط فى الوجدان العالمى ما تعجز عنه الكلمات، أن تطرح تساؤلات لا تتوقف عن معاناة أبناء الشعب الفلسطيني.. صورة تلتقطها الكاميرا أو تخطها الكلمات كما فعل غسان كنفانى فى كتاباته لينال بها الشهادة،ويظل حيا بكلماته التى أطلقها فى وجه العدوان والظلم.
تنعاد الكرة وتنكأ الجراح، ويبدأ العدوان مجددا، لكن تلك المرة تحمل رسالة استغاثة لإنقاذ حى الشيخ جراح ..عشرات الصور التى توثق لمزيد من المعاناة، التى انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعى تحت هاشتاج #gazaunderattack، و#savesheikhjarah غزة تحت القصف، وانقذوا حى الشيخ جراح. 


إذ سرعان ما انتشرت صورة لطفل جاحظ العينين جراء صدمته لفقد عائلته، ويبدو أن تلك الصورة قد أثرت فى عدد كبير من الناس الذين تداولوها، وكذلك عدد من الفنانين من بينهم الفنان الشاب مصطفى ربيع ليعيد تقديمها بألوان الماء.
شىء ما لا يجد له الفنان أشرف زكى تفسيرا، إذ إنه رسم طفلا تكاد تتطابق تعبيراته مع هذا الطفل بجداريته «غزة» التى تعود لعام 2009 والتى توجد حاليا فى جامعة عمان الأردن، وهى لوحة بانورامية(حفر)تسجل العديد من المشاهد بتبلغ مقاسها 9 أمتار فى 70 سم..لتبدو تلك المشاهد بمثابة نبوءة لما يحدث اليوم.
«حيثما أمت .. فسأموت وأنا أغنى» تراودنى تلك العبارة لفلاديمير ماياكوفسكى التى اقتبستها الروائية أحلام مستغانمى فى روايتها «الأسود يليق بك»، لأرى أنه لا مكان لليأس مع المقاومة بالفن والأدب، فتصبح الريشة والكاميرا أسلحة وفعل مقاومة.
«كيف تريدوننا أن نضبط العدسة وعيوننا مليئة بالدموع» بهذه الكلمات يعبر الفنان والمصور الفوتوغرافى فادى ثابت عن المعاناة اليومية لهم فى ظل ما يحدث بعبارة تتصدر صفحته على الفيس بوك.. لكن تلك الدموع لم تمنعه أبدا من أن يستمر فى المقاومة وأن يتخذ من كاميرته رفيقة فى الأزمة.. ربما انتهى العدوان مؤقتا لكن ذلك الخراب الداخلى مستمر كما يقول فادى على صفحته بموقع الفيس بوك «صدقا هل انتهت الحرب؟ربما انتهت على الأرض لكنها لم تنته داخلنا..نحن هنا فى غزة فى حروب مستمرة، منذ العام 2008 إلى اليوم أربع حروب طاحنة، دمرت بيوت وعوائل وأحلام..هذا التراكم من الدمار والقتل وحش حقير.. ينقض علينا كلما هدأت الأرواح..وربما تكون حرب خامسة فى أى لحظة!؟؟ربما..هل هنا أحد يُدرك معنى هذا؟«.. وعلى الرغم من كل هذا الألم لم يتوقف فادى عن المقاومة بالصورة.. بل جعل صفحته على الفيس بوك منصة لعرض الصور التى التقطها بنفسه أو التقطها أصدقاؤه.
كذلك انتشرت بسرعة كبيرة مجموعة صور الطفلة سيلين للمصور شعبان السوسى التى تسير وهى تحمل عروستها الصغيرة بين الحطام والبيوت المهدمة لتجتاح منصات التواصل الاجتماعى الذى يقول «كل واحد فينا بيقدر يوصل رسالته من خلال فكرته ومهنته، وبفضل ربنا قدرت أوصل ولو جزءا بسيطا من الظلم والقهر اللى احنا عايشينه إلى كل دول العالم».
لم يتوقف الأمر عند مشاركة الصور الفوتوغرافية، إذ يبدو أن كثيرا من شباب الفنانين والمصممين قد قاموا بمشاركة تصميماتهم عبر عدد من المجموعات على صفحات الفيس بوك من بينها «مصممين عالناصية» و”ارسم» وجروب «فور أرت» الذى يعرض أعمال أعضاء الجمعية المصرية لشباب التشكيليين، فالفنان الشاب إسماعيل خالد قدم أكثر من تصميم جميعها ديجتال عدا رسمة واحدة لقبة الصخرة، وقد استعان فى أحد تصميماته بخريطة فلسطين التى كتب عليها الآية القرآنية «ألَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ»، الخريطة التى تحولت إلى عنصر متكرر فى عدد كبير من التصميمات واللوحات بعضهم قدمها بالتطريز ليؤكد كل عمل على ما يحدث داخل تلك القطعة من الأرض من اعتداءات وما تشهده من ويلات ومع ذلك هى فى النهاية تحمل الورد والأمل فى النصر.
كما انتشرت كذلك مجموعة «ماذا لو كانوا هنا؟» التى حملت توقيع عمر المصرى، لمجموعة من البوسترات التى قام فيها المصمم بالاستعانة بعدد من الصور الفوتوغرافية لمعاناة أبناء الشعب الفلسطينى من ويلات الحرب، بعد أن تم تركيبها على خلفيات متنوعة لمعالم شهيرة فى مختلف دول العالم، تاركا الإجابة مفتوحة لضمير الإنسانية..ماذا لو كان ما يحدث ليس فى فلسطين وإنما فى فرنسا أوأمريكا أو أسبانيا،ماذا لو شاهدنا تلك الصور فى واحدة من تلك البلاد؟
وما بين الخوف والأمل، والفقد والتشبث بالحياة تنوعت الأعمال التى اجتاحت الفيس بوك وانستجرام وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعى بالمئات، إذ استوحت الفنانة آلاء مجدى عملها الفنى من جملة كتبتها إحدى الفلسطينيات من أن جميع أفراد أسرتها ينامون فى حجرة واحدة، خوفا من أن يُفقد أحدهم أثناء القصف فيعانى الآخر وحيدا.