رٌكن الحواديت

حكاية قلب مفخخٌ بالعشق

زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد

رآها من بعيد.. تتحدث بلباقة موظفة محترفة، وتساءل: معقول هي؟ 
كان يحمل حقيبته القديمة بيدٍ مجهدة، أزاح الباب الزجاجى الأنيق، فاستقبلته نسمات التكييف الباردة، ورائحة عطور رواد المكان، وغاص حذاؤه فى وبر السجاد الناعم.
لف رأسه كطبق فضائى ليتفحص الأقسام، حتى لمح يافطة «المهندس الاستشاري» فذهل من المشهد، ولم يصدق نفسه حين رآها بعد طول الغياب.
لم تُغيّر فيها الأيام شيئًا، لاتزال  تلك الجميلة، ذات الوجه الطفولى والعين اللامعة، وشفتين يلهى جمالهما عن رغبة التقبيل.
اقترب بحذر، وجلس على كرسى لا يناسب أناقة المكان، ثم أخرج منديلًا امتص قطرات قلق على جبينه، وقال بتلعثمٍ ممزوجٍ بالفرح: أريد تصميم شقة من ثلاث غرف وشرفة، وظل يستطرد فى الوصف، وتسأله هى عن تفاصيل يستنكرها.. إذ كيف تسأل عن أشياءٍ كانت تحفظها جيدًا؟ 
هناك فى الجنوب وتحديدًا بمدينة قوص فى محافظة قنا وبجوار المسجد العتيق كانت تهوى الانتصار على برد الشتاء بحرارة عبارات العشق، التى كان يسكبها هذا الحبيب فى أذنيها، وهى تتأمل قِدرًا كبيرًا ينساب منه الفول النابت ببخار يرسم لوحة دفء فى سماء الصقيع حتى يوارى شوارب البائع الشهير.                    
كانت تُصر على طبقها الممتلئ بالشغف لحديثه الممتع، فيبتسم ويغبط حبات الفول حين تلامس شفتيها الشهيتين.
قالت: أبى يُصر على شقة فى قنا المدينة، وأنت مرتبط بقريتك، وترفض استقدام والديك معنا، فما الحل؟ فرد بسرعة: لا أعلم شيئًا غير أنى أحبك. 
ظلت ترسم بقلم الرصاص تصورها للمبنى، ثم تمسح أجزاءً منه بممحاةٍ لم تقترب من ذكرياته معها أبدًا.
أوقف الطبيب مسجل الصوت وسأله: ألم تخبرنى بزواج حبيبتك منذ 15 عامًا وأنها سافرت إلى أمريكا؟ فأجاب: نعم. فقال الطبيب: إذن أنت تعشق شبيهة حبيبتك.
لم يهتم بكلام معالجه النفسى، واستجمع جهده ليرتدى هندامًا من الحزن يليق  بلحظة واقع مر، ومشى فى طٌرقة العيادة ببطء شديد، ثم مزق الروشتة وانصرف.