المبدع العمانى سعيد بن محمد السيابى: سيعيش المسرح أطول من عمر مانعيه

العمانى سعيد بن محمد السيابى
العمانى سعيد بن محمد السيابى

حوار‭: ‬محمد‭ ‬حسنى‭ ‬عليوة

د‭. ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬السيابى‭ ‬أحد‭ ‬الوجوه‭ ‬البارزة‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الأدب‭ ‬والعمل‭ ‬الأكاديمى‭ ‬العمانى‭ ‬والخليجى،‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬بكالوريوس‭ ‬فى‭ ‬الآداب‭ ‬تخصص‭ ‬فنون‭ ‬مسرحية‭ ‬بدرجة‭ ‬امتياز،‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬ودرجة‭ ‬الماجستير‭ ‬بتقدير‭ ‬امتياز‭ ‬فى‭ ‬الآداب‭ ‬تخصص‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬فى‭ ‬رسالة‭ ‬عنوانها‭: ‬‮«‬توظيف‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبى‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬المسرحى‭ ‬الخليجى‮»‬‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬السلطان‭ ‬قابوس2004‭. ‬

ونال‭ ‬الدكتوراه‭ ‬من‭ ‬جامعة‭ ‬جريفث‭ ‬Griffith University‭ (‬كوينزلاند–‭ ‬استراليا‭)‬2011‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ (‬المسرح‭ ‬والتراث‭ ‬الشعبى‭ ‬فى‭ ‬الثقافة‭ ‬العمانية‭ ‬المعاصرة‭).‬

عضو‭ ‬ورئيس‭ ‬جمعية‭ ‬المسرحيين‭ ‬العمانيين‭ ‬فى‭ ‬العام‭ ‬2011‭. ‬عضو‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬أمناء‭ ‬جائزة‭ ‬الدوحة‭ ‬للدراما‭ ‬العربية‭ ‬2020‭. ‬كما‭ ‬شغل‭ ‬عضواً‭ ‬فى‭ ‬عدة‭ ‬لجان‭ ‬تحكيمية‭ ‬لفعاليات‭ ‬ومسابقات‭ ‬أدبية‭ ‬عربية‭ ‬مختلفة‭.‬

تنصبّ‭ ‬اهتماماته‭ ‬البحثية‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬والدراما،‭ ‬والتطورات‭ ‬الثقافية‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬واستخدام‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة،‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى،‭ ‬والاستثمار‭ ‬الثقافى‭ ‬والفنى‭ ‬وعلاقته‭ ‬بالتنمية‭. ‬وصاحب‭ ‬مشروع‭ ‬إبداعى‭ ‬متميز،‭ ‬ممتد‭ ‬عبر‭ ‬محطات‭ ‬روائية‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭: ‬رواية‭ ‬‮«‬جبرين‭.. ‬وشاء‭ ‬الهوى‮»‬،‭ ‬2016‭. ‬ورواية‭ ‬‮«‬الصيرة‭ ‬تحكى‮»‬،‭ ‬2020‭.‬

وإسهاماته‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭: ‬مجموعة‭ ‬‮«‬رغيف‭ ‬أسود‮»‬،‭ ‬2015‭.  ‬و‭ ‬‮«‬أحلام‭ ‬الإشارة‭ ‬الضوئية‮»‬،‭ ‬2017‭. ‬و«المبرأة‭ ‬والقلم‮»‬،‭ ‬2018‭. ‬و«مشا‭..‬كيك‮»‬،‭ ‬2019‭.‬

كما‭ ‬كتب‭ ‬للتليفزيون‭ ‬المسلسل‭ ‬التلفزيونى‭ ‬‮«‬رياح‭ ‬الحب‮»‬،‭ ‬الفائز‭ ‬بالجائزة‭ ‬العربية‭ ‬للإبداع‭ ‬العربى‭ ‬2013،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬التمثيليات‭ ‬الإذاعية‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬إنتاجها‭ ‬بإذاعة‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬منها‭: ‬‮«‬الوصية‭ ‬المفقودة‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬من‭ ‬منّا‭ ‬لا‭ ‬يعانى‮»‬‭.‬

وله‭ ‬مشروع‭ ‬إبداعى‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬المسرحية‭ ‬ذات‭ ‬الفصل‭ ‬الواحد‭ ‬منها‭: ‬‮«‬رجلان‭ ‬وظل‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬وداعا‭ ‬غاندى‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬كتبه‭ ‬النقدية،‭ ‬منها‭: ‬‮«‬توظيف‭ ‬الأدب‭ ‬الشعبى‭ ‬فى‭ ‬النص‭ ‬المسرحى‭ ‬الخليجى‮»‬‭ ‬2006‭. ‬و‭ ‬‮«‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬العمانى‮»‬‭ ‬بالاشتراك‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬كاملة‭ ‬الوليد‭ ‬زاهر‭ ‬الهنائى،‭ ‬2013‭. ‬و«أسئلة‭ ‬النص‭ ‬أجوبة‭ ‬العرض‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬العمانى‭ ‬والخليجى‮»‬‭ ‬2019‭. ‬

كان‭ ‬لنا‭ ‬معه‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭..‬

بدايةً،‭ ‬فى‭ ‬مراحل‭ ‬مبكرة‭ ‬من‭ ‬حياتك،‭ ‬وعبر‭ ‬تجاربك‭ ‬الإبداعية‭ ‬المختلفة،‭ ‬بالطبع‭ ‬هناك‭ ‬شخصيات‭ ‬مهمة‭ ‬ممن‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬الباع‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬ترك‭ ‬بصمة‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬تكوينك‭. ‬من‭ ‬هى‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬التى‭ ‬تتذكرها‭ ‬وتودّ‭ ‬حضورها‭ ‬الآن؟‭ ‬

الذاكرة‭ ‬هى‭ ‬الوعاء‭ ‬الذى‭ ‬نبحر‭ ‬فيه،‭ ‬ومن‭ ‬معينها‭ ‬نستورد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الحكايا‭ ‬والمواقف‭ ‬المؤثرة،‭ ‬وفيها‭ ‬تراكمت‭ ‬أفعال‭ ‬وأقوال‭ ‬الشخصيات‭ ‬التى‭ ‬استطاعت‭ ‬أن‭ ‬تضع‭ ‬بصمتها‭ ‬فى‭ ‬حنايا‭ ‬أرواحنا‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬الأسرة،‭ ‬فخالى‭ ‬الكبير‭ ‬‮«‬سالم‭ ‬صالح‭ ‬السيابى‮»‬‭ ‬هو‭ ‬الشخصية‭ ‬المحورية‭ ‬فى‭ ‬تكوينى‭ ‬الصغير‭ ‬الذى‭ ‬أمدنى‭ ‬بالكتب‭ ‬وفتح‭ ‬لى‭ ‬أبواب‭ ‬مكتبته‭ ‬–أهديته‭ ‬آخر‭ ‬عمل‭ ‬روائى‭ ‬لى‭ ‬‮«‬الصيرة‭ ‬تحكى‮»‬‭ - ‬وهو‭ ‬الأب‭ ‬الكبير‭ ‬الذى‭ ‬يمدنى‭ ‬بفرح‭ ‬كبير‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬عمل‭ ‬إبداعى‭ ‬أنشره،‭ ‬وهناك‭ ‬زوجتى‭ ‬الدكتورة‭ ‬‮«‬كاملة‭ ‬الهنائى‮»‬‭ ‬وشريكة‭ ‬مشوارى‭ ‬العلمى‭ ‬والعملى‭ ‬والتى‭ -‬ولله‭ ‬الحمد‭- ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬سبعة‭ ‬عشر‭ ‬عاماً‭ ‬كانت‭ ‬القارئ‭ ‬الأول‭ ‬التى‭ ‬تمنحنى‭ ‬بصدق‭ ‬وبدون‭ ‬مجاملة‭ ‬رأيها‭ ‬الصريح‭ ‬فيما‭ ‬أكتب‭ ‬وأنشر،‭ ‬وهناك‭ ‬الكتّاب‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬كنت‭ ‬أقرأ‭ ‬لهم‭ ‬بشغف‭ ‬ومحبة‭ ‬وأتخيل‭ ‬اللقاء‭ ‬بهم‭ ‬ومناقشتهم‭ ‬كـ«عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقاد‮»‬‭ ‬و«توفيق‭ ‬الحكيم‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬سعد‭ ‬الله‭ ‬ونوس‮»‬‭ ‬ونجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬ومن‭ ‬الكتّاب‭ ‬الأحياء‭ ‬الذين‭ ‬تأثرت‭ ‬بهم‭ ‬وتعلمت‭ ‬منهم‭ ‬الروائى‭ ‬الكبير‭ ‬‮«‬إبراهيم‭ ‬عبدالمجيد‮»‬،‭ ‬والكاتب‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬سيف‭ ‬الرحبى‮»‬،‭ ‬والشاعر‭ ‬‮«‬عبدالرزاق‭ ‬الربيعى‮»‬،‭ ‬وغيرهم‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬العالميين‭ ‬الملهمين‭. ‬

أنت‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬راوحوا‭ ‬بين‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬والقصة‭ ‬والمقال‭ ‬والدراسة‭ ‬النقدية‭.. ‬ولك‭ ‬إسهامات‭ ‬عدّة‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬تأليفاً‭ ‬ونقداً،‭ ‬فهل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬فكرة‭ ‬الوفاء‭ ‬لنوع‭ ‬محدد‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬دون‭ ‬غيره،‭ ‬أم‭ ‬تقف‭ ‬على‭ ‬مسافة‭ ‬واحدة‭ ‬بينها؟

فعل‭ ‬الكتابة‭ ‬فى‭ ‬الأنواع‭ ‬السردية‭ ‬والدرامية‭ ‬يمثل‭ ‬لى‭ ‬امتحان‭ ‬تحد،‭ ‬فأنا‭ ‬محبٌ‭ ‬للقراءة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يسقط‭ ‬فى‭ ‬يدى‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬وأواظب‭ ‬بشكل‭ ‬يومى‭ ‬على‭ ‬القراءة‭ ‬والتعلم‭ ‬الذاتى‭ ‬وأميل‭ ‬إلى‭ ‬خوض‭ ‬تجربة‭ ‬الكتابة‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬أشعر‭ ‬بحالة‭ ‬داخلية‭ ‬حول‭ ‬عنوان‭ ‬شدنى‭ ‬أو‭ ‬موضوع‭ ‬استوقفنى‭ ‬أو‭ ‬قضية‭ ‬أثارت‭ ‬بداخلى‭ ‬أحاسيس‭ ‬من‭ ‬التعاطف‭ ‬والرغبة‭ ‬فى‭ ‬التعبير‭ ‬عنها‭ ‬وعما‭ ‬وقع‭ ‬عليها،‭ ‬وبمجرد‭ ‬أن‭ ‬أشرع‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬أجدنى‭ ‬منجذباً‭ ‬لنوع‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬دون‭ ‬سابق‭ ‬تخطيط،‭ ‬ولكن‭ ‬تتملكنى‭ ‬الحالة‭ ‬الكتابية‭ ‬وأعيش‭ ‬معها‭ ‬معظم‭ ‬الوقت،‭ ‬وبعض‭ ‬التجارب‭ ‬تعيش‭ ‬وتستمر‭ ‬معى‭ ‬لسنوات‭ ‬متقطعة‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬فيها،‭ ‬كرواية‭ (‬جبرين‭.. ‬وشاء‭ ‬الهوى‭)‬،‭ ‬وبعضها‭ ‬لأشهر‭ ‬متواصلة‭ ‬مثل‭ ‬مسلسل‭ (‬رياح‭ ‬الحب‭)‬،‭ ‬فالتنوع‭ ‬فى‭ ‬محاولة‭ ‬الكتابة‭ ‬وتجربتها‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬شىء‭ ‬صحى،‭ ‬ومعظم‭ ‬الكتّاب‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬والمفكرين‭ ‬قد‭ ‬دخلوا‭ ‬فى‭ ‬تجربة‭ ‬أنواع‭ ‬كتابية‭ ‬بعضها‭ ‬متشابه‭ ‬فى‭ ‬صناعته‭ ‬كالأنواع‭ ‬الدرامية‭ (‬المسرح‭ ‬والتليفزيون‭ ‬والإذاعة‭ ‬والسينما‭)‬،‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬فى‭ ‬السرد‭ (‬القصة،‭ ‬والقصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً،‭ ‬والرواية‭)‬،‭ ‬وشخصياً‭ ‬أبحرتُ‭ ‬فى‭ ‬تجربة‭ ‬كتابة‭ ‬معظم‭ ‬الأنواع‭ ‬السردية،‭ ‬وساعدنى‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬تخصصى‭ ‬العلمى‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬والدراما،‭ ‬وثانيا‭ ‬شغفى‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬المجموعات‭ ‬القصصية‭ ‬والروائية‭. ‬

المكان،‭ ‬ليس‭ ‬بوصفه‭ ‬فحسب‭ ‬ذاكرة‭ ‬الوجود‭ ‬الإنسانى‭ ‬الحية،‭ ‬أو‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬خلق‭ ‬نقطة‭ ‬التقاء‭ ‬بين‭ ‬ضمير‭ ‬الكاتب‭ -‬المشبع‭ ‬بالتراث‭ ‬الشعبى‭- ‬ووعى‭ ‬القارئ،‭ ‬فهو‭ ‬أيضاً‭ ‬فاعل‭ ‬قوى‭ ‬فى‭ ‬أحداث‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جبرين‭ ‬وشاء‭ ‬الهوى‮»‬‭ ‬وعناصرها،‭ ‬بما‭ ‬يحتله‭ ‬من‭ ‬أهمية‭ ‬مؤثرة‭ ‬فى‭ ‬تشكيل‭ ‬البيئة‭ ‬ورسم‭ ‬أبعادها‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬ارتباط‭ ‬الراوى‭ ‬بمحيطه‭ ‬الثرى‭. ‬فما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬المكان،‭ ‬وما‭ ‬يمثله‭ ‬لك‭ ‬التراث‭ ‬فى‭ ‬مشوارك‭ ‬الإبداعى؟

المكان‭ ‬عشق‭ ‬متجدد‭. ‬تستثيرك‭ ‬فيه‭ ‬التفاصيل،‭ ‬وتناديك‭ ‬المحبة‭ ‬المكتنزة‭ ‬فيه،‭ ‬والعبق‭ ‬الأصيل‭ ‬الذى‭ ‬تقف‭ ‬مشدوداً‭ ‬له‭. ‬المكان‭ ‬محبة‭ ‬زرعها‭ ‬القدماء‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬وبصمات‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬العقلية‭ ‬والجهد‭ ‬والأفعال‭ ‬العظيمة‭. ‬بوجود‭ ‬المكان‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬الروائى‭ ‬تجد‭ ‬الأسئلة‭ ‬شاخصة‭ ‬ومتحركة‭ ‬أمامك‭ ‬ترسم‭ ‬الاستذكار‭ ‬وتنادى‭ ‬لحظات‭ ‬الصدق‭ ‬الفنى،‭ ‬وسلطنة‭ ‬عمان‭ ‬كموقع‭ ‬جغرافى‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العميقة‭ ‬تاريخيا،‭ ‬ولها‭ ‬امتداد‭ ‬معرفى‭ ‬وتواصل‭ ‬حضارى،‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬الرحالة‭ ‬والمؤرخ‭ ‬‮«‬Bidwell‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬زار‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1865،‭ ‬ووصفها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬‮«‬مكان‭ ‬ملهم‭ ‬للفنون‭ ‬والتراث‮»‬،‭ ‬فالمكان‭ ‬كان‭ ‬ومازال‭ ‬شواهده‭ ‬حاضرة‭ ‬لكل‭ ‬زائر‭ ‬للسلطنة،‭ ‬فتقع‭ ‬عينك‭ ‬على‭ ‬تفاصيل‭ ‬مكانية‭ ‬كثيرة‭ ‬كالقلاع‭ ‬والحصون‭ ‬والبيوت‭ ‬والأسوار‭ ‬والقصور،‭ ‬ومنها‭ ‬قصر‭ ‬‮«‬جبرين‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬ألهمنى‭ ‬بتفاصيله‭ ‬وتاريخه‭ ‬فوقعتُ‭ ‬أسيراً‭ ‬له‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬السردى‭ ‬وكان‭ ‬عنواناً‭ ‬لرواية‭ (‬جبرين‭ ‬وشاء‭ ‬الهوى‭)‬،‭ ‬فتاريخياً‭ ‬تحول‭ ‬قصر‭ ‬‮«‬جبرين‮«‬‭ ‬إلى‭ ‬حصن‭ ‬‮«‬جبرين‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬تحول‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬للعيش‭ ‬لابن‭ ‬الإمام‭ ‬ليكون‭ ‬مقراً‭ ‬للحكم‭ ‬عندما‭ ‬تولى‭ ‬الإمام‭ ‬‮«‬بلعرب‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬اليعربى‮»‬‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬أبيه،‭ ‬وهذا‭ ‬الحصن‭ ‬تحيط‭ ‬به‭ ‬واحات‭ ‬من‭ ‬النخيل‭ ‬وله‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الزخارف‭ ‬والسلالم‭ ‬والغرف‭ ‬التى‭ ‬تحمل‭ ‬بداخلها‭ ‬أسراراً‭ ‬تحكى،‭ ‬فكان‭ ‬شغفى‭ ‬الكبير‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬السردى‭ ‬الذى‭ ‬يدور‭ ‬حول‭ ‬شخصيتين‭ ‬رئيستين‭ ‬هما‭ ‬حارس‭ ‬الحصن‭ ‬والسائحة‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬زنجبار‭ ‬بأفريقيا،‭ ‬وهى‭ ‬الجزيرة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬فترات‭ ‬تاريخية‭ ‬امتداداً‭ ‬لعمان‭ ‬والعاصمة‭ ‬الثانية‭ ‬للحكم‭ ‬فى‭ ‬عهد‭ ‬السيد‭ ‬سعيد‭ ‬بن‭ ‬سلطان‭ ‬البوسعيدى،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬هناك‭ ‬امتداد‭ ‬لأسر‭ ‬عمانية‭ ‬تعيش‭ ‬فيها‭. ‬فالشخصيتان‭ ‬تتقابلان‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬فى‭ ‬داخل‭ ‬‮«‬جبرين‮»‬‭ ‬ويربط‭ ‬بينهما‭ ‬الحب‭ ‬الذى‭ ‬يُستدعى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ستة‭ ‬عشر‭ ‬فصلاً‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬وتكون‭ ‬الأسئلة‭: ‬حول‭ ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الحب‭ ‬بعد‭ ‬الوصول‭ ‬للأربعين؟‭ ‬وكيف‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬المحبوب؟‭ ‬وماذا‭ ‬ولماذا‭ ‬على‭ ‬المحبين‭ ‬أن‭ ‬يعيشوا‭ ‬لحظات‭ ‬المعاناة‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬يكتمل‭ ‬اللقاء‭ ‬بينهما؟‭ ‬وختاماً،‭ ‬ما‭ ‬أثثه‭ ‬المكان‭ ‬فى‭ ‬قلبيهما،‭ ‬وما‭ ‬تحدثا‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أسرار‭ ‬حول‭ ‬المكان‭ ‬التاريخى‭ ‬‮«‬جبرين‮»‬‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬القصر‭ ‬الذى‭ ‬سيجمعهما‭ ‬كزوجين،‭ ‬لتبقى‭ ‬أسئلة‭ ‬المكان‭ ‬مشرعة‭ ‬ومفتوحة‭ ‬وتسقط‭ ‬على‭ ‬قيمة‭ ‬وأهمية‭ ‬أى‭ ‬مكان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يجمع‭ ‬حبيبين‭ ‬ليشكل‭ ‬ذاكرة‭ ‬لهما‭. ‬

بناء‭ ‬الشخصية‭ ‬السردية،‭ ‬بناء‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬صنع‭ ‬إشكالية‭ ‬الهوية‭ ‬الذاتية‭/ ‬الكوزموبوليتانية،‭ ‬هوية‭ ‬البيئة‭ ‬والثقافة‭ ‬والفكر‭.. ‬هوية‭ ‬تنبع‭ ‬بالأساس‭ ‬من‭ ‬‮«‬معين‮»‬‭ ‬الكاتب‭ ‬ذاته‭. ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جبرين‭..‬وشاء‭ ‬الهوى‮»‬،‭ ‬نلمس‭ ‬الشخصية‭ ‬هنا‭ ‬هى‭ ‬الحصن،‭ ‬الحاضر‭ ‬بالرموز‭ ‬التاريخية‭ ‬والبعد‭ ‬الجغرافى،‭ ‬وما‭ ‬تحمله‭ ‬خصوصية‭ ‬الحياة‭ ‬آنذاك،‭ ‬وأهمية‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الإنسان‭ ‬العمانى‭ ‬من‭ ‬تواصل‭ ‬مع‭ ‬ثقافته‭ ‬وتاريخه‭ ‬الإنسانى‭. ‬حدثنا‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭.‬

الشخصية‭ ‬الروائية‭ ‬هى‭ ‬الشعلة‭ ‬التى‭ ‬تخطف‭ ‬البصر‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تقع‭ ‬العين‭ ‬عليها‭ ‬لتكون‭ ‬الوهج‭ ‬الجاذب‭ ‬لكل‭ ‬الأحداث‭ ‬والآمال‭ ‬والطموحات‭ ‬والمعاناة‭ ‬والتضحيات‭ ‬تنصب‭ ‬عليها‭ ‬وحولها‭ ‬وبها‭ ‬ومعها،‭ ‬فشخصياتى‭ ‬الروائية‭ ‬أعيش‭ ‬معها‭ ‬وتعيش‭ ‬فى‭ ‬ذهنى‭ ‬طوال‭ ‬فترة‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭ ‬وبعض‭ ‬الأحيان‭ ‬أتقمصها‭ ‬وأتنازل‭ ‬عن‭ ‬طبيعتى‭ ‬المبتسمة‭ ‬لأدخل‭ ‬فى‭ ‬جوها‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬مكتئبة‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬وهذا‭ ‬يحدث‭ ‬معى‭ ‬وربما‭ ‬المحيطون‭ ‬بى‭ ‬يعلمون‭ ‬معاناة‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬كاتباً‭ ‬مختلفاً‭ ‬وتبحث‭ ‬عن‭ ‬المصاعب‭ ‬الكتابية،‭ ‬وليس‭ ‬كتابة‭ ‬الشخصية‭ ‬السهلة‭ ‬والواقعية‭ ‬والتى‭ ‬يكون‭ ‬حديثها‭ ‬فى‭ ‬متناول‭ ‬اليد‭ ‬وإنما‭ ‬محاولة‭ ‬تغليف‭ ‬أى‭ ‬حديث‭ ‬بلغة‭ ‬فلسفية‭ ‬قريبة‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الحياة‭.. ‬

وخلاصات‭ ‬القول‭ ‬ففى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جبرين‭ ‬وشاء‭ ‬الهوى‮»‬‭ ‬نجد‭ ‬هناك‭ ‬حارس‭ ‬الحصن‭ ‬وغالباً‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬رجلاً‭ ‬بسيطاً‭ ‬ومستواه‭ ‬الثقافى‭ ‬متواضع‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬الرواية‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬ويزيد‭ ‬على‭ ‬شخصيته‭ ‬استجلاب‭ ‬حكم‭ ‬الأجداد‭ ‬والآباء‭ ‬ويسطر‭ ‬جميع‭ ‬الصعوبات‭ ‬التى‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬رجل‭ -‬أى‭ ‬رجل‭- ‬يفكر‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬الحب‭ ‬إلى‭ ‬قلبه‭ ‬ويعيش‭ ‬مع‭ ‬محبوبة‭ ‬من‭ ‬جزيرة‭ ‬بحرية‭ ‬بعيدة‭ ‬‮«‬زنجبار‮»‬‭ ‬وهى‭ ‬محملة‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬الاختلافات‭ ‬فى‭ ‬التربية‭ ‬والثقافة‭ ‬ولكنه‭ ‬الحب‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬الحدود‭ ‬ولا‭ ‬يقف‭ ‬أمام‭ ‬الألوان‭ ‬المختلفة‭ ‬ولا‭ ‬يحده‭ ‬اختلافات‭ ‬مكانية‭ ‬فهو‭ ‬توهج‭ ‬نورانى‭ ‬داخلى‭ ‬يشتعل‭ ‬بالشوق‭ ‬واللهفة‭.‬

حدثنا‭ ‬عن‭ ‬ظروف‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الصيرة‭ ‬تحكى‮»‬،‭ ‬ومآلات‭ ‬الغوص‭ ‬بقارب‭ ‬رحال‭ ‬فى‭ ‬غمار‭ ‬التاريخ،‭ ‬بما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬حقبة‭ ‬احتلال‭ ‬البرتغال‭ ‬لـ«عُمان‮»‬،‭ ‬والتى‭ ‬نلمس‭ ‬فيها‭ ‬أيضاً‭ ‬ثيمة‭ ‬الاتكاء‭ ‬على‭ ‬تصدير‭ ‬‮«‬المكان‮»‬‭ ‬للمشهد‭ ‬السردى،‭ ‬كما‭ ‬فى‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬جبرين‭ ‬وشاء‭ ‬الهوى‮»‬‭. ‬بالطبع‭ ‬ليس‭ ‬اتكاءً‭ ‬عابراً،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ضمن‭ ‬مشروع‭ ‬بحثك‭ ‬عن‭ ‬كبرياء‭ ‬الإنسان‭ ‬ومكانه‭/‬الوطن،‭ ‬ملمحه‭ ‬الوجدانى‭ ‬والهوية‭.‬

رواية‭ ‬‮«‬الصيرة‭ ‬تحكى‮»‬‭ ‬هى‭ ‬تجربة‭ ‬كتابية‭ ‬جديدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬والخوض‭ ‬فى‭ ‬غمارها‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سهلا‭ ‬لأنها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬100‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬البرتغالى‭ ‬لسواحل‭ ‬عمان‭ ‬وهذه‭ ‬المرحلة‭ ‬التاريخية‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬لها‭ ‬كتابات‭ ‬توثيقية‭ ‬عمانية‭ ‬وما‭ ‬توافر‭ ‬هو‭ ‬بعض‭ ‬الشذرات‭ ‬والإشارات‭ ‬حولها‭ ‬وما‭ ‬توافر‭ ‬هو‭ ‬عن‭ ‬طرد‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬وتوحد‭ ‬عمان‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الإمام‭ ‬‮«‬ناصر‭ ‬بن‭ ‬مرشد‭ ‬اليعربى‮»‬‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬المصادر‭ ‬العمانية‭ ‬تذكره‭ ‬ربما‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬منها‭ ‬الانشغال‭ ‬بالمقاومة،‭ ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬كان‭ ‬التحدى‭ ‬الذى‭ ‬سعيت‭ ‬لتحقيقه‭ ‬‮«‬روائياً‮»‬‭ ‬أن‭ ‬أكشف‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬المظلمة‭ ‬عمانيا‭ ‬من‭ ‬التوثيق،‭ ‬واستعنت‭ ‬بما‭ ‬وجدته‭ ‬من‭ ‬وثائق‭ ‬برتغالية‭ ‬ومراسلات‭ ‬حدثت‭ ‬بين‭ ‬القادة‭ ‬البرتغاليين‭ ‬فى‭ ‬عمان‭ ‬ونائب‭ ‬الملك‭ ‬فى‭ ‬الهند‭ ‬والملك‭ ‬فى‭ ‬البرتغال‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الآثار‭ ‬والشواهد‭ ‬التى‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬موجودة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬السلطنة‭ ‬فخرجت‭ ‬هذه‭ ‬الرواية‭ ‬الواقعية‭ ‬الفنية‭ ‬والتاريخية‭ ‬المتخيلة‭ ‬لتربط‭ ‬بين‭ ‬الحدثين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طالب‭ ‬الدكتورة‭ ‬الذى‭ ‬يعثر‭ ‬على‭ ‬إجابات‭ ‬لبعض‭ ‬الأسئلة‭ ‬ويبحث‭ ‬عن‭ ‬الأخرى‭. ‬

رواية‭ ‬‮«‬الصيرة‭ ‬تحكى‮»‬‭ ‬هى‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬وفاء‭ ‬لأرضى‭ ‬وبلدى‭ ‬ومنطقتى‭ ‬الضيقة‭ ‬التى‭ ‬أسكن‭ ‬فيها‭ ‬واسمها‭ ‬‮«‬ولاية‭ ‬قريات»؛‭ ‬لأن‭ ‬الأحداث‭ ‬التى‭ ‬تدور‭ ‬فيها‭ ‬مركزة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬البرتغاليين‭ ‬لهذه‭ ‬البقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬وماذا‭ ‬حدث‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬وصعوبات‭ ‬وبطولات‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬أهلها‭ ‬لطرد‭ ‬هذا‭ ‬المحتل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستذكار‭ ‬التاريخى‭ ‬بمحاكمة‭ ‬حالية‭ ‬فى‭ ‬القرن‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭ ‬التى‭ ‬يتصف‭ ‬به‭ ‬الغرب‭ ‬بأنه‭ ‬الرائد‭ ‬فى‭ ‬الحضارة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬ويرسل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬للشعوب‭ ‬الحالية‭ ‬وهو‭ ‬لو‭ ‬رجعنا‭ ‬لتاريخه‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬مر‭ ‬بتحولات‭ ‬كثيرة‭ ‬وارتكب‭ ‬أبشع‭ ‬الأخطاء‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وما‭ ‬حضارته‭ ‬الحالية‭ ‬إلا‭ ‬وقوف‭ ‬على‭ ‬ثروات‭ ‬سُلبت‭ ‬كثيرة‭ ‬وسلوكيات‭ ‬وممارسات‭ ‬دينية‭ ‬مجحفة‭ ‬وتجارة‭ ‬ومصالح‭ ‬لم‭ ‬تراع‭ ‬أى‭ ‬قيم‭ ‬إنسانية‭ ‬ولا‭ ‬بشرية،‭ ‬فرواية‭ ‬الصيرة‭ ‬تنتصر‭ ‬لأصحاب‭ ‬الحق‭ ‬وتدافع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬وأهلها‭ ‬وأن‭ ‬البقاء‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭ ‬وسُلب‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬أصحابه‭ ‬سيعود‭ ‬يوماً‭ ‬بفضل‭ ‬اجتماع‭ ‬واتفاق‭ ‬وتلاحم‭ ‬أصحاب‭ ‬المبادئ‭ ‬والحق‭ ‬والخير‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭.‬

فى‭ ‬مجموعتك‭ ‬القصصية‭ ‬‮«‬مشا‭..‬كيك‮»‬،‭ ‬عوالم‭ ‬سردية‭ ‬مكثفة،‭ ‬وتضمر‭ ‬رمزيتها‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬‮«‬إيحاءات‭ ‬تتوالد‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬النص‭ ‬مُحدثة‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الانزياح‭ ‬والمفاجأة‭ ‬الجمالية‮»‬‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬تقديم‭ ‬الدكتور‭ ‬محمود‭ ‬سعيد،‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬مجلة‭ ‬ينابيع‭ ‬ثقافية،‭ ‬لرؤيته‭ ‬النقدية‭ ‬حول‭ ‬المجموعة‭ ‬التى‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الآن‭ ‬ناشرون‭ ‬وموزعون‮»‬‭ ‬بسلطنة‭ ‬عمان‭. ‬فكيف‭ ‬تنظر‭ ‬إلى‭ ‬فن‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة؟

القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬جداً‭ ‬هى‭ ‬مسامير‭ ‬معلقة‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬أرواحنا‭ ‬بقصصها‭ ‬التى‭ ‬تنسال‭ ‬أمام‭ ‬عيوننا‭ ‬كالإشارات‭ ‬الضوئية‭ ‬المفاجئة‭ ‬والقوية‭ ‬والتى‭ ‬تقول‭ ‬بجمل‭ ‬ومفردات‭ ‬قليلة‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكتب‭ ‬أمامه‭ ‬عشرات‭ ‬العبارات‭ ‬فهدفها‭ ‬اقتناص‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬والأمثال‭ ‬فى‭ ‬ثوب‭ ‬فلسفى‭ ‬قصصى‭ ‬موجز‭ ‬جداً‭. ‬

فمجموعة‭ ‬‮«‬مشا‭..‬كيك‮«‬‭ ‬سبقها‭ ‬مجموعة‭ ‬‮«‬أحلام‭ ‬الإشارة‭ ‬الضوئية‮«‬‭ ‬و«المبرأة‭ ‬والقلم‮«‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬رغيف‭ ‬أسود‮«‬‭ ‬وهى‭ ‬مجموعات‭ ‬تحمل‭ ‬فى‭ ‬داخلها‭ ‬شعلات‭ ‬من‭ ‬الأمل‭ ‬والمعاناة‭ ‬والإخلاص‭ ‬والجحود‭ ‬والقيم‭ ‬والعبث‭ ‬والحب‭ ‬والكره،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المتناقضات‭ ‬الإنسانية‭ ‬فى‭ ‬السياسة‭ ‬والدين‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والاجتماع،‭ ‬وعن‭ ‬الشباب‭ ‬والمرأة‭ ‬والأطفال‭.‬

‮«‬المسرح‭ ‬كان‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬الممارسات‭ ‬التعبيرية‭ ‬عن‭ ‬الحب‮»‬‭.. ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬المهم‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬البناء‭ ‬الإنسانى،‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬تطرحه‭ ‬فى‭ ‬كتابك‭ ‬‮«‬أسئلة‭ ‬النص‭ ‬أجوبة‭ ‬العرض‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬العمانى‭ ‬والخليجى‮»‬‭.‬

عمق‭ ‬الفلسفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬والتقارب‭ ‬المجتمعى‭ ‬تجسدت‭ ‬فى‭ ‬المسرح‭ ‬بجميع‭ ‬مدارسه‭ ‬الكتابية‭ ‬والإخراجية،‭ ‬فهو‭ ‬لسان‭ ‬كل‭ ‬فئات‭ ‬المجتمع‭ ‬وصندوق‭ ‬مشاعرهم‭ ‬والمعبر‭ ‬عن‭ ‬ماضيهم‭ ‬وواقعهم‭ ‬وهواجسهم‭ ‬المستقبلية،‭ ‬فالحب‭ ‬وزراعة‭ ‬الأمل‭ ‬قواعد‭ ‬قدمتها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬والعروض‭ ‬المسرحية،‭ ‬فكانت‭ ‬رافدًا‭ ‬استطاع‭ ‬المسرحيون‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬نقل‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬المطلقة‭ ‬التى‭ ‬تهم‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان‭ ‬وتجسيدها‭ ‬على‭ ‬خشبات‭ ‬المسرح‭. ‬ومحاولتى‭ ‬لتقديم‭ ‬نماذج‭ ‬مسرحية‭ ‬من‭ ‬المسرح‭ ‬الخليجى‭ ‬والعمانى‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬إلا‭ ‬محاولة‭ ‬لتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬نجم‭ ‬كبير‭ ‬يضىء‭ ‬سماء‭ ‬أرواحنا‭ ‬ويرشدنا‭ ‬إلى‭ ‬الطبيعة‭ ‬الإنسانية‭ ‬وفطرته‭ ‬السوية‭ ‬وما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحب‭ ‬من‭ ‬أدوار‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬وما‭ ‬عكسه‭ ‬المسرح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجارب‭ ‬متعددة‭.‬

فى‭ ‬الكتاب‭ ‬نفسه،‭ ‬تطرح‭ ‬مزيداً‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬حول‭ ‬المسرح‭ ‬ومستقبل‭ ‬توظيف‭ ‬وسائل‭ ‬الاتصال‭ ‬الحديثة‭ ‬فى‭ ‬تشكيل‭ ‬الوعى‭ ‬المجتمعى،‭ ‬وماذا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينتجه‭ ‬التطور‭ ‬التكنولوجى‭ ‬من‭ ‬رفد‭ ‬ثقافة‭ ‬ذات‭ ‬خصوصية‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬الرتابة‭ ‬والأحادية‭. ‬

سر‭ ‬بقاء‭ ‬المسرح‭ ‬فى‭ ‬تأقلمه‭ ‬مع‭ ‬مقتضيات‭ ‬كل‭ ‬عصر‭ ‬ودخوله‭ ‬عوالم‭ ‬التجريب‭ ‬المستمرة‭ ‬والتى‭ ‬يمكنها‭ ‬تقديم‭ ‬لغة‭ ‬المسرح‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يقدم‭ ‬بالتمثيل‭ ‬الصامت‭ ‬‮«‬البانتومايم‮»‬‭ ‬فكيف‭ ‬ونحن‭ ‬الآن‭ ‬نعيش‭ ‬إسهال‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬والابتكارات‭ ‬الكثيرة‭ ‬فى‭ ‬الأنظمة‭ ‬المتسارعة‭ ‬والتى‭ ‬تستقطب‭ ‬الملايين‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬وينتقل‭ ‬بين‭ ‬استخدامات‭ ‬مختلف‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭. ‬

هناك‭ ‬ثورة‭ ‬هائلة‭ ‬تقودها‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬وهى‭ ‬بلا‭ ‬شك‭ ‬خلقت‭ ‬منطلقات‭ ‬لوعى‭ ‬مجتمعى‭ ‬وتأثرا‭ ‬وتأثيرا‭ ‬بالغين‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حاول‭ ‬كتّاب‭ ‬المسرح‭ ‬والمخرجون‭ ‬فى‭ ‬سلطنة‭ ‬عمان‭ ‬تناولها‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬زراعة‭ ‬الخوف‭ ‬حول‭ ‬الاستخدام‭ ‬المفرط‭ ‬له‭ ‬ودخول‭ ‬هذه‭ ‬المواقع‭ -‬بلا‭ ‬استئذان‭- ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬عمانى‭ ‬وفى‭ ‬يد‭ ‬كل‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الأدوار‭ ‬السلبية‭ ‬وكذلك‭ ‬الإيجابية‭ ‬التى‭ ‬حملتها‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬فرصدت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬كانت‭ ‬عتباتها‭ ‬الأولى‭ ‬عناوين‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬بمسمياتها‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬العروض‭ ‬تناولت‭ ‬ديكورات‭ ‬وملابس‭ ‬تشاركية‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬ورموزها‭ ‬المعروفة‭. ‬

ثقافة‭ ‬الخصوصية‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬المحك‭ ‬هذا‭ ‬العنوان‭ ‬العريض‭ ‬الذى‭ ‬تصدر‭ ‬الموضوعات‭ ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬العروض‭ ‬كانت‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬التأقلم‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬الإيجابية‭ ‬هو‭ ‬الطريق‭ ‬الصحيح‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬إغلاق‭ ‬الحدود‭ ‬أمام‭ ‬عاصفة‭ ‬عالمية‭ ‬وإنما‭ ‬تسليح‭ ‬وتجهز‭ ‬الطاقات‭ ‬الخلاقة‭ ‬لدى‭ ‬الشباب‭ ‬هو‭ ‬الدعوة‭ ‬التى‭ ‬قدمتها‭ ‬النصوص‭ ‬والعروض‭ ‬المسرحية‭ ‬العمانية‭.‬

المناخ‭ ‬السياسى‭ ‬والاقتصادى‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬بما‭ ‬لهما‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬فعلى‭ ‬أو‭ ‬هامشى،‭ ‬وإحداث‭ ‬إزاحة‭ ‬كلية‭ ‬أو‭ ‬جزئية‭ ‬فى‭ ‬بنية‭ ‬مجتمعات‭ ‬ذات‭ ‬هوية‭ ‬ثقافية‭ ‬وعرقية‭ ‬ودينية‭ ‬مشتركة،‭ ‬فهل‭ ‬يمكن‭ ‬لفن‭ ‬‮«‬المسرح‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فارقاً‭ ‬فى‭ ‬مقاومة‭ ‬تلك‭ ‬التغييرات‭ ‬المناخية‭ ‬‮«‬السوسيولوجية‮»‬،‭ ‬والبقاء‭ ‬ندّا‭ ‬قوياً؟

المسرح‭ ‬سلاح‭ ‬ذو‭ ‬حدين‭ ‬وهو‭ ‬كمظلة‭ ‬فكرية‭ ‬ثقافية‭ ‬فنية‭ ‬يحمل‭ ‬الإيجابيات‭ ‬ويزرعها‭ ‬فى‭ ‬المناخات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وكانت‭ ‬له‭ ‬أدوار‭ ‬تحررية‭ ‬ومسرحية‭ ‬أحدثت‭ ‬هزة‭ ‬فى‭ ‬المتجمد‭ ‬الاجتماعى‭ ‬من‭ ‬عادات‭ ‬وأعراف‭ ‬واستطاع‭ ‬خلق‭ ‬هزات‭ ‬ارتدادية‭ ‬سياسية‭ ‬أحدثت‭ ‬صدور‭ ‬تشريعات‭ ‬وقوانين‭ ‬جديدة‭.. ‬ومتى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬صدق‭ ‬الرسالة‭ ‬وحداثتها‭ ‬المجتمعية‭ ‬كانت‭ ‬دافعًا‭ ‬لذلك؛‭ ‬فمسرحيات‭ ‬كـ«بيت‭ ‬الدمية‮»‬‭ ‬لـ«هنرى‭ ‬إبسن‮»‬‭ ‬و«كوخ‭ ‬العم‭ ‬توم‮»‬‭ ‬التى‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬للمسرح‭ ‬الأمريكى،‭ ‬وهناك‭ ‬مخرجون‭ ‬كبار‭ ‬كـ«برخت‮»‬‭ ‬أعماله‭ ‬الإخراجية‭ ‬كانت‭ ‬مرتكزات‭ ‬لثورة‭ ‬نضالية‭ ‬نحو‭ ‬التغيير‭ ‬الاجتماعية‭ ‬وعدم‭ ‬القبول‭ ‬بالواقع‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بل‭ ‬محاولة‭ ‬تقديم‭ ‬التغيير‭ ‬المطلوب‭ ‬الذى‭ ‬كانت‭ ‬الجماهير‭ ‬تطمح‭ ‬إليه،‭ ‬لهذا‭ ‬تعرضت‭ ‬شمعة‭ ‬المسرح‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬ريح‭ ‬قوية‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تطفئ‭ ‬ذلك‭ ‬النور‭ ‬الذى‭ ‬يقدمه‭ ‬ومنعت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬النصوص‭ ‬من‭ ‬النشر‭ ‬والعروض‭ ‬من‭ ‬التقديم‭ ‬وأغلقت‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬المسارح،‭ ‬ولكن‭ ‬تلك‭ ‬الرياح‭ ‬تنتهى‭ ‬مع‭ ‬خفوت‭ ‬قوتها‭ ‬ليعيش‭ ‬المسرح‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬عمر‭ ‬مانعيه‭ ‬ومنتقديه‭ ‬وتستمر‭ ‬رسالته‭ ‬وقبولها‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬بعد‭ ‬حين‭ ‬والنماذج‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬كثيرة‭ ‬فقد‭ ‬قوبلت‭ ‬الممارسات‭ ‬القمعية‭ ‬والتجاهل‭ ‬والرفض‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الإصرار‭ ‬والعطاء‭ ‬من‭ ‬المشتغلين‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬المعرفى‭ ‬وخلق‭ ‬أجيال‭ ‬تؤمن‭ ‬برسالة‭ ‬المسرح‭ ‬ومنطلقاته‭ ‬التنويرية‭ ‬التى‭ ‬تزيل‭ ‬الاحتقان‭ ‬وتمنح‭ ‬التطهير‭ ‬وتشعل‭ ‬الأمل‭ ‬وشموعه‭ ‬للعالم‭ ‬الإنسانى‭ ‬الذى‭ ‬يتشابك‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬همومه‭ ‬وطموحه‭ ‬وإنسانيته‭.‬

عبر‭ ‬رحلة‭ ‬شاقة‭ ‬امتدت‭ ‬لـ25‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭ ‬والعمل‭ ‬الأكاديمى،‭ ‬على‭ ‬أى‭ ‬أسس‭ ‬بنيت‭ ‬هذه‭ ‬التجربة،‭ ‬وما‭ ‬كانت‭ ‬أهدافك‭ ‬الشخصية؟

التشاركية‭ ‬الإنسانية‭ ‬وترك‭ ‬البصمة‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬صغيرة‭ ‬هى‭ ‬هاجسى‭ ‬ورغبتى‭ ‬الحقيقية‭ ‬لمد‭ ‬جسور‭ ‬التواصل‭ ‬ونشر‭ ‬المعرفة،‭ ‬والمحاولات‭ ‬الكتابية‭ ‬المختلفة‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬إلا‭ ‬رسالة‭ ‬ووردة‭ ‬أمل‭ ‬أحاول‭ ‬تقديمها‭ ‬وتوصيلها‭ ‬بلغة‭ ‬مقبولة‭ ‬ودون‭ ‬تكلف،‭ ‬فمن‭ ‬اسمى‭ ‬حملتُ‭ ‬الابتسامة‭ ‬والسعادة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬لقاء‭ ‬معرفى‭ ‬وفكرى‭. ‬أجتهد‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬مع‭ ‬أصدقائى‭ ‬الشغوفين‭ ‬بالثقافة‭ ‬والفن‭ ‬الذين‭ ‬نتشارك‭ ‬فى‭ ‬الهموم‭ ‬الثقافية‭ ‬والتجارب‭ ‬الكتابية‭ ‬ومحاولة‭ ‬منى‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬الاستماع‭ ‬للآراء‭ ‬المختلفة‭ ‬والقراءة‭ ‬المتجددة‭ ‬وهى‭ ‬سلاح‭ ‬التنوير‭ ‬الذى‭ ‬أطمح‭ ‬أن‭ ‬أكسبه‭ ‬وأعكسه‭ ‬فى‭ ‬أعمالى‭ ‬بتناولى‭ ‬لقضايا‭ ‬إنسانية‭ ‬تهم‭ ‬كل‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭. ‬

‮«‬العزلة‭ ‬ورهانات‭ ‬الإبداع‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬تفشى‭ ‬فيروس‭ ‬كورونا،‭ ‬وما‭ ‬سببّته‭ ‬الإجراءات‭ ‬الاحترازية‭ ‬من‭ ‬عزلة‭ ‬إجبارية،‭ ‬كيف‭ ‬تعاطيت‭ ‬مع‭ ‬الأمر،‭ ‬وهل‭ ‬عملتْ‭ ‬الأزمة‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬مواصلة‭ ‬مشوارك‭ ‬العلمى‭ ‬والأدبى؟‭ ‬

فيروس‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة‭ ‬كان‭ ‬الشرارة‭ ‬لتغييرات‭ ‬أجدها‭ ‬لا‭ ‬تنتهى‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬والعالم،‭ ‬فما‭ ‬قبل‭ ‬كورونا‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬بعده‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬التاريخ‭ ‬العالمى‭ ‬لمن‭ ‬تعمق‭ ‬فيه‭ ‬وقرأ‭ ‬ما‭ ‬أحدثته‭ ‬هذه‭ ‬الموجات‭ ‬من‭ ‬الأوبئة،‭ ‬فمع‭ ‬محبتى‭ ‬للسفر‭ ‬والتنقل‭ ‬بين‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬والعالمية‭ ‬وجدت‭ ‬نفسى‭ ‬محاصرًا‭ ‬بالإغلاق‭ ‬فى‭ ‬المطارات‭ ‬وعدم‭ ‬التنقل‭ ‬لأسابيع‭ ‬فى‭ ‬المنزل‭ ‬ومع‭ ‬إصابتى‭ ‬شخصيًا‭ ‬بالفيروس‭ ‬وجدت‭ ‬نفسى‭ ‬فى‭ ‬عزلة‭ ‬إجبارية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تأقلمت‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬اختياريًا‭ ‬خصوصًا‭ ‬عندما‭ ‬اشتغلتُ‭ ‬بالانتهاء‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬روايتى‭ ‬الجديدة‭ ‬‮«‬الصيرة‭ ‬تحكى‮»‬‭ ‬والتى‭ ‬نشرتها‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬اللبان‭ ‬للنشر‭ ‬والتوزيع‭ ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬2020م‭.‬

هل‭ ‬هناك‭ ‬فارق‭ ‬تقنى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬العمل‭ ‬الأكاديمى،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التجربة‭ ‬والرؤية؟

نعم‭ ‬هناك‭ ‬حساسية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدارس‭ ‬والمدرس‭ ‬فى‭ ‬ذات‭ ‬التجربة‭ ‬والقالب‭ ‬الكتابى‭ ‬فالتردد‭ ‬والحيرة‭ ‬تصبح‭ ‬صفة‭ ‬ملازمة‭ ‬لكون‭ ‬العملية‭ ‬الإبداعية‭ ‬هى‭ ‬ابتكار‭ ‬خلاق‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬أمامها‭ ‬حدود‭ ‬ولا‭ ‬قيود‭ ‬إلا‭ ‬فلسفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ومكتسباته‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬وقراءات،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬حساسية‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأكاديمية‭ ‬التى‭ ‬تنتمى‭ ‬لها‭ ‬ونظرة‭ ‬المحيط‭ ‬العلمى‭ ‬برصانته‭ ‬المعروفة‭ ‬وهامش‭ ‬المناورة‭ ‬البسيط‭ ‬الذى‭ ‬فيه‭ ‬وجدت‭ ‬نفسى‭ ‬ضعيفا‭ ‬أمام‭ ‬سهام‭ ‬الوقت‭ ‬المستقطع‭ ‬من‭ ‬يومى‭ ‬والمحاورات‭ ‬والجدل‭ ‬الفكرى‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يوما‭ ‬رحيما‭ ‬معى‭ ‬خصوصًا‭ ‬من‭ ‬المنتجين‭ ‬للأعمال‭ ‬الدرامية‭ ‬من‭ ‬جهات‭ ‬تنفيذية‭ ‬تجد‭ ‬فى‭ ‬الأكاديمى‭ ‬منافسا‭ ‬وعليه‭ ‬أن‭ ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬الكتابة‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬المحتوى‭ ‬المكتوب،‭ ‬فهناك‭ ‬نصوص‭ ‬درامية‭ ‬تعطلت‭ ‬لسنوات‭ ‬قبل‭ ‬القبول‭ ‬بتنفيذها‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬لم‭ ‬ير‭ ‬النور،‭ ‬فهذه‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬معضلات‭ ‬الفهم‭ ‬الحاصل‭ ‬بين‭ ‬الخط‭ ‬الفاصل‭ ‬للكتابة‭ ‬الإبداعية‭ ‬والعمل‭ ‬فى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأكاديمية‭. ‬وشخصيًا‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أقاوم‭ ‬بتجارب‭ ‬كتابية‭ ‬جديدة‭ ‬وبعضها‭ ‬لا‭ ‬يتطلب‭ ‬الوقت‭ ‬الطويل‭ ‬لإنجازها‭ ‬كمحاولات‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬القصة‭ ‬القصيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬بل‭ ‬بهذا‭ ‬النوع‭ ‬الكتابى‭ ‬انتقدتُ‭ ‬ضمنيًا‭ ‬الأكاديميين‭ ‬المتزمتين‭ ‬بمدرستهم‭. ‬

وكيف‭ ‬تصنع‭ ‬الكتابة‭ -‬بإشكالاتها‭ ‬القديمة‭ ‬والمعاصرة‭- ‬مساراً‭ ‬مستقبلياً‭ ‬لجيل‭ ‬مدفوع،‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬فى‭ ‬ورطة‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعدها؟‭ ‬

الحداثة‭ ‬ليست‭ ‬غاية‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬وإنما‭ ‬هى‭ ‬وسيلة‭ ‬فهم‭ ‬بطرق‭ ‬حديثة‭ ‬وورطة‭ ‬جميلة‭ ‬لمن‭ ‬أراد‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬المستقبل،‭ ‬فمن‭ ‬دون‭ ‬الاهتزازات‭ ‬والدوران‭ ‬فى‭ ‬التجارب‭ ‬الثقافية‭ ‬والفنية‭ ‬لحدث‭ ‬الركود‭ ‬وابتعد‭ ‬المتلقى‭ ‬وتجمد‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفى‭ ‬والنقدى‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬المستحيلات‭ ‬وعلينا‭ ‬الاستمرار‭ ‬فى‭ ‬قبول‭ ‬الآخر‭. ‬وما‭ ‬ينتجه‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬متجددة‭ ‬فهذا‭ ‬يعيننا‭ ‬على‭ ‬الفهم‭ ‬وتأصيل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬يومًا‭ ‬فعلا‭ ‬بلا‭ ‬جذور‭ ‬ولا‭ ‬امتداد‭ ‬ولا‭ ‬تقييم‭ ‬ليكون‭ ‬هناك‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬القراءة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬منتج‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬البناء‭ ‬مستمر‭ ‬بالمناهج‭ ‬الحديثة‭ ‬التى‭ ‬قدمتها‭ ‬الحداثة‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬الحداثة‭ ‬فهى‭ ‬لا‭ ‬تلغى‭ ‬ولكنها‭ ‬بذات‭ ‬الوقت‭ ‬لا‭ ‬تقدس‭ ‬القديم‭ ‬وتفرعنه‭.‬

الآن‭ ‬نعيش‭ ‬‮«‬عصرا‭ ‬تكنولوجيا‮»‬‭ ‬بامتياز؛‭ ‬فجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬حياتنا‭ ‬نقضيه‭ ‬على‭ ‬الأجهزة‭ ‬الالكترونية‭ ‬وشبكات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬وهناك‭ ‬طرح‭ ‬يُغذى‭ ‬فكرة‭ ‬اندثار‭ ‬‮«‬عصر‭ ‬الكتاب‭ ‬الورقى‮»‬،‭ ‬فهل‭ ‬أنت‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الطرح؟‭ ‬وهل‭ ‬أضافت‭ ‬تلك‭ ‬الصناعة‭ ‬الحداثية‭ ‬للكاتب،‭ ‬ومنظومة‭ ‬النشر‭ ‬بشكل‭ ‬عام؟‭ ‬

كل‭ ‬تطورات‭ ‬العالم‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة‭ ‬والنشر‭ ‬لم‭ ‬تلغ‭ ‬هذه‭ ‬التجارب‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬فمن‭ ‬المستحيل‭ ‬الإلغاء‭ ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬أن‭ ‬العصر‭ ‬أنتج‭ ‬وسائل‭ ‬جديدة‭ ‬تعيد‭ ‬تقديم‭ ‬الكتاب‭ ‬والمحتوى‭ ‬الفكرى‭ ‬بوسائل‭ ‬متسارعة‭ ‬فشخصيا‭ ‬إيجابى‭ ‬فى‭ ‬التعاطى‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الوسائل‭ ‬واقرأ‭ ‬الكتب‭ ‬الورقية‭ ‬واستمتع‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬واستخدم‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬والقراءة‭ ‬بوسائل‭ ‬حديثة‭ ‬ومريحة،‭ ‬كاستخدام‭ ‬جهاز‭ ‬‮«‬الكيندل‮»‬‭  ‬من‭  ‬‮«‬أمازون‮»‬،‭ ‬والذى‭ ‬هو‭ ‬مكتبة‭ ‬متنقلة‭ ‬فى‭ ‬كف‭ ‬اليد‭ ‬وأحدث‭ ‬الإصدارات‭ ‬العالمية‭ ‬ممكن‭ ‬شراؤها‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬يوم‭ ‬نزولها‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬النشر‭ ‬العالمية،‭ ‬فالسهولة‭ ‬والسرعة‭ ‬والبحث‭ ‬عوامل‭ ‬شخصيا‭ ‬تجذبنى‭ ‬كقارئ،‭ ‬وككاتب‭ ‬أجد‭ ‬أنها‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬والوصول‭ ‬بالإنتاج‭ ‬الكتابى‭ ‬لقارات‭ ‬العالم‭.‬

فى‭ ‬الأخير،‭ ‬نود‭ ‬أن‭ ‬تطلعنا‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬مشاريعك‭ ‬الإبداعية؟

المحاولات‭ ‬والتجارب‭ ‬الكتابية‭ ‬مستمرة‭ ‬وهى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬خيارًا‭ ‬شخصيا‭ ‬إنما‭ ‬مسئولية‭ ‬وأمانة،‭ ‬أحاول‭ ‬كغيرى‭ ‬ممن‭ ‬ارتضوا‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬شركاء‭ ‬للقراء‭ ‬بأن‭ ‬يقدموا‭ ‬الجديد‭ ‬والمفيد‭ ‬للإنسانية،‭ ‬فهناك‭ ‬تحضير‭ ‬لمجموعة‭ ‬خامسة‭ ‬من‭ ‬القصص‭ ‬القصيرة‭ ‬جدا،‭ ‬وكذلك‭ ‬فى‭ ‬الكتابة‭ ‬الدرامية‭ ‬أطمح‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬مسلسل‭ ‬رياح‭ ‬الحب‭ ‬النور‭ ‬للإنتاج‭ ‬التليفزيونى،‭ ‬ومسلسل‭ ‬همس‭ ‬الجسور‭ ‬للإنتاج‭ ‬الإذاعى،‭ ‬بالإضافة‭ ‬للكتابات‭ ‬النقدية‭ ‬فى‭ ‬الصحافة‭ ‬الثقافية‭ ‬التى‭ ‬توقفت‭ ‬طباعة‭ ‬الملاحق‭ ‬الثقافية‭ ‬بسبب‭ ‬ازمه‭ ‬كورونا‭ ‬ونتمنى‭ ‬أن‭ ‬تعود‭ ‬لنستمر‭ ‬فى‭ ‬النشر‭ ‬والقراءة‭ ‬لكل‭ ‬جديد‭ ‬الكتاب‭ ‬والمفكرين‭ ‬العرب‭ ‬والعالميين‭.‬