ضوضاء

هل ربحت الصين؟

محمد عبد الفتاح
محمد عبد الفتاح

بقلم: محمد‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح

بعد عامين من نشر كتابه «هل تاه الغرب؟» الصادر بالفرنسية L'occident s'est il perdu، يعود كيشور محبوباني، سفير سنغافورة السابق بواشنطن، للظهور بكتاب جديد ولكن بالإنجليزية هذه المرة وبعنوان Has China Won? أو «هل ربحت الصين؟»، والذى تمت ترجمته إلى الفرنسية بالعنوان التنبُّئى «اليوم الذى ستربح فيه الصين».
أهمية ما يطرحه محبوباني تكمن فى أنه ليس فقط أستاذا جامعيا فى العلوم السياسية، وخبيرا فى العلاقات الصينية الأمريكية، ولكن لأنه استند على آراء لدبلوماسيين غربيين من طراز فريد، وأبرزهم وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، الذى ينقل عنه أن الولايات المتحدة كانت من السذاجة بحيث لم تفكر يوما فى إعداد استراتيجية حقيقية لمواجهة الصين، ونتيجة ذلك هى أن مساهمة أمريكا فى إجمالى الناتج القومى العالمى تقلصت من 27% عام 1950 إلى 15% اليوم، فيما قفزت الصين من 4.5% إلى 18.6% خلال نفس الفترة. ويرى محبوبانى أن من حماقات واشنطن فى عهد دونالد ترامب «تحريض البلدان الأخرى على التوقف عن الاعتماد على الدولار كعملة احتياطى عالمي»، وهنا لم يتأخر الصينيون فى إصدار يوان رقمى بهدف احتلال مكانة الورقة الخضراء بالتدريج.
ما يلفت النظر فى كتاب الدبلوماسي السنغافوري، ورغم أن كاتب المقدمة هو وزير الخارجية الفرنسى الأسبق أوبير فيدرين، هو أنه يرى فى بكين نقيضاً لكل وجهات النظر الغربية، فالحزب الشيوعى الحاكم «لا يسعى لبسط نفوذه خارجيا»، والرئيس «شى جين بينج» يتسم «بالاعتدال».
إحساس الصين بالتفوق والسيادة ظهر أيضا فى كلمة قالها الرئيس الصينى خلال الاجتماع السنوى للحزب الشيوعي، حينما أكد «تستطيع الصين الآن أن تنظر للعالم فى عينيه»، وهو ما يتجسد أيصاً فى عقوبات فرضتها على برلمانيين ومفكرين أوربيين، علماً بأنهم ليسوا فاعلين فى حكوماتهم، ولكنها فعلت ذلك بمنطق ردع كل من تسول له نفسه أن يتفوه بكلمة ليست على هوى بكين.
الصين تتوغل بشكل متسارع من خلال شركاتها الـ High-Tech التى خلقت فى العالم كله اعتمادا على منتجاتها الرقمية، ولم يعد التنين مشغولاً بمنافسة حلفاء أمريكا عسكرياً أو بوضع ميزانية تضاهى ما ينفقه الكونجرس، بعدما وضع دولاً كبرى تحت وصايته اقتصاديا وتكنولوجيا، وليس أدل على ذلك من أستراليا التى دفعت ثمنا باهظاً إثر مقاطعة الصين لصادراتها بعدما تجرأت كانبرا على طلب تحقيق حول منشأ فيروس كورونا.