بكل النوايا الطيبة وافقت مصر على المشاركة في جولة المحادثات «الاستثنائية» التي دعت إليها جمهورية الكونغو الديموقراطية بوصفها رئيسة الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي.
وذهب وفد مصر إلى العاصمة الكونغولية كينشاسا كما ذهب وفد السودان الشقيق من أجل منح الفرصة كاملة أمام إثيوبيا لتتخلى عن تعنتها وتتوقف عن انتهاكاتها لكل القوانين والمواثيق الدولية فى قضية سد النهضة.
ولكى ينفتح الباب للوصول إلى الاتفاق القانونى الملزم الذى يحفظ حقوق كل الأطراف وينظم عملية ملء وتشغيل السد، وهو الأمر الذى تعرف إثيوبيا جيدا أنه لا بديل عنه قبل الشروع فى الملء الثانى لخزانات السد، وإلا كانت العواقب التى لا نريدها أو نتمناها ولكنها ستفرض نفسها إذا استمرت إثيوبيا فى الطريق الخطأ وإذا أقدمت على عملية الملء الثانى لخزانات السد دون اتفاق كما يردد المسئولون فيها حتى الآن!!
الهام فى هذه الجولة الاستثنائية من المباحثات أنها تأتى كمحاولة أخيرة لاستعادة إثيوبيا إلى منطقة الأمان والتخلى عن سياساتها العدائية تجاه مصر والسودان، وإدراك أن التعاون المشترك بين الدول الثلاث الشريكة فى مياه النيل الأزرق هو وحده الكفيل بتحقيق مصالح إثيوبيا الحقيقية التى لا يمكن أن تتحقق بأوهام الهيمنة الإثيوبية على مياه النيل - ولا بمحاولة تحويل النيل العظيم إلى منطقة صراع ستخوضه مصر والسودان حتماً إذا تعرضت مياه النيل وهى مصدر الحياة فيهما للخطر، وإذا تجاوزت السياسة الإثيوبية الخطوط الحمراء التى تعرفها جيدا!
وإذا كنا لا نتوقع معجزات من جولة المحادثات الاستثنائية فى كنشاسا لكننا -بالتأكيد- سيكون أمامنا صورة واضحة للموقف الإثيوبى وهل استوعب الرسائل المصرية الواضحة حول عواقب المساس بحقوق مصر فى مياه النيل، وأدرك عواقب المواجهة مع موقف مصر والسودان الحاسم من رفض الملء الثانى للسد قبل الاتفاق الملزم الذى يحفظ الحقوق ويتفق مع القانون والمواثيق الدولية. أم أن حكام إثيوبيا قد اختاروا الاستمرار فى الطريق الخطأ حتى النهاية؟!
يعرف المسئولون فى إثيوبيا أنه لم يعد هناك مجال للتسويف أو المراوغة. ويعرفون جيدا عواقب أى خطوة خاطئة تتجاوز الخطوط الحمراء أو تتوهم أن مصر ستقبل أن يكون النيل وهو مصدر الحياة لها رهينة فى يد حكام أديس أبابا أو من يقفون وراءهم!!.. مع ختام جولة المحادثات الاستثنائية فى كينشاسا سوف نعرف «ويعرف العالم معنا» أى طريق اختاره حكام إثيوبيا. نرجو -وبكل صدق- أن يكون الرشد قد عاد للسياسة الإثيوبية قبل أن تجهض آخر فرص التوافق، وتفتح الباب لعواقب قد لا يدركون مداها إذا أصروا على الخطأ.