يوميات الأخبار

فصاحة المستشار

عبدالهادى عباس
عبدالهادى عباس

رغم كل ما يُحيط به من أسى لاعجٍ لا يزال الحرفُ العربى يملأ منا القلوب والبصر‭,‬ حيث يُقيِّض الله له مَن يقوم به وينفخُ فيه من رُوحه ويهبه اهتمامًا يليق به.. والمستشار حنفى جبالى رئيس مجلس النواب رجل فصيح بليغ حاز انتباهى الكامل منذ كلماته الأول تحت القبة لانطلاق لسانه بلغة عربية رصينة تُعبر بقوة عن أن هناك مرحلة زاهرة للغتنا الأم خلال المرحلة المقبلة‭,‬ كما تقول توجيهاته إلى النواب بضرورة التحدث بالفصحى وعدم الارتكان إلى العامية أو اللغات الأجنبية إننا سنشهد عودة حميدة إلى النموذج الأرقى لعمالقة السياسة المصرية تحت القبة حين كانت أحاديث النواب تُمثل مُحاورات فلسفية وأدبية وسياسية تصلح للتدريس بالجامعات‭,‬ ومن ثم نأمل أن ترتقى الحياة السياسية والحزبية إذا ما استقامت الألسن‭,‬ وهوما ننتظره بصبر أفرغ من فؤاد أم موسى خلال الفترة المقبلة.

وإذا كان "لسان" المستشار الجبالى لافتًا للشارع الثقافى فإنه كان لافتًا أيضًا لأولى العزم من الراسخين فى فقه اللغة بمجمع اللغة العربية الذين استبشروا خيرًا بفصاحة رئيس النواب وتقدمت إليه لجنة اللغة العربية فى التعليم− وهى إحدى أبرز لجان )الخالدين( وتضم كوكبة كبيرة من أعمدة الثقافة المصرية− ببرقية شكر وتقدير إلى رئيس النواب دعمًا لهذا التوجه المحمود الذى يُدرك قيمة اللغة فى ترسيخ أواصر القومية العربية‭,‬ كما ناشدت اللجنة برئاسة الناقد الكبير الدكتور محمد شفيع الدين السيد المستشار الجبالى النظر فى قانون حماية اللغة العربية "المركون" فى أضابير النواب منذ حوليْن كامليْن‭,‬ لأنه بدون تشريع عاجلٍ للقانون ستبقى شوارعنا كما هى )سداح مداح( بلا سلك لغوى يلضمها جميعًا ويزيل عن أعين الناس وعثاء الأذى اللغوى من اللافتات )المنفلتة( للمحلات.

مدرسة الجن!

اعتقد العرب قديمًا أن ما يُلهمهم بقول الشعر إنما هو "وحي" يقبع هناك فى "وادى عبقر"‭,‬ مُلتقى الجن المُبدع‭,‬ المُفوه بالكلام العربى المُبين؛ وبقدر مكانة "الجني" أو الشيطان بين قُرنائه المُوكلين بالشعراء تأتى مكانة كل شاعرٍ "إنسي" بين رفاقه‭,‬ حتى إن بعضهم كان يقول: إنى وكل شاعر من البشر‭*‬ شيطانه أنثى وشيطانى ذكر!.. وهناك قصيدة رائعة ذائعة للشاعر الأموى الفرزدق يُعاتب بها شيطانه المريد الذى أغواه طوال عُمره!

ولأن مصر− كانت ولا تزال− رائدة الإبداع العربى وسيدة فن القول الأول فقد انبثقت من فجاجها المدارس الأدبية تترى يتبع خلفُها السلفَ لتجديد الدماء المتجلطة للإبداع العربى العتيد بدماء حُرة جديدة قابلة للتعاطى مع التطور الرهيب فى المدارس الأدبية الغربية‭,‬ فكانت الإحياء والبعث والديوان وأبوللو‭,‬ كما كانت جسرًا متينًا للتلاقى النقدى مع المدارس الأوربية والأمريكية؛ وها هى ذى الآن تشهد مولد مدرسة جديدة سماها أصحابها الشباب "مدرسة الجن" نسبة إلى أهل الوحى الإبداعى العربى الأوائل‭,‬ وإحياء لهذا الوادى المبدع القابع فى المخيلة الشعرية العربية. يرأس هذه المدرسة الشاعر الدكتور/ السيد خلف )أبو ديوان( الذى يُلقبه أصدقاؤه "سلطان الجن"‭,‬ وهو مدرس بجامعة القاهرة‭,‬ وقد مثَّل مصر− مؤخرًا− تمثيلا مُشرفًا فى مُسابقة أمير الشعراء‭,‬ وهى الأبرز فى الوطن العربي‭,‬ حيث نال حفاوة لجنة التحكيم وأثبت أن مصر بلد الإبداع الحقيقى دونما طنطنة فارغة‭,‬ كما ينتظره مستقبل مُشرق فى دُنيا الشعر العربى مع كل رواد مدرسة "الجن" من العفاريت الزرق.. ربنا يجعل كلامنا خفيفًا عليهم!

‭*‬ ختامه شِعر:

القدسُ مقفولةٌ

تحت الحصار على سُكانها

والطريقُ الفردُ

خلَّافُ

الجسرُ قُدَّامهم

هم يعبرون له

وخلفهم يعبرون الآن

آلافُ

عمرٌ من الريحِ

كم تاهت بوارجُهم

وكم توالت على الأخلافِ

أخيافُ

هذى هى الأرضُ

فليُزجوا مواكبهم

تجاهها

فهى نون الخلقِ

والكافُ.

(طريق الآلهة− الشاعر/ أحمد بلبولة).