الرئيس عبد الناصر كان يؤجل مجلس قيادة الثورة لمشاهدة «العبقرى»

حوار| فيصل ندا: قدمنا «هارب من الأيام» فى 6 ديكورات وتقاضيت 16 جنيها

فيصل ندا
فيصل ندا

 واحد من الرعيل الأول المؤسس لفن الدراما فى مصر والعالم العربى.. إنه السيناريست الكبير فيصل ندا، فهو ليس مجرد سيناريست ولكنه مدرسة تخرج فيها الكثيرون من كتاب السيناريو فهو دائماً صاحب فضل فى اكتشاف عدد كبير من الممثلين الذين أصبحوا نجوما بعد ذلك.. وفى السطور التالية يتحدث عن آرائه وذكرياته عن مسلسل "هارب من الايام" أول مسلسل درامى يعرض على شاشة التليفزيون المصرى.

مسرح كلية تجارة

بدأ فيصل ندا حديث ذكرياته قائلا: كنت رئيس فريق التمثيل فى كلية التجارة وعضو فريق التمثيل فى الجامعة وكنت رئيس اتحاد الطلبة بكلية التجارة ووقتها فكرت فى إنشاء مسرح بالكلية وكان لابد من أن أكتب نصا مسرحيا يتلاءم مع إمكانيات هذه المسرح فى افتتاحه وبالفعل كتبت مسرحية وأتيت بالفنان فؤاد المهندس لإخراجها بعدها عرض على أحد اصدقائى أن اذهب للتليفزيون لنقدم لهم هذه الرواية وبالفعل ذهبت وقابلت حسين كمال كان وقتها قادما من باريس وبعد أن قرأ الرواية

قال لى: أريد أن اقدم عملا عن مشاكل الشباب فاقترحت عليه قصة فوافق عليها وطلب منى كتابتها وطلبت منه أن أكون بطل الرواية لكنه أعجب بالرواية ولم يعجب بى كممثل وأخذ الرواية وسجلها وتقاضيت وقتها 16 جنيها وقررت بعدها أن أتنحى عن التمثيل لاننى سأكون ممثل درجة 70 أما اذا اتجهت للتأليف فسأكون رقم واحد.

سهرات النصف ساعة

كانت الدراما التليفزيونية فى هذا التوقيت عبارة عن سهرة تلفزيونية ساعة أو نصف ساعة يتم تصويرها فى ديكور واحد أو اثنين على طريقة "وان شوت" وهذا معناه انه اذا حدث خطأ أو تعديل فى جملة من ممثل فلابد أن نعيد التصوير من البداية ولم يكن هناك مخرجون ومؤلفون تليفزيونيون وكان يتم الاستعانة بمؤلفى ومخرجى الإذاعة ومعظم الأعمال التى قدمت كانت مقتبسة من مسرحيات أجنبية وأيضا لم يكن هناك ما يسمى تترات وكانت المذيعة تقول اسم المؤلف والمخرج وبالفعل قدمت سهرتين بهذا النظام الاولى اسمها "بالأنانية" لنعيمة وصفى ومحمود عزمى وسهير البابلى والرواية الثانية "بين عمرين" لسميحة أيوب ورشوان توفيق لكننى قررت التمرد على هذا الوضع.

هارب من الأيام

بدأت أتردد على التليفزيون وأشاهد الممثلين فى أعمال النصف ساعة وأتابع حركات الكاميرا وانتظر انتهاء التصوير لأجمع الاسكريبتات بعد أن ينتهوا منها وأبدأ فى مذاكرتها وقررت أن أضيف ديكورات لهذه الأعمال فلماذا هذا المسلسل لا يتم تصويره فى 3 ديكورات بدلا من 2 ولماذا لم يصور فى 4؟ حتى وصلت إلى أنه فى الإمكان أن نصور المسلسل فى 6 ديكورت وبعد ذلك قررت أن أقدم مسلسلا بهذه الطريقة التى وصلت اليها فوجدت قصة قصيرة لثروت أباظة وهى "هارب من الأيام" ذهبت اليه وطلبت منه أن أحولها إلى مسلسل ورحب بالفكرة جدا وفعلا قدمتها للتليفزيون فى 30 حلقة لكن فوجئت برفض الرقابة لانه لا يوجد ما يسمى مسلسل تليفزيونى 30 حلقة ولكنهم اشفقوا على المجهود الذى بذلته وطلبوا منى تحويلها إلى سهرة لولا تولى نور الدمرداش مسئولية مراقبة التمثيليات وتحمس للتجربة وقرر أن يخوضها معى ورشحنا فى البداية فريد شوقى كبطل وكان هذا بسبب جماهيريته ورحب فريد شوقى فى البداية وبدأ البروفات ولكنه بدأ يتخوف من المشاركة فى العمل ونصحه معظم المقربين منه أن هذه التجربة محكوم عليها بالفشل وأقنعه جمال الليثى بأن يشترى له القصة لتقديمها فى فيلم سينمائى فقرر فريد الاعتذار فقام نور الدمرداش باختيار عبد الله غيث وكان وقتها ممثلا ثانويا فى أحد العروض المسرحية بالمسرح القومى وصدمت بقرار نور الدمرداش لأننى كنت أريد فريد شوقى بنجوميته ولكننى وافقت أمام الأمر الواقع وحضرنا أول يوم تصوير ولم يعجب نور الدمرداش بالاداء وقرر إعادة التصوير فى اليوم التالى وبالفعل تمكن عبد الله غيث من الشخصية وقدمها بنجاح كبير.

48 ساعة حجز

بدأ عرض المسلسل فى عام 1963 وكان وقتها معظم البيوت فى مصر لا تمتلك تليفزيونا ولكن كان الناس يجتمعون فى المقاهى والمنازل التى تملك جهاز تليفزيون لمشاهدة حلقات المسلسل الذى كان يعرض بواقع حلقة نصف ساعة كل يوم جمعة وبعد ذلك بدأ التليفزيون ينتشر وبدأت مشاهدات المسلسل ترتفع وبدأ الناس يعرفون اسم فيصل ندا وبعد عرض الحلقة السابعة حضرت إحدى السهرات ثم ذهبت للبيت وفوجئت بأن والدتى توقظنى وتخبرنى بوجود رجال البوليس الذين اصطحبونى إلى أمن الدولة وبعد حجزى فى إحدى الغرف لمده 48 ساعة جاء أحد الأشخاص وسألنى مستنكرا أنت فيصل ندا؟ فقلت له نعم فوجدته يسبنى وقال لى أنت تقصد جمال عبد الناصر بشخصية جمال الطبال فنفيت التهمة واندفعت بحماس للحديث عن جمال عبد الناصر لدرجة أن اقتنع المحقق وأخرج لى شكوى قدمتها المؤلفة أمينة الصاوى بدافع الغيرة من نجوميتى التى بدأت تظهر بسرعة لكن المحقق اقتنع بكلامى وتركنى..

واتذكر أن أعلى الأجور فى المسلسل كان 40 جنيها فى الحلقة وهو أجر حسين رياض ثم تتدرج الأجور حسب نجومية الفنان ووقتها تقاضيت 16 جنيها عن الحلقة وتقاضى عبد الله غيث 8 جنيهات.

جيل جديد

نجاح تجربة "هارب من الايام" أدى لظهور جيل جديد من الكتاب لكن معظمهم اكتفى بتحويل المسلسلات الإذاعية إلى اعمال تليفزيونية وظللت لفترة كبيرة متفردا فى مجالى ثم قررت ان اتجه لتقديم مسلسلات وسهرات فى أجزاء ففكرت فى تقديم "ساقية عبد المنعم الصاوى" فى خمسة اجزاء وبالفعل قدمنا ثلاثة اجزاء هى "الرحيل" و"الضحية" و"التوبة" لكن تولى عبد المنعم الصاوى حقيبة وزارة الثقافة حال دون استكمال الاجزاء لانه خشى من ان يتهم بانه يساهم فى نشر أعماله ثم قررت ان اقدم رواية "كليوباترا فى خان الخليلى" لمحمود تيمور فى 5 سهرات تليفزيونية كل سهرة 5 حلقات ومع عرض السهرة الرابعة تنبهت الرقابة أننى ضد النظام فتم منع السهرة الخامسة.

العبقرى أول مسلسل كوميدى

وعن أول مسلسل كوميدى يقول فيصل ندا: فى عام 1964 طلبنى حسن حلمى وكان مدير التليفزيون فى هذا التوقيت وقال لى: نريد ان نقدم هذه الرواية فى مسلسل فرفضت فى البداية فقال لى: لابد من تقديمها لان الكاتب انيس منصور تقاضى 40 جنيها كأجر عن العمل فوافقت على ان آخذ اجر مؤلف وهو 40 جنيها مثل انيس منصور وفعلا وافق حسن حلمى وقررت كتابة المسلسل تحت اسم "العبقرى" واخترنا محمود المليجى ومحمد رضا كما قررت ان استعين بيوسف وهبى فى العمل وبالفعل اتصلت به وحددت موعدا وذهبت إلى فيلته بالهرم وبدأ يسالنى عن نظام العمل فى التليفزيون ومعنى وان شوت وكيف يتم تسجيل الرواية على مرة واحدة حتى وصل إلى الاجر فتوترت لاننى كنت ارى ان الاجر قليل بالنسبة لنجومية يوسف وهبى ولكننى استجمعت قواى وأخبرته أنه سيتقاضى 40 جنيها وفاجأنى بالرد قائلا "هنبدأ تصوير إمتى".

مجلس قيادة الثورة

وأشار فيصل ندا الى أن هناك الكثير من الكواليس التى دارت حول مسلسل "العبقرى" فقبل تصوير الحلقة 23 اتصل بى المخرج يخبرنى باعتذار يوسف بك وهبى لارتباطه بموعد عشاء مع السفير الأمريكى وأن الغاء التصوير يعتبر أزمة كبيرة حيث كان التليفزيون وقتها يملك استديوهين أحدهما محجوز للمسلسل فاتصلت بيوسف وهبى وطلبت منه أن أحذف دوره من هذه الحلقة وكان رده فليذهب السفير الأمريكى والعشاء إلى الجحيم سأحضر التصوير .

وأذكر أن الرئيس جمال عبد الناصر كان مهتما بمشاهدة الحلقات حتى إن الكاتب أنيس منصور قال فى إحدى مقالاته إن مجلس قيادة الثورة لا يجتمع إلا بعد انتهاء عرض الحلقة ونتيجة الإقبال الجماهيرى الكبير على مشاهدة العمل طلب منى التليفزيون أن نضيف ثلاث حلقات ليصبح المسلسل 33 حلقة.