ســوق الكــتب

رفت رشاد
رفت رشاد

كم هى ممتعة القراءة إن لم تكن أمتع الأشياء، كم هو ممتع البحث عن المعرفة بين دفتى كتاب أو مجلة أو جريدة.

انتظر يوم الأحد من كل أسبوع. إغلاق بعض محلات منطقة الإسعاف بوسط القاهرة أبوابها فى هذا اليوم يتيح الفرصة لبائعى الكتب القديمة أن يفترشوا أكبر مساحة لبيع كتب قًيمة ونادرة وبأسعار رخيصة تسمح لغير القادرين على شراء الكتب حديثة الصدور بأن يتمتعوا بميزة الشراء.

إقبال الناس على شراء الكتب يدحض مقولة عدم الإقبال على القراءة. ربما لا يقبل الناس على القراءة بسبب ارتفاع أثمان الكتب ونهم الناشرين لزيادة أرباحهم. أصبحت على يقين أن القارئ يبحث عن مبتغاه فى أى مكان وكل زمان، ولنتذكر كيف يكون الزحام في معرض القاهرة الدولى للكتاب. ما ينطبق على الكتاب ينطبق على الجريدة والمجلة وعلى كل ما يصلح للقراءة.

أطلقنا على موقع بيع الكتب القديمة الذى ألتقى فيه زملاء من الأخبار والأهرام والجمهورية "سوق الكتب" فهي سوق بالفعل يتسارع الناس فيها للشراء ويتنافس الباعة فيها للبيع. يأتى الباعة بأجولة مليئة بالكتب بعدما يشترون مكتبات كاملة يبيعها أصحابها أو ورثتهم. فى تلك الكميات الكبيرة تجد كل ما لذ وطاب للقراءة والاقتناء وشراء نسخة جديدة تستبدل بها القديمة التى تملكها.

أعلم أن المحليات والشرطة تضايق الباعة ويفرض بعض رجالها أتاوات وهو أمر نراه رأي العين ولا يخفى على أحد ، لكن فى النهاية صار هناك سوق موجود فى هذا المكان الحيوى الذى تدب فيه الأقدام على مدار الساعة. أأسف لأن محافظة القاهرة لا تدرك أهمية سوق الكتب هذا الذي نزح باعته من سور الأزبكية الأصلي الذي تم قتله بغباء وأحاطته الأسوار وحاصره باعة الملابس الداخلية و"الزمامير" والمأساة أن كل ذلك أمام مسرح الطليعة الذى صار خرابا بسبب ميكروفونات الباعة والمشهد القميء أمام أبوابه وبالقرب من المسرح القومى ذي التاريخ الفنى الكبير.

ماذا لو كان لدى أحدهم فى المحافظة بعض الخيال ونظم مسألة بيع الكتب القديمة التى تعطى انطباعا متحضرا للمدينة؟ ماذا لو سمحت المحافظة للباعة بأماكن معينة يمارسون فيها تجارتهم الثقافية الراقية بدلا من مطاردتهم من الشرطة والمحليات ؟ ماذا لو أن المحافظة خصصت لهم أماكن تسمح بسهولة ارتياد الجمهور له وأن يصل إلى المكان بمواصلات سهلة ورخيصة ؟ هل تخسر المحافظة شيئا ؟ أم ستضاف قيمة حقيقية لعاصمة مصر ذات التاريخ والحضارة؟. هل أخاطب أحدا أم أننى أؤذن فى مالطة ؟.

القراءة زمان

طرأ على بالى ما مررت به فى رحلتى فى عالم القراءة. تذكرت تفاصيل ممتعة عن جولات البحث عن كتاب أو مجلة. تذكرت كيف كنت أحرص على شراء الصحف منذ ما يقرب من خمسين عاما. كنت أسابق الزمان حتى تطلع الشمس فأسارع إلى بائع الصحف وأشترى جريدتى المحببة الأخبار وأخبار اليوم التى تعتبر العدد الأسبوعى للأخبار.

كانت الصحف تنفد ولا يأتى موعد الظهر حتى يلملم البائع فرشته بعدما باع معظم النسخ من الصحف المختلفة. أما المجلات فكنا نحجزها ونسدد فى معظم الأوقات ثمنها مسبقا حتى نضمن توفير نسخة منها. أتذكر فى الطفولة سمير وميكى وتان تان وألغاز المغامرين الخمسة وبعدها الشياطين الثلاثة عشر وروايات أجاثا كريستى وألفريد هتشكوك وموريس لبلان البوليسية.

فى سن الصبا كان شغفى بمجلة آخر ساعة المفضلة لديً كنت أحتفظ بأعداد منها والتى تميزت بكبر حجم صفحاتها حتى تكاد تكون جريدة ، هل يصدق أحد ما لعبته الأقدار لأكون بعد ذلك بسنوات طوال رئيسا لتحرير المجلة التى أحببتها ! بعدها جاءت مرحلة الروايات والكتب والبحث عنها فى أماكن بعيدة ليس فحسب داخل المكتبات أو لدى باعة الصحف وإنما خلال السفر فى الداخل والخارج. كم هى ممتعة القراءة إن لم تكن أمتع الأشياء ، كم هو ممتع البحث عن المعرفة بين دفتى كتاب أو مجلة أو جريدة. سعيد بأننى عشت فى زمن الكتب والصحف. لا أعرف هل يستمر هذا الزمن أم سيأتى وقت يندثر فيه الكتاب والصحف والورق ذاته ؟.

سهام عطا الله

لا يوجد عضو بنقابة الصحفيين لا يعرف سهام عطا الله. لا يوجد صحفى لم تقدم له سهام خدمة. لا يوجد زميل تعامل مع سهام إلا وجد بشاشة وجهها وابتسامة مرحبة تذيب أى عدم معرفة سابق. تعرف سهام مدى قدرها عند الصحفيين وحبهم لها وهو ما جعلها أيقونة جميلة بنقابة الصحفيين.

لا يتطرق إلى الذهن أن  يسعى أحد للإضرار بسهام. بغض النظر عما حدث مؤخرا مع سهام داخل النقابة ، يلفت انتباهنا جميعا ما امتلأ به فيس بوك من بوستات للدفاع عن سهام. لم ينتفض الصحفيون بنفس القدر لأمور تحدث فى النقابة وتثير غضبهم قدر ما أثار غضبهم ما حدث لسهام.

تابعت فى إعجاب كيف أن حب الناس يحرك حتى الحجر. من الزملاء من لا يحركه أى حدث لكنه تحرك مساندا لسهام. كيف جعلت كل الصحفيين يحبونك يا سهام العزيزة. كيف جمعت حولك قلوب أعضاء النقابة، وقلوبهم فى الأصل شتى. يقولون أن من أحبه الله أحبه الناس ، وأؤكد أن هذا الأمر حقيقى فى حالة سهام، كيف لا يحب الله صاحبة الابتسامة الدائمة والبشاشة المرحبة طوال الوقت. مبارك لك وعليك يا سهام هذا الحب والتقدير والاحترام لأنك تستحقين كل الخير.

مصطفى منسى ومدحت إمام

كانت صدمتنا فى رحيلهما كبيرة. مصطفى منسى ومدحت إمام ، أهل الأخلاق والكفاءة. عانت الجماعة الصحفية حزنا حقيقيا لرحيلهما. امتلأت الصفحات على فيس بوك بالعزاء والدموع. اتصلت بالزميل محمد سرور لتقديم العزاء فى العزيز مصطفى منسى فلم يستطع استكمال المكالمة وانخرط فى بكاء مستمر. وجدت الزميل على القماش ورفاق الخلوق مدحت إمام وكأن على رؤوسهم الطير غير مصدقين رحيل الشاب الطيب. الأحزان على رحيل زملاء أعزاء، يزيد من حزننا كأعضاء بالنقابة على أوضاع كثيرة تؤلمنا فى مهنتنا ونقابتنا. ندعو الله أن يغفر لجميع الراحلين من الزملاء وأن يلطف بحال عائلاتهم وينزل عليهم الصبر والسكينة.

حب وفساد

عرفت الكاتب الصحفى مدحت البسيونى صديقا منذ أكثر من ثلاثة عقود. من قبل أصدر عددا من الكتب منها "صحفيون خلف القضبان" تناول فيه قصة 4 من كبار الصحفيين كان لهم دور مؤثر فى صنع التاريخ السياسى فى النصف الأول من القرن العشرين إلا أن آراءهم قادتهم إلى خلف القضبان وهم (أحمد حلمى ـ عبد العزيز جاويش ـ عباس العقاد ومحمد التابعى) انفرد فى هذا الكتاب بنشر وثائق محاكمتهم.

كما أصدر "الحقيقة الغائبة بين خالد محمد خالد ومحمد الغزالى" وهو عبارة عن دراسة مقارنة. وكذلك كتاب عن الحرس الحديدى الذى شكًله الملك فاروق واستخدمه لتصفية خصومه. مؤخرا سلك البسيونى دربا جديدا من دروب الإبداع بنشر رواية بعنوان " حب وفساد " اتسمت بأسلوب شائق جمع بين لغتى الأدب والصحافة. تدور أحداثها خلال عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات من القرن العشرين والتى أفرز المجتمع خلالها ظواهر سلبية فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية انعكس أثرها فى اتساع مساحة الفساد والتدين الظاهرى الذى كرسه هجرة المصريين للخليج. ارتكزت الرواية على رصد تعامل الصحافة مع ذاك الفساد. نجح البسيونى فى أن يضع كل تلك التفاعلات فى قصة مفعمة بالرومانسية. ما يزيد من عنصر الإثارة فى الرواية أن الكثير من شخصياتها ووقائعها حقيقية. أضفى الغلاف الذى صممه الفنان أحمد عبد النعيم جاذبية إضافية على الرواية.

كورونا فى سوق البغاء

بعد سنوات طوال من الانقطاع ، عاد التواصل بينى وبين زميلتى المتألقة الكاتبة الصحفية فكرية أحمد. بعد تخرجها قضت فكرية فى هولندا عشرين عاما عادت بعدها لعملها بجريدة الوفد. خلال تلك الفترة أصدرت خمس روايات انطبعت فى غالبها بأدب المهجر ومنها " قلوب فى طواحين الهواء " و" مملكة العبيد ". مؤخرا صدر لفكرية رواية " كورونا فى سوق البغاء " التى تتناول البغاء الفكرى والثقافى والعقائدى الذى ينخر فى المجتمع بأمراضه الخطيرة التى تهدد كيانه وتؤدى إلى تفككه وانهيار قيمه وهويته. تتسم الرواية بصبغة الجدل البيزنطى بين شخصياتها والذى تهيمن عليه لغة الأنا والمصلحة. من خلال الحوار ومقاطع الرواية ندرك مدى عمق الأزمة التى تضرب المجتمع المتحير بين ثقافات مختلفة ما بين الأوروبية والرجعية الدينية والفوضوية وعدم الإيمان بالمثل المجتمعية وتصل الأحداث إلى المرحلة التى تتفكك فيها الأسرة فيموت الزوج ويرحل الأبناء وتمضى الزوجة أيامها فى تكرار ممل.

البحث عن الجميلة

ينقلنا الكاتب ممدوح الغالى إلى زمن المجد الفرعونى بروايته "البحث عن الجميلة.. وخرجت من كيميت" التى تدور أحداثها فى ستة أجزاء كل منها مستقل بذاته.

نعيش فى الرواية زمن أخناتون وتوت عنخ آمون وغيرهم من فراعنة مصر من خلال أحد الحراس الملكيين وأبطال غيره يقومون برحلة بحث مضنية فى أماكن وأزمنة مختلفة بحثا عن

" الجميلة " وخلال رحلاتهم يقابلون أشخاصا من كل شكل ولون. تفاصيل الرواية تملؤها صراعات ومؤامرات وحروب. الكاتب خط روايته بأسلوب مشوق يجعل القارئ يتساءل عن ماهية الجميلة التى يجرى البحث عنها. تأخذنا الرواية إلى عالم غامض فى أماكنه وشخوصه ويضع القارئ فى مواجهة طلاسم وألغاز تثير تفكيره.

سمات العبيد

"ما من شئ يدفع عبدا أن يستشهد ليصون الحرية للأسياد، أن يحمى أرضا لا يملك فيها شبرا، أن يحفظ عينا لا يعطى منها جرعة ماء، أن يمنح دمه ليحيا جلادوه".

                                                                             محمود دياب

                                                                              مسرحية باب الفتوح