بعد رحيلهما في شهر واحد .. السيناريست الكبير يرد اعتبار الوزير المستقيل

وحيد حامد
وحيد حامد

 

كتب - محمد الشماع 

رحلا فى شهر واحد وجمعهما مقال واحد
وحيد حامد يُدافع عن صفوت الشريف!


السيناريست الراحل يرد اعتبار وزير الإعلام «المستقيل» فى مقال عمره 17 عاماً
برامج تليفزيونية حذفت اسم وصورة الشريف من اللقاءات بعد رحيله عن الوزارة بأيام
وحيد: أصبح نهش الآخرين غريزة دموية لدى البعض ممن يمتلكون الأظافر الطويلة والأسنان الحادة
المؤلف الراحل أطلق صرخته لأن ما حدث مع الشريف سيحدث مع آخرين وفى كل المجالات
المقال منشور فى 12 يوليو 2004.. أى بعد أيام من استقالة الشريف فى 24 يونيه 2004
11 يوماً فقط كانت الفاصلة بين وفاة وزير الإعلام الأسبق، صفوت الشريف، وبين الكاتب وحيد حامد. فالثاني توفي في الثاني من يناير، عن عمر 77 عاماً، والأول توفي في الثالث عشر من الشهر ذاته، عن عمر ناهز 87 عاماً.
لم يذكر التاريخ أي تقاطع بين الرجلين، لا صورة ولا مناسبة كبرى، ربما قدم وحيد عدداً كبيراً من الأعمال الدرامية التي أذيعت عبر شاشات التليفزيون المصري في فترة تولي الشريف وزارة الإعلام من فبراير 1982 حتى يوليو 2004، وربما يكون أبرزها «سفر الأحلام» مع العظيم محمود مرسي سنة 1986، و»البشاير» مع الراحل الكبير محمود عبدالعزيز سنة 1987، و»العائلة» سنة 1994، والذي كان حجر زاوية كبير في علاقة وحيد حامد بمؤسسات الدولة، حيث كان العمل رائداً في مسألة مواجهة الإرهاب ومكافحة الأفكار المتطرفة في المجتمع، والتي كان يقودها أبناء تيار الإسلام السياسي في التسعينيات، ونتج عنها عدد هائل من العمليات الإرهابية راح ضحيتها الكثير من المصريين.
هذه الأعمال وإن كان بعضها ليس من إنتاج التليفزيون المصري، إلا أن عرضها أحدث زخماً كبيراً لدى قطاعات كبيرة من الجمهور، بل واستقبلتها وسائل الإعلام بمنتهى الحفاوة.
ثم حدث الزلزال الذي أصاب الإعلام، باستقالة الشريف من منصبه سنة 2004، ليتولى وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني مهمة الإشراف على الوزارة لفترة قصيرة، قبل أن يتم تعيين ممدوح البلتاجي مسؤولية الوزارة لمدة عام واحد، ومن بعده أنس الفقي حتى ثورة 25 يناير.
بعد ابتعاد الشريف عن الوزارة، ناله من الهجوم ما نال، باعتباره قد أسهم في إفساد الإعلام، لكن وحيد حامد دافع عن الشريف في مقال نشر في 12 يوليو 2004، أي بعد رحيل الراحل من الوزارة بنحو شهر واحد، وهو المقال الذي نعيد نشره في السطور التالية، إذ يقول السيناريست الكبير:
كنت فيما مضى، ومازلت أطوف بالمقاهي الشعبية في الأحياء المختلفة وأجالس روادها وأرقب ما يدور حولي حتى أرصد أحوال الناس الذين أكتب عنهم في أفلامي السينمائية أو المقالات الصحفية التي أكتبها لكي أنفس خلالها عن هموم البشر في هذا البلد وأيضاً همومي. وذات يو دخلت أحد المقاهي ويقع في شارع تجاري بأحد أهم أحياء القاهرة، لا أعرف أحداً، ولا أحد يعرفني، مجرد زبون عابر، إلا أنني مكثت أكثر من ثلاثة أشهر زبوناً دائماً، وفي نفس الموعد بعد الساعة الرابعة، فقد اكتشفت أن هذا المقهى هو المفضل لدى غالبية الطباخين العاملين في هذا الحي الراقي لدى الأسر الميسورة والفاضلة. وكانت دهشتي بالغة عندما سمعت ورأيت أسرار البيوت التي يعملون بها وهي تُعلن بصوت مسموع، والأفظع من ذلك هي سباب أصحاب هذه البيوت والسخرية منهم، ومن الذين أصابتهم هذه السهام شخصيات أعرفها جيداً.
عجبت لأمر فئة من البشر متعتها الحقيقية في نهش مسيرة وسمعة من يعملون لديهم، بينما هم أثناء عملهم لا يعرفون سوى السمع والطاعة، وتخرج من أفواههم كلمات محددة هي «نعم» و»حاضر» و»طلبات سعادتك» و»خدامك يا باشا». وأذكر أنني أخذت طلبة قسم السيناريو في المعهد العالي للسينما إلى هذه المقهى ودخلوه متفرقين وكغرباء لا يعرف بعضهم البعض، ليشاهدوا ويتعلموا في درس عملي كيف يكون النفاق والرياء والسفالة الإنسانية والخيانة. وأي خيانة؟، خيانة لقمة العيش التي يقدسها أهل مصر، والتنكر للمبدأ الإنساني العظيم الذي هو الوفاء.
تذكرت هذه الحكاية ويشهد عليها طلبة قسم السيناريو الذين كنت أشرف عليه وقتها، وهم الآن كتاب لامعون سواء في الصحافة أو كتابة السيناريو. تذكرتها بمناسبة ما حدث ويحدث مع الأستاذ صفوت الشريف رئيس مجلس الشورى الحالي والأمين العام للحزب الوطني ووزير الإعلام السابق.
هناك من لا يحب صفوت الشريف، لا ضرر ولا ضرار. هناك من يحب صفوت الشريف، أيضاً لا ضرر ولا ضرار، وهناك من يختلف معه ويحمله أخطاء النظام كله، وهناك من يتفق معه ويرى أن الرجل قام بدوره على خير وجه، والكارهون له يعللون سبب هذه الكراهية بأنه جلس على كرسي وزارة الإعلام لمدة تزيد على عشرين عاماً. وهناك غيره من السادة الوزراء يشاركونه نفس المسألة، وجميعهم لم يجلسوا على مقاعدهم في الوزارات المختلفة بإرادتهم أو بأوامر منهم، ولكنهم استمروا لقناعة القيادة السياسية بأدائهم وأهمية وجودهم في المقاعد التي يشغلونها. والقيادة لا تعرف الهوى في إسناد المناصب، وهي صاحبة رؤية صائبة، وما كان لصفوت الشريف أو غيره من السادة الوزراء القدامى جداً أن يستمروا في أماكنهم لولا قناعة القيادة السياسية بأدائهم.
وكم من وزراء جاءوا وذهبوا في هدوء، وأنا هنا لا أدافع عن صفوت الشريف، لأن الرجل ليس في حاجة إلى أي دفاع، فقد ترك وزارة الإعلام بما لها أو عليها، ليسند إليه منصب رفيع المستوى، عالي القيمة، بالغ التأثير، وهو رئيس مجلس الشوري، أي أن القيادة السياسية رأت أن يكون الرجل في مجال آخر له أهميته البالغة على المستوى السياسي والديمقراطي، والأمر عادي جداً، ويحدث في كل دول العالم.
كان من الممكن أن يترك صفوت الشريف وزارة الإعلام ويذهب إلى بيته، وهذا أيضاً أمر عادي جداً، إلا أن ما حدث في وزارة الإعلام ومبنى ماسبيرو كان أمراً غريباً وسخيفاً ومدهشاً، لا يختلف كثيراً عن مواقف الطباخين من أصحاب البيت الذي يعملون به.
حدث بالفعل أن تم حذف اسم صفوت الشريف عن طريق المونتاج عندما ورد ذكر اسمه على لسان الضيوف في بعض البرامج، ولا أحد يعرف من فعل ذلك، هل هم الصغار أم الكبار؟. والسؤال: إذا كان هذا من فعل الصغار فلماذا لم يحاسبهم الكبار؟، أم فعلها الصغار بأمر من الكبار؟.
وهل يملك هؤلاء وهؤلاء حجب صورة صفوت الشريف وهو جالس على منصة رئيس مجلس الشوري، أو أثناء لقاء له مع الرئيس في أي مناسبة أو حديث عن الحزب الوطني، أولاً هذا ولا ذاك باعتباره مواطن مصري عادي هل صدر أمر بمنعه؟، ومن صاحب هذا الأمر؟، ولأي سبب؟، ومن هنا لا تصبح القضية قضية صفوت الشريف الذي خرج من وزارة الإعلام لتنقلب عليه بعض الدمى البلاستيكية التي وثق فيها يوماً ما ونفخ فيها حتى أصبحت كالبالونات، وعندما انفجرت، انفجرت في وجهه، ثم إنها ليست منهج حكومة تتعامل مع وزرائها على طريقة القطط عندما تعزق سجادة، إنها قضية النفاق، قضية تصفية الحسابات، قضية الحب والكراهية.
لقد شكوت إلى الوزير فاروق حسني المشرف على وزارة الإعلام، وقد ضاق الرجل المهذب بما حدث أشد الضيق، واستنكر هذا الفعل المشين، فهو فعل لا أخلاقي يحدث في المجتمع الوظيفي ولا يسلم منه أحد حتى لو كان من أشد الناس طهارة وعفة.
والذين تنكروا لصفوت الشريف هم أنفسهم الذين سيفعلون نفس الشيء مع غيره، وحسنا فعل فاروق حسني الذي يتولى الإشراف على وزارة الإعلام من مكتبه في وزارة الثقافة. لقد أبعد نفسه عن كوكبة المنافقين، وأصحاب الابتسامات الباهتة والكلمات الزائفة على أن يكون هو وزير الإعلام المقبل.
هؤلاء قد سبق لهم الاتصال بالدكتور ممدوح البلتاجي عندما سرت شائعة تقول إنه هو الذي سيتولى أمور الوزارة. حدث هذا قبل أن يقدم صفوت الشريف استقالته، وقد يظن البعض أني من محاسيب صفوت الشريف حتى أغضب من أجله، ولكنني غاضب أولاً على انعدام القيم الأصيلة التي كانت الميزة الكبرى لدينا.
ما حدث في وزارة الإعلام سيحدث في كل الوزارات التي سيشملها التغيير أو التبديل، لقد أصبح نهش الآخرين غريزة دموية لدى البعض منا، هناك الأظافر الطويلة والأسنان الحادة والأسنة المغموسة في القبح، والنفوس الضيقة التي تملك الطموح غير المشروع، ولأنها بلا موهبة وبلا ثقافة وبلا روح أصيلة فإن النفاق والرياء ومسح الجوخ بل مسح الأحذية هو الوسيلة الوحيدة التي لديها الوصول إلى صيد تافه لا يتساوى أبداً مع الكرامة والكبرياء الإنساني. إنها عادة مصرية قديمة، كان الفرعون يلغي كل أثر تركه الفرعون السابق.
وأنا أخالط الناس وتجمعني بأهل السياسة والثقافة جلسات ومستعد لذكر عشرة أسماء على الأقل من الوزارة الحالية تسن لهم السكاكين لذبحهم، سواء على طريقة المجازر الآلية أو حسب الشريعة الإسلامية. وأسأل نفسي ماذا سيقال عن هؤلاء الوزراء لو استمروا في أماكنهم؟، طبعاً سوف تتحول قصائد الهجاء إلى قصائد مدح وسوف يتحول فشلهم إلى إنجاز، والباطل إلى الحق، ومع الأسف فإن هذا الأمر المشين يطول الجميع، وفي كل المناصب.
نحن الذين أنكرنا على محمد علي باشا إنجازاته، وأنه صاحب مصر الحديثة، ونحن الذين ظلمنا الخديوي إسماعيل، نحن الذين خذلنا أحمد عرابي وقلنا عنه مجرد عسكري جاهل بفنون الحرب.
ليست القضية قضية وزير يترك موقعه ليشغل أي موقع آخر، أو حتى يذهب إلى بيته، ولكنها قضية أخلاق الصغار، بل أخلاق الخدم، أخلاق الزمن الردىء. ليس في الحياة السياسية فقط بل في الحياة الأدبية، هناك من يقلل من شأن طه حسين، ويتهم العقاد، ويهين عبدالرحمن الشرقاوي، وهناك من يتطاول على علماء أفاضل. إننا نعيش عصر الأقزام الذين يقفون على أرجل خشبية، ونعيش زمن الأصوات العالية والفجة من خلال مكبرات الصوت. أعرف العديد من الوزراء السابقين والحاليين وأعرف الصالح منهم والطالح، وأعرف أن الوزير الصالح يطارده جيش جرار من الفاسدين يسعون إلى الإطاحة به حتى يتم إخلاء الساحة لهم، وتصبح ملعباً للفساد. والوزراء الفاسدون تطاردهم شخصيات أكثر منهم فساداً، حتى يحتلوا أماكنهم على طريق عصابات المافيا، يغتال زعيم ليحل محله زعيم آخر. هكذا تدار اللعبة في العالم الوظيفي من أول موظفي الأرشيف، وحتى موظفي الإدارة العليا.
إلى هنا انتهى كلام وحيد حامد عن صفوت الشريف، وهي الكلمات التي يرى الكثيرون أنها صالحة في كل زمان ومكان، طالما وجدت مجموعة المنافقين الذين ذكرهم السيناريست الكبير.
 

 

اقرأ أيضا |فتحي سرور أول الحاضرين لعزاء صفوت الشريف