الفصول الحقلية.. خضرة وعلام

الدراسة فى «عشة» وسط الغيطان والسبورة «شوال بلح»

منى خميس تمارس عملها فى فصل بسيط مقام وسط حقل برسيم فى إحدى قرى الفيوم
منى خميس تمارس عملها فى فصل بسيط مقام وسط حقل برسيم فى إحدى قرى الفيوم

ندى البدوى

لا يقتصر وجود فصول محو الأمية على المدن والمراكز، ففى القرى تنتشر الفصول الحقلية التى تُقام بأبسط الإمكانات المُتاحة وسط الحقول، حيث يمارس الفلاحون طقوس حياتهم اليومية من زرع ورعاية وحصاد لمختلف المحاصيل، لكنهم أصبحوا لا يكتفون بزراعة الأرض بل يهتمون بتطوير حياتهم، وأصبح من ضمن قضاياهم زراعة حياتهم بما هو أفضل من خلال التعليم.

«زرع.. حصد» عبارة تكتب على السبورة بالطبشور، وتكتب على الأرض بالعرق والجهد، والحصاد أكثر من رائع.. فوسط حقلٍ للبرسيم بقرية طوبهار التابعة لمركز إبشواى بمحافظة الفيوم، تجتمع 15 سيدة يتوسطن «عشّة» مسيّجة بجريد النخيل مُمسكات بكراساتهن، بينما تقفت منى خميس محمد وتبدأ درسها أمام السبورة التى أعدّتها من «شوال» لتخزين البلح.
«نتحايل على نقص الإمكانات بأى خامة نستخدمها فى بيئتنا حتى نساعد الأهالى على التعليم»، هكذا تقول وقد امتلأ وجهها بابتسامة رضا قبل أن توضح أن إعادة تدوير هذه الأكياس واستخدامها مكّنهم من حلّ أزمة، نظراً لإتاحة الكتابة والمسح عليها بصورة عملية.
قبل ست سنوات بدأت منى فى عقد فصل لمحو أمية أهلها وجيرانها، خاصة أن ارتفاع نسبة الأمية فى القرية الصغيرة زاد من إحساسها بالمسئولية تجاههم.
«كنت أستاء عندما يضطر والدى إلى التوقيع بـ»البصمة» فى المصالح الحكومية، لعدم قدرته على الإمساك بالقلم وكتابة اسمه، فأقنعته آنذاك بأهمية القراءة والكتابة، وبالفعل بدأت بتعليم والدى ووالدتي، ووجدت استجابة كبيرة منهما، ما شجعنى لأعقد هذا الفصل، بعدما حصلت على تصريح بذلك من هيئة محو الأمية تعليم الكبار والوحدة المحلية، ووجدت أن التعليم كان مثل العدوى الصحية التى أصابت العشرات من أهالى القرية، بخاصة السيدات اللواتى أقبلن على الانضمام إليّ».
تتابع: أؤدى هذا العمل بحب وشغف لأننى أرى التغيير الذى يطرأ على حياة كل مَنْ يتمكن من تجاوز هذه العقبة، فالجهل يجعل الإنسان أعمى ويحتاج دائماً إلى دليل يرشده فى أبسط المواقف اليومية التى يواجهها. كثير من جاراتى كن يواجهن صعوبة كبيرة فى التعايش فى المدينة، عندما يضطررن إلى الذهاب إليها لقضاء أمر ما، ولا أنسى عندما قالت لى إحداهن بعدما أجادت القراءة: «كإنى كنت متغميّة وفتّحت».
توضح: «كثيراً ما أعتمد فى دروس القراءة والإملاء التى أقدمها على مفردات وجمل متداولة ومألوفة لدى الحاضرات، ومُستخدمة فى البيئة الريفية التى نعيش فيها، مثل القصص المرتبطة بالمحاصيل ومواسم الحصاد، حتى ترتبط الكلمات بصور ذهنية يسهل عليهن استيعابها وحفظها».