من الأشياء الإيجابية القليلة التى حدثت فى 2020 ولم يلتفت إليها إلا القليل، نجاح مصر فى تسجيل النسيج اليدوى بالصعيد على قوائم الصون العاجل للتراث الثقافي غير المادى بمنظمة اليونسكو، وذلك بجهد مشترك من وزارتى الثقافة والخارجية..هذا هو الملف الخامس الذى نجحت مصر فى تسجيله فى القائمة بعد: السيرة الهلالية والتحطيب والأراجوز وممارسات تراثية مرتبطة بالنخلة.
هذه الحرف التراثية هى فى الحقيقة هى أشبه بمناجم ذهب ومصدر لتنمية مجتمعية اقتصادية مستدامة
أهمية الخطوة التى تمت، وإمكانيات توظيفها واستثمارها يستلزم منا أن نعود قليلا الى الوراء وتحديدا إلى 2003عندما اتفقت الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، باستثناء الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، على اتفاقية صون التراث الثقافى المادى غير المنظور ..الاتفاقية، كما يبدو من مسماها، هدفها حماية كل ما يندرج تحت كلمة «فولكلور» بعد أن لاحظت الدول ذات الحضارات أن تراثها يستباح ويتم تسليعه فى غيبة منها، فلا هى استفادت ماديا ولا حتى معنويا، وسمعنا ورأينا فى السنوات الأخيرة كيف سرقت إسرائيل عبر دراسات ممنهجة تراث فلسطين المادى وغير المادى ونسبته إلى نفسها جهاراً نهاراً .
خاض الدكتور أحمد مرسى الأمين على تراث مصر غير المادى، ومجموعة من القامات العلمية من أمثال الدكتورة نوال المسيرى معركة لأكثر من عشرين عاما لحماية هذا التراث الذى تتفرد فيه مصر.
وضع النسيج المصرى اليدوى المتوارث صناعته عبر مئات السنين على القائمة، ليس هو النهاية، ولكنه فى الحقيقة البداية، واليونيسكو تلزم الدول الموقعة ــ التى لديها مثلنا تراث محمى ضمن القائمة ــ أن تنشىء لجنة وطنية تتابع صون التراث الثقافى وتقوم بتسجيله بصورة علمية تماما كما فعلنا مع التحطيب والأراجوز والسيرة الهلالية وحتى الطب الشعبى .
هذه الحرف التراثية هى فى الحقيقة هى أشبه بمناجم ذهب ومصدر لتنمية مجتمعية اقتصادية مستدامة. عندما بدأت محاولات إحياء التُّلى فى صعيد مصر، بعد أن كان على وشك الاندثار كان عدد اللاتى يعملن فيه لا يتجاوز 50 فتاة، الآن ارتفع العدد وتجاوز الألف، وأصبحت الفتاة أو السيدة التى كانت تصنع التلى فى « شندويل» وتخشى أن تذهب به الى أخميم التى تبعد عنها عدة كيلومترات، تسافرالآن الى معارض فى أمريكا واليابان والعواصم الأوروبية، وبعد أن كانت تخشى المجتمع، الذى كان يتعامل معها بدونية، اصبحت هى نفسها مصدر فخر لهذا المجتمع.
سر نجاح إحياء التلى يكمن فى الأسلوب العلمى غير العشوائى الذى أدير به الملف الذى بدأ بمنحة من البنك الدولى وبتشكيل فريق لجمع المادة تمهيدا لتسجيلها، وتم إحضار أنوال تقليدية والبحث عن كبارالصناع الذين تركوا المهنة لإقناعهم بالعودة من جديد لتدريب الصغار، ونقل الخبرة إليهم، واستمرارنجاح تجربة التلى يحتاج حضور الدولة بقوة عبر توفير الخامات، وألا تترك صغار الحرفيين لاستغلال عدد من التجارالمحتكرين، وإيجاد أسواق لتصريف المنتج على غرار معارض تراثنا .
من كتبت له زيارة إسبانيا، وتحديدا مدينة توليدو التى كان اسمها طليطلة ايام حكم المسلمين، سوف يفاجأ أن هذه المدينة التى يبلغ عدد سكانها أقل من مائة الف نسمة يزورها سنويا ملايين السياح، الأهم أن كل سائح منهم لا يعود من حيث أتى إلا وفى يده هدية تراثية تؤرخ لزيارته ويحتفظ بها ويورثها لأولاده، سيجد قطعا تراثية بسعر من دولارات معدودات الى عشرات الآلاف من الدولارات، الأهم أن القطعة التى هى بعدة دولارات سوف تكون بمواصفات وضوابط لا تقل عن تلك التى تباع بآلاف الدولارات.. ومن كتب له زيارة تونس الشقيقة سوف يفاجأ أن هناك وزارة كاملة جل دورها هو الحفاظ على الحرف التراثية وتنميتها ورعايتها .
طريق حفظ تراثنا بكافة أشكاله مازال طويلا ويحتاج إلى عمل مؤسسى متكامل تكون الدولة حاضرة فيه، للرعاية وتذليل العقبات، وليس فقط لتحصيل مستحقات الدولة .