خبراء: الفراعنة تميزوا بـ«الرؤوس البديلة» في الحضارة المصرية القديمة

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

رصدت دراسة أثرية للباحثة الآثارية حنان محمد الشرقاوي مدير عام ترميم متحف الشرطة القومي بالقلعة الرؤوس البديلة في الحضارة المصرية القديمة.

وتشير الباحثة الآثارية حنان محمد الشرقاوي إلى أن ملوك الدولة القديمة اعتادوا على إقامة تماثيلهم ملتصقة بجدار المعابد الجنائزية إلى أن جاء الملك زوسر وكان أول من بنى لنفسه تمثالًا منفصلًا عن الجدار بمعبده الجنائزي بسقارة بمواجهة الشمال حيث كان يعتقد المصريون أن الأرواح تسكن مع نجوم القطب الشمالي فكان الغرض منه إرشاد الروح إلى مكانها وإقامة الطقوس المختلفة لها، إلى أن ذهب أكثر الباحثين إلى أن الغرض من إقامة تماثيل المقابر هي البديل عن الجسد الذي دب فيه الفناء حيث أن عملية التحنيط لم تكن كافيه للحفاظ على ملامح المتوفي فربما لا تهتدي إليه روحه في العالم الآخر فصنع له تمثال في أحسن صورة وهو في فترة الحيوية والشباب، وكلمة تمثال في اللغة القديمة تعني «الجميل - الحسن - الكامل».

اقرأ أيضا| 2020 عام كشف التوابيت الملونة في مصر.. والأنظار تتجه لـ«موكب ملكي» في 2021

وتضيف الباحثة حنان محمد الشرقاوي إلى أنه في عهد الملك خفرع عرف ما يسمى بالرؤوس البديلة أو الاحتياطيه وهي رؤوس من الحجر الجيري بالحجم الطبيعي تحتوي على الملامح والصفات الجوهرية فأبدعو في تماثيلهم بخطوط واضحة وقوية وفي شكل رائع جميل زاد من حيويتها وساعد على ذلك إتقان الفنان ملامح الوجه الإنساني بكافه تفاصيله، إلى أن أصبح من السهل تمييز جنس صاحب الوجه «رجل - إمرأة»، ولكنه كان على وجه عام عليه مسحه من الجمود لم يكن يسمح لتطابقه التام بين الشخص وتمثاله رغم أنه من الناحية التشكيلية وصل إلى درجه من النضج فاستعاض الفنان عن ذلك بكتابة إسم ولقب صاحبه عليه في مكان ظاهر، إلا أن اللصوص أحيانًا قاموا بالاستيلاء عليها ومحو الإسم القديم فأصبح من الضروري ابتكار طريقه للإبداع تتماشى مع هذا المفهوم فنراه متمسكا بالمقاييس والمظاهر السائدة لجعل التمثال اقرب للواقع فطليت الرؤوس بلون البشرة والتطعيم أحيانا.

ويلقى خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار الضوء على هذه الدراسة موضحًا أن النحت في الدولة الوسطى تميز بالواقعية التى تعبر عن تغير الأحوال خاصة في عصر الأسرة 12 وقت نشوب الصراع والقتال، ومثال على ذلك رأس الملك سنوسرت الثالث التي ظهر عليها مسحة من الحزن وملامح تعبر عن الألم ولم تعد تنطق بالبهجة الإلهية ولكنها بدت كواجهة خشنة بل قاسية ولا ترى إلا حزينة غارقة في التأمل.

ويوضح الدكتور «ريحان» أن مصر شهدت في الدول الحديثة عصرًا لا مثيل له من الرقي والرخاء وتم إحياء الشعور الوطني في نفوس أهل طيبة فتأثر كذلك الفنانون والحرفيون وحفزهم ذلك على الوصول لأقصى درجة من الإجادة لمسايرة الروح الوطنية الجديدة فعادوا إلى الماضي المجيد والفن التقليدي وكانت نقطة الاختلاف بين رؤوس الدولة الوسطى والدولة الحديثة تظهر باستمرار في معالجة الوجوه ففي الدولة الحديثة مهما كانت الخامة التي يشكل منها صلبة وجافة فقد شكلت الوجوه بصورة مثالية حسب تقاليد العصر وتولى تحتمس الرابع الحكم وتغيرت البيئة الثقافية للأسرة 12 وكذلك الرواج لسلع مثل البرونز والذهب والفضة وازدادت النزعة الحسية في رؤوس هذه الفترة فنجد إحدى رؤوس الملك امنحتب الثالث والموجودة حاليًا في بروكلين تبدو فيها ملامحه المكتظة حيث أصبحت أسلوبًا ونموذجًا زخرفيًا من حيث سماكة الخطوط الخارجية للعيون اللوزية والشفاه البارزه والحواجب المقوسة والأنف المحدد، ومن أروع الأمثلة رأس الملكة «تويا» والتي يظن أنها أم الملكة «تي» من أواخر الأسرة 8 أو أوائل الأسرة 9، وقد صنعت من «خشب الجوز» ولعله خشب الصناديق التي استوردت منها البضائع من آسيا، كذلك من الصقل ونجد العيون والحواجب الزجاجية المطعمة.

ويتابع الدكتور «ريحان» بأن السبب في عدم العثور على رؤوس بديلة من الأسرة الأولى والثانية نظرًا لصناعتها من المواد العضوية مثل الخشب والعاج فكانت عرضة للتلف مما جعل الفنان يعود إلى التماثيل الحجرية وخاصة الحجر الجيري الذي أصبح في سبيله للنضج وأصبح له تقاليد يتوارثها الفنانون والمثالون في المصانع الملكية المخصصة للتماثيل في هذا الوقت فعثر على رأس من الحجر الجيري في حفائر بمنطقه الهرم تمتاز بالعظمة على الوجه وكان الأمير له لحية وكانت الملامح منفذة بدقة عالية، وهذا النوع من الحجر قد انتشر استعماله من الأسرة الرابعة عصر الأهرامات، وكانت رؤوس الأعداء تصور في الأسرة الرابعة كدعامات للأسقف لاتزال واضحة، فقد عثر على رأس لرجل على شكل مطرقة لباب فى عهد الملك «خع سخم»، إلا أنه من غير المؤكد الاستدلال على ظهور الرؤوس الاحتياطية أو البديلة في عصر الأسرة الرابعة، وأنه من غير المؤكد ظهور ذلك الفن قبل ذلك. 

وكانت تتلخص طريقة عمل الرؤوس البديلة في تشكيل سطوح الوجه بدون أي تفاصيل غير ضرورية فكانوا يصنعون وجهها حجريًا على أساس أن يحاكي نموذجًا مختصرًا لملامح الوجه وكانت توضع في حجرة الدفن بعد تشكيلها وإضافة الملحقات من أذنين من «الجصي» الذي عالج به الفنان عيوب الرأس البديل التي صنعت من الحجر وكانت هذه الرؤوس بصفة عامة تعبر عن الهدايا الملكية لأفراد الأسرة، وكانت هذه الرؤوس تتشابه تشابهًا عامًا وذلك مرجعه في الغالب إلى أسلوب التنفيذ وشخصية الفنان وعقله وعمق معرفته بقواعد التشريح فقال عنها أرنولد أن استخدامها كان مرجعه إلى فكرة غريبة في حضارة الأسرة الرابعة ولعلنا جميعًا نشعر بالفخر عندما نجد الفنان المصرى أبدع فى رأس الملكة نفرتيتى ذو التاج ورأس أخرى بدون التاج فى الدولة الحديثة ونماذج لا حصر لها كانت تطورًا للرؤوس البديلة زخرت بها متاحف العالم وكانت شاهدًا على حضارتنا الخالدة.