قلم ووطن

بايدن يفوز.. والعالم يترقب

لواء دكتور سيد غنيم
لواء دكتور سيد غنيم

خلال فترته الرئاسية الأولى ومعه نائبه «بايدن»، انتهج «أوباما» عقيدة «الدِوَلْيِة» فى سياسته الخارجية تجاه الشرق الأوسط والتى تقوم على أن أمريكا تحدد هويتها الوطنية ومصالحها بطريقة تؤكد القواسم المشتركة بينها وبين الدول الأخرى، وبما يمكنها من تحقيق مصالحها من خلال التفاعل والتعاون الوثيق مع الآخرين. ولكنه تحول للعقيدة "الواقعية" من خلال ما أطلق عليه "القيادة من الخلف"، حيث رأى ضرورة الخروج من معظم مناطق النزاعات على أن يتم تشكيل الترتيبات الأمنية فى المنطقة وصياغة القرارات الإقليمية التى تحركها، وبما يتيح الفرصة لدول النزاعات لحل مشاكلها بنفسها بعد منحها المتطلبات اللازمة، وهنا تلاحظ المزيج شديد الحساسية التى تعاملت به أمريكا مع حلفائها والأزمات التى تواجهها، مزيج يجمع بين القيم والمصالح الأمريكية.
وبالنظر لـ"ترمپ" فانتهج "الواقعية" والتى تصل لـ "البرجماتية" الشديدة، وهو ما اتضح فى شخصه وأسلوبه بصفته رجل الأعمال الأشهر، فهو يبحث دائماً عن الربح وتحقيق المصلحة بأقصر الطرق وأقلها تكلفة. وربما لاحظ البعض أنه فى الوقت الذى كان الكونجرس الأمريكى يراعى ذلك التوازن بين القيم الأمريكية والتى تتمثل فى الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وغيرها وبين المصالح الأمريكية، كان "ترامب" يتعامل من منطلق المصلحة الصرف دون النظر للقيم الأمريكية المحددة فى استراتيجيتها المعلنة.
أما "بايدن" فسيعود إلى عقيدة "الواقعية" التى اعتادها مع أوباما، حيث ستستمر الولايات المتحدة فى سياساتها تجاه روسيا والصين مع تقليل حدة المواجهة العدائية الصريحة تجاه الصين، كما سيحاول بايدن تعجيل تنفيذ المبادرة الرباعية اليابانية "إيندو-باسفيك منطقة حرة ومفتوحة" والتى تناظر المبادرة الصينية العالمية "الحزام والطريق" خاصة مع خفوت مبادرة "الشرق الأوسط الكبير" عربياً. وسيعمل بايدن على استعادة العلاقات الأمريكية مع التحالفات الدولية لطبيعتها خاصة مع الناتو والاتحاد الأوروبى ودوله الكبرى، واستعادة الأرضية السياسية والأمنية الواحدة التى كانت تقف عليها كل من أمريكا وأوروبا والتى فقدتها بسبب السياسات الأمريكيةخلال الأزمة الإيرانية منتصف 2019. كما سيحرص "بايدن" على استمرار سيطرة بلاده على النظامين العالمى والإقليمى فى مواجهة الصين وروسيا.
أما على صعيد منطقة الشرق الأوسط، فسيعمل "بايدن" على العودة للاتفاقية النووية الإيرانية والتى تبناها أوباما مع الدول الكبرى وألمانيا والاتحاد الأوروبي، الأمر الذى سيقلل من حدة دعم أمريكا المطلق لإسرائيل ودول الخليج. فى المقابل لا أتوقع تغيراً حاداً فى سياسات أمريكا تجاه أزمات المنطقة فى سوريا وليبيا واليمن والعراق.
سيعود بايدن لإعادة صياغة مزيج دقيق بين المصالح والقيم والأمريكية كما حاول من قبل، حيث كان مع رأى وزيرة الخارجية وقتها "هيلارى كلينتون" لإعلاء المصالح الأمريكية على قيمها بمحاولة عدم التخلى عن مبارك خلال ثورة يناير 2011، وعدم وصف ما حدث بمصر على أنه انقلاب عقب ثورة 2013 وقد استمع أوباما لهما عام 2013 وهو ما دعمه الكونجرس الأمريكى أيضاً. من هذا المنطلق سيستمر بايدن على قياسه للوزن النسبى الحقيقى لمصر، والذى تقدره تماماً الإدارات الأمريكية المتعاقبة، الأمر الذى تعلمه مصر جيداً وتعمل على تطويره واستغلاله.
< زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا