الداعية أسامة فخري الجندي يتحدث عن فقه الأمانة

 الدكتور أسامة فخري الجندي الداعية بوزارة الأوقاف
الدكتور أسامة فخري الجندي الداعية بوزارة الأوقاف

واصل الدكتور أسامة فخري الجندي الداعية بوزارة الأوقاف خواطره الرمضانية في اليوم الرابع والعشرون من شهر رمضان تحت عنوان "من فقه الأمانة أن تؤدي حقها التي استودعك الله إياها".

ولفت إلى أنه من أنواع الأمانة: "أمانة المنهج -  أمانة المواهب - أمانة الجوارح - أمانة العمل"، فبمجرد أن تُنطق هذه الكلمة أو تسمعها ، يأتي في الذهن مباشرة معنى واحدًا فقط ، وهو أن يُودِع إنسانٌ عندك أمانة لتحفظها له ، مادة كانت أو غير ذلك.

وتابع: الأصل أن الأمانة كمفهوم عميق لها معاني متعددة ، نوجز العبارات عن بعضها ، راجين أن نؤسس أولادنا والأجيال عليها ؛ ليكونوا أداة فاعلة في حفظ هذه الأمة وتقديم طاقاتهم وخبراتهم التي تُكتسب فيما بعد مستقبلًا لبناء الأمة ، وأيضًا للوصول إلى حياة مستقيمة ومعتدلة في الدنيا ، وسعادة مؤكدة في الآخرة ، فنقول : إن هناك أنواعًا متعددة للأمانة ، منها :

أمانة المنهج :

ويُقصد بها أمانة الالتزام بالتعاليم الإلهية والنبوية ، فالمنهج الإلهي هو في ذاته نور شأنه ألا يجعل المخلوق يصطدم برب المخلوق ـ بمعنى أن هذا المنهج يجعل إرادة كل إنسان موافقة لمراد الله عز وجل ، فلا يجترأ هذا الإنسان عليه سبحانه وتعالى بالوقوع فيما لم يأمر به ، ولا يقع في معصية أبدًا ، ما دام ملتزمًا بهذا المنهج ، فأمانة المنهج معناها اتباع هذا النور الذي يضمن السعادة في الدارين ، ويحقق الفوز بالجنة ، ويؤكد الميزان الكوني الذي وضعه الله عز وجل في الدنيا (افعل ولا تفعل) .

ومنها : أمانة العطاء الإلهي أو أمانة المواهب :

ويُقصد بها : أن الله عز وجل لم يعطِ كل المواهب والقدرات والإمكانات لفرد واحد وفقط وإلا لاحتاج المجتمع كله إليه ، وإنما شاء الله بحكمته أن يوزع تلك المواهب والقدرات والإمكانات على سائر خلقه ليحقق بذلك الترابط بين أفراد المجتمع ، فيكون مجتمعا منسجما يحتاج بعضه إلى بعض ، وهذه الفكرة هي ما يجب أن نغرسها في نفوس الأجيال أثناء تنشئتهم .

وبين: "هناك من وهبه الله سدادًا في الفكر ، وهناك من وهبه الله قوة في العضل، وهناك من وهبه الله الحلم ، وهناك من وهبه العلم ، وهذه المواهب هي في ذاتها أمانات أودعها الله في خلقه ، فأدوا حق تلك الأمانات التي أودعها الله فيكم.. و يا من وهبك الله سدادًا في الفكر ، أدِّ أمانةَ ذلك بالتوعية وبتقديم الاقتراحات والخبرات، ويا من وهبك الله قوةً في العضل ، أدِّ حقَّ تلك الأمانة بمساعدة الضعيف وبالعمل كساعد من سواعد بناء الأمة والدفاع عنها، ويا من وهبه الله العلم قم بحق تلك الأمانة وعلم غيرك ما علمك الله إياه وذلك في شتى المجالات العلمية" .

وأشار إلى أن منها: "أمانة الجوارح ونعني بها أن يحقق كل إنسان ذاتيته بطريق الشرع ، فكل إنسان أسمى وأحب شيء إليه هو نفسه ، هو ذاته ، وهو يريد أن يضمن لها استقامتها واعتدالها وصحتها ونضوجها وتقويم بِنيتها ، ومعنى هذا أنه يجب عليه ليحقق ذلك أن يجلب لها كل ما من شأنه أن يحقق كمالها من طعام وشراب وتطبيب وكساء ، وغير ذلك.. فعليه إذن أن يجلب لها ما يحقق ذلك ولكن بطريق الشرع ، وهذا أصل أصيل في تربية الأولاد ؛ ليسلكوا طريق الشرع ويتجنبوا الانحراف عنه".

وكذلك من أمانة الجوارح أن يحفظها من كل ألم وداء في الدنيا والآخرة، وهذا يدفع كل إنسان منا إلى أن يحفظ جوارحه عن كل ما نهى الله ، فلا يتكلم إلا بخير ، ولا يسمع إلا ما أمر الله ، وهكذا ينزِّه كل جوارحه عن كل ما نهى وحرّم الله عز وجل ؛ ليضمن سعادتها في الدنيا  والآخرة .

ومنها : أمانة العمل :

فلا شك أن الأعمال الصالحة هي أرجى عمل لكل إنسان منا ، والأصل أن تكون هذه الأعمال وما يُتقرب به إلى الله خالصًا لوجه تعالى ... فإن شاب العمل شهوة خفية من رياء أو حب محمدة وما شابه ذلك ، فقد أفسد ذلك العمل ، وجعله غير خالص لله ، وحتى يقبل العمل ويحصل به الأجر الوفير ينبغي أن يكون خالصًا لوجهه تعالى .

واختتم: "هناك غير ذلك من أنواع الأمانات ، فلينظر كل منا في كل ما وهبه الله عز وجل من نِعَم ويؤدي حقها ، ولنزرع ذلك في بذور شجرتنا (أولادنا والأجيال) ؛ لنجني ثمارها (سواعد لبناء الأمة والدفاع عنها والمحافظة على ثوابتِها وهُويّتها) ".