عودة داعش من جديد متحصنا بكورونا .. تفسيرات ومخاطر قائمة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

يبدو أن القدر المحتوم لمنطقة الشرق الأوسط والعالم هو مواجهة ومحاربة التطرف والإرهاب بمختلف تنظيماته وتكويناته العنقودية التي لا تنتهي وأفكاره الهدامة التي تهدم وتقوض المجتمعات لا تقويها أو تبنيها، مستغلة انشغال حكومات دول العالم باتخاذ إجراءات وقيود للحد من تفشي فيروس (كورونا) المستجد.

فقد شهدت الفترة القليلة الماضية عودة لافتة لنشاط تنظيم (داعش) في دول عديدة، بما في ذلك العراق وسوريا، معقليه السابقين ومركز دولته المزعومة، وفي ظل حالة السيولة السياسية التي تعيشها العراق منذ فترة على خلفية تعثر تشكيل حكومة سياسية تدير شئون البلاد في فترة عصيبة تتزامن مع مواجهة تداعيات تفشي (كورونا) في مختلف دول العالم.

ووفقاً لإحصائية عراقية، يبدو أن التنظيم الإرهابي ما زال يحافظ على قدرة لا يستهان بها في شن هجمات مؤثرة على قوات الأمن العراقية، وذلك خلال الفترة من يناير وحتي منتصف أبريل الماضي، الأمر الذي يفسر زيادة الخسائر التي تكبدتها القوات العراقية، خصوصاً بعد سلسلة الهجمات التي نفذها (داعش) في منطقة (مكيشيفة) ومناطق أخرى بمحافظة صلاح الدين، إلى جانب هجمات أخرى في محافظات (ديالى وكركوك ونينوى) ضد الحشد العشائري وقوات الجيش، وأدت إلى مقتل وجرح عشرات الجنود.

تفسيرات متشابكة
أرجع مراقبون تزايد نشاط تنظيم (داعش) في العراق إلى مجموعة من الأسباب، أبرزها: أولاً: أن ثمة ما يشبه الاتفاق على أن التنظيم يستغل الظروف المعقدة والصراع السياسي المتواصل منذ أشهر في البلاد، كما يستغل انشغال السلطات العراقية والعالم بجائحة (كورونا).

ثانياً: هشاشة وضعف التنسيق بين قيادات العمليات العسكرية ضد (داعش).. حيث ينجح الأخير في استغلال هذا الضعف ويقوم بشن هجماته عبر ما وصفه المراقبون بـ "نهايات الأراضي السائبة" باعتبار أن (داعش) يشتغل في مساحة كبيرة تشترك فيها نحو 5 محافظات تمتد من حدود إيران شرقاً وتصل إلى سوريا غرباً، وهي منطقة أحراش ووديان ومزارع.

ثالثاً: عدم تطهير قضاء الحويجة ذي المساحة الكبيرة بعد سيطرة القوات الحكومية عليه نهاية عام 2017، وما زال هذا القضاء بتضاريسه المعقّدة وارتباطه بسلسلة جبال حمرين الوعرة أهم أماكن اختباء وانطلاق عناصر (داعش).

وقد حذر مدير معهد "سيبري" لأبحاث السلام في (استوكهولم) دان سميث من تصاعد النزاعات الدولية، بسبب أزمة جائحة (كورونا) وينطبق هذا بشكل خاص على العراق وسوريا، مشيراً إلى ظهور بوادر لتقوية شوكة تنظيم (داعش) بعد هجمات متفرقة في محافظات عراقية مثل صلاح الدين والأنبار ونينوى وكركوك، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والمصابين.

كان العراق قد أعلن في ديسمبر 2017، تحرير كامل أراضيه من قبضة تنظيم (داعش) بعد نحو ثلاث سنوات ونصف من المواجهات مع التنظيم الإرهابي، الذي احتل نحو ثلث البلاد، معلنا إقامة ما سماها "الخلافة الإسلامية".

الخطر قائم
ومع أن الهزيمة العسكرية لم تكن كافية لانهيار التنظيم، فإن السلطات العراقية لم تتعامل بما فيه الكفاية مع الحاضنة المجتمعية والفكرية لهذا التنظيم في تلك المناطق التي استوطنها طوال السنوات الثلاث والنصف قبل هزيمته.

وبسبب إشكالات عديدة، رافقت عمليات القتال ضد التنظيم، منها عدم عودة النازحين في العديد من تلك المناطق، فضلاً عن عدم تخصيص الأموال الكافية لإعمارها، فقد عاد التنظيم، لينتعش من جديد إلى الحد الذي بدأت التقارير الغربية، تشير إلى أنه عاد ليشكل خطراً كبيراً.

ويتفق خبراء في الشأن العراقي، على أن هذا التنظيم لا يزال يشكل خطراً تتوجب مواجهته، الأمر الذي يتطلب من قيادة العمليات العراقية المشتركة التي شنت العام الماضي (2019) ثماني عمليات عسكرية كبرى أطلقت عليها "إرادة النصر" لمواجهة تمدد التنظيم، أن تستمر في تنفيذ هذه العملية في ضوء المخاطر الواقعية التالية:

أولاً: أن تنظيم داعش يملك الآن إمدادات مالية ضخمة تقدر بنحو 400 مليون دولار تم إخفاؤها في كل من العراق وسوريا، كما تم استثمارها في مشاريع تجارية مثل تربية الأسماك وتجارة السيارات، فضلاً عن بعض أنواع الزراعة مثل القنب، وبعض أنواع المخدرات في شمال العراق، الأمر الذي يعطي دلالة مؤكدة على أن (الدواعش) موجودون، ويحاولون تنظيم أمورهم التدريبية في المعسكرات داخل العراق.

ثانياً: بدأ التنظيم بإعادة تجميع قواته وشن هجمات بأسلوب حرب العصابات في العراق وسوريا، وتجنيد أشخاص جدد في المخيمات، وهذا ما كشفته تقارير للمخابرات الأمريكية في الأيام الماضية عن عودة هؤلاء إلى المناطق التي يكونها نهر دجلة مثل مناطق الثرثار وغيرها غير المأهولة، التي يجري تهيئتها، لاستقبال هؤلاء، فضلاً عن مناطق أخرى جرى إعدادها لهم، خصوصاً في جبال حمرين.

ثالثاً: أن لدى التنظيم تمدداً في أرياف المدن الحضرية ومعسكرات وأنفاقاً وقوة بشرية ناشطة بين 3500 إلى 4000 عنصر قتالي منتشرين في نحو 11 قاطعاً عملياتياً في المحافظات الغربية والشمالية العراقية.

تأسيساً على ما سبق، فإن تنظيم (داعش) بدأ ينشط من جديد، وبدأ يحاول أن يستقطب أتباعه من خلال تكثيف ومضاعفة الرواتب لهم، وبالتالي فإنه الآن حيال مرحلة جديدة يمكن له من خلالها البدء بتنفيذ عمليات جديدة خلال الأشهر المقبلة، حيث باتت لديه مدركات كبيرة حيال الوضع السياسي الراهن.

وعليه فإن المرحلة الحالية باتت تتسم بالضبابية وعدم الوضوح في شأن المواجهات المتوقعة بين تنظيم (داعش) الإرهابي وقوات الحكومة العراقية الجديدة، وهو من أهم التحديات التي تواجهها في الأمد القليل المنظور.