وباء "كورونا " يدق جرس الإنذار لتعزيز استثمارات البنية الاجتماعية في أفريقيا !

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

بات الحديث الأكثر تكراراً وإثارة للجدل داخل الأوساط الدولية وكبرى مؤسسات التمويل ينصب على مدى توافر البنية التحتية الاجتماعية في مختلف دول العالم ، سواء المتقدمة منها أو النامية، جراء جائحة "كورونا " الأخيرة .

وكشفت جائحة فيروس كورونا (كوفيد- 19) وتداعياتها في أرجاء العالم أنه حتى أكثر الدول تقدماً وثراءً ستحتاج إلى توفير سبل الحماية الكافية تحسباً لحدوث الأسوأ؛ بالنسبة للمناطق الحضرية الفقيرة، وللمزارعين المعزولين عن التواصل، والطلبة والمهمشين والطبقات الأكثر عرضة للأضرار في المجتمعات المحلية.

و بالنسبة لأفريقيا فالمشهد يبدو مختلطاً؛ فهناك جنوب أفريقيا التي أشاد المراقبون خلال الأيام القليلة الماضية باستجابتها للتصدي لوباء (كوفيد- 19)، وقلة أعداد حالات الإصابة المؤكدة بها والتي لم تتجاوز 7200 مصاب، فضلاً عن تنفيذها لإجراءات صارمة وفق معايير متناسبة مع المناطق المختلفة، واتساع لرقعة اختبارات كشف الإصابة بالمرض.

كما أن هناك عدداً من الدول الأفريقية التي تعد مقصداً للحالات المصابة القادمة من الخارج مثل غانا والمغرب، حيث سجلت حالات إصابة مؤكدة قليلة لم تتجاوز بضعة آلاف في اختبار لمدى صلابة منظوماتها الصحية. وتندرج تلك الدول ضمن فئة "مجموعة الصفوة" في قارة أفريقيا لجهة المتحصلات الضريبية؛ إذ إنها أكثر دول القارة تحصيلاً للضرائب قياساً بتعداد سكانها.

ويقول مراقبون إنه في المقابل فإن تلك المجموعة لم تنعكس متحصلاتها الضريبية إلا بشكل طفيف على الإنفاق على البنية التحتية الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، فإن دولة مثل جنوب أفريقيا تحتل مركز الصدارة في القارة من حيث نصيب الفرد من النفقات الصحية الحكومية المحلية بقيمة 576 دولاراً لكل فرد، بينما المتوسط العالمي يصل إلى 941 دولاراً لكل فرد ، أما في بلدان أفريقية أخرى، من بينها نيجيريا، فإن الوضع قد يصبح سيئاً إذا خرجت الجائحة الأخيرة عن السيطرة.

ويرى مراقبون أن معدل الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد من الإنفاق الصحي في تلك الدول يقل عن المتوسط الأفريقي البالغ 2ر17% و69 دولاراً لكل مواطن على التوالي، لذا فإنه يصعب التصدي لتلك الإشكالات بعلاجات قصيرة المدى.

وبعيداً عن مستويات الإنفاق الصحي، فإن التجربة أثبتت أن الدول التي استثمرت بفعالية وكفاءة في التعليم، وإسكان الطلاب، والإسكان الاجتماعي، وكهربة المناطق النائية، وإعداد بنية تحتية لشبكة "الإنترنت " هي التي تمكنت من التأقلم بصورة أفضل وأظهرت قدرة على الصمود والمرونة لدى مواجهتها جائحة "كورونا " الأخيرة.

وأشار مراقبون إلى أن هناك فرضية بأن الدول الأفريقية الأكثر ثراءً قد تتمتع بقدرة أكبر على الاستجابة الطارئة للوباء، لكن بنظرة متأنية ومتعمقة فإن المحللين يرون أن هذه الدول بحاجة ماسة إلى إيجاد حلول مستدامة لعدد من القضايات الحرجة التي تواجهها من بينها المدن العشوائية، والطلبة المشردون بلا مأوى، والمزارعون المنعزلون عن التواصل، وتخلف طلبة المدارس عن التحصيل العلمي مقارنة بنظرائهم في العالم.

ولفتوا إلى أن غالبية طلبة المدارس في كل من بريطانيا وألمانيا بمجرد صدور قرارات إبقائهم في المنازل بعد إغلاق المدارس، تلقوا تكليفات ورسائل من معلميهم المؤهلين والمدربين تقنياً على إدارة التعليم عن بعد من خلال خدمات إلكترونية متطورة، وشرعوا في إطلاق خطط وجداول تعليمية كاملة عبر الإنترنت ، أما في أفريقيا، فهناك أكثر من 120 مليون طفل وفتى في عمر الدراسة لم يهنأوا بتلك الحظوظ.

وفي معظم أرجاء أفريقيا، وحتى مع وجود بنية اجتماعية، فإن الحكومات كانت عاجزة عن تشغيل أو الحفاظ على تلك الأصول لتقديم خدمة جيدة نظراً للافتقار إلى التمويل أو لضعف القدرات التقنية والفنية.

ويقول البنك الدولي ، إن الإنفاق الحكومي على التعليم في أفريقيا كنسبة من الموازنة بلغ 9ر15 % عام 2016، وهو ما يزيد على المتوسط العالمي البالغ 6ر14 % ، كما أن هناك دولاً مثل : كوت ديفوار، وغانا، وموزمبيق، والسنغال تتجاوز تلك النسبة" 20 % " .

ورغم ارتفاع الانفاق، فإن الانفاق الإجمالي مقارنة بتعداد السكان يبقى غير كاف، كما أن معظم المبالغ المخصصة لميزانية التعليم تبتلعها نفقات جارية وإدارية غير مجدية تؤثر على جودة العملية التعليمية ومنتجها - حسب المراقبين .

وبينما يتركز الجدل المثار في ردهات مؤسسات الإقراض الدولية والمقرضين الخاصين على الدعم الإنساني، والإعفاء من الديون، وصياغة حوافز الدعم المالي، فإن الخبراء خلصوا إلى أن النجاحات طويلة المدى في معركة العالم مع جائحة "كورونا " الراهنة لا يمكن تحقيقها إلا من خلال الاستثمار في البنية التحتية الاجتماعية في أفريقيا.

يذكر - في هذا الصدد - أنه خلال السنوات العشر الأخيرة، عرفت التدفقات التمويلية التنموية طريقها إلى عدد من القطاعات الرئيسية في القارة الأفريقية والتي ركزت على البنية التحتية الأساسية، ومشروعات الطاقة، ومشروعات الصناعات الغذائية ، غير أن القليل من المستثمرين المؤثرين تمكنوا من المبادرة بالتقاط فرص استثمار محدودة في البنية الاجتماعية سواء ببناء شبكات "إنترنت " وغيرها من المشروعات الاجتماعية.

وفي ضوء التركيبة السكانية لأفريقيا التي تتمتع بأن 60 % من قاطنيها تقل أعمارهم عن 25 عاما ، كما أن تعداد القارة يتوقع أن يصل إلى 5ر2 مليار نسمة بحلول عام 2050، فإنه من المتصور أن يصبح الوصول إلى "الإنترنت " في تلك القارة من المتطلبات الأساسية للأهداف الاجتماعية والاقتصادية و"الحوكمة " في أفريقيا. 

وبالنظر إلى آفاق مشروعات البنية الأساسية الاجتماعية، يقول خبراء تمويل التنمية إنها قد تحصل على دعم طويل المدى من تدفقات الدخل المرتبطة بالتضخم والمدعومة باتفاقات تعاقدية. ومن جانبها قالت صحيفة "فاينانشيال تايمز" إن تلك المشروعات يحق أن يطلق عليها مشروعات "البنية الضرورية".

ويواجه مستثمرو تلك المشروعات مخاطر ممتدة ترتبط بالاقتصادات البازغة، من بينها ضعف الأطر التشريعية والتنظيمية والتدخلات السياسية، لكن مثل تلك المخاطر يمكن تخفيف آثارها من خلال تبني نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وألا يكون الهدف استبدال الحكومة ولكن لتقديم المساعدة المالية والفنية لها لكي تقوم بدورها كمزود للخدمات.

ويرى المراقبون أنه بات لزاماً على الحكومات الأفريقية تحسين مناخاتها الاستثمارية وجذب رؤوس الأموال المحلية، بما فيها خزانات السيولة لديها، مثل صنايق المعاشات لكي يتم ضخ أموالها في مثل تلك المشروعات العامة المحلية ، كما يمكن للحكومات والأطراف التنموية الرئيسية أن يتشاركا في حماية أموال أصحاب المعاشات والمستثمرين ، والحيلولة دون تعرضها للخسائر ، وذلك عبر التوسع في استخدام "آليات مالية" قائمة وتُطبق حالياً في قارة أفريقيا مثل الضمانات، وتغطية الخسائر الأولى لرأس المال.