مصر الغد

من غشنا فليس منا «٢-٢»

نادر رياض
نادر رياض

من وقت لآخر نجد أصواتاً تعلو بالدفاع عن صناعة الغش والغشاشين بادعاء سبب أو آخر مثل توفير البديل الأرخص أو أن المواصفات القياسية ليست لازمة لكل سلعة مع إغفال جانب الأمن والأمان ومدى إلزاميته متجاهلة بذلك فداحة حجم المشكلة والحاجة الملحة لتحجيمها بعد أن استشرى الخطر منها وتفعيل قوانين الدولة الحاكمة للنظام. وفى محاولة دءوبة يعمد الغشاشون فى السعى وراء تقنين قبح ما يرتكبون فإنهم لا يعدمون الوسيلة فى استقطاب بعض ذوى الأقلام والأصوات العالية مستغلين عدم إلمام البعض بثوابت لا يجوز المساس بها مثل عدم اغتصاب حقوق الغير من أسماء ماركات عالمية ومحلية مسجلة وعدم طرح بضائع فى الأسواق منسوب مصدرها لغير أصحابها بالغش والتدليس. كما أن الأولى بالمواصفات القياسية لأى دولة أن تتبع بكل دقة لأن هذا يعتبر من مؤهلات أى صناعة تستحق أن يطلق عليها مسمى صناعة حتى وان كانت فى دولة نامية فما بالنا بالدول الواعدة التى لها طموحاتها وتمتلك كامل الأدوات لتحقيق انطلاقه صناعية واقتصادية وتنموية مثل مصرنا الحبيبة كما نريد لها أن تكون.
كما أنه الأجدى لكل ذى حرفة ومهنة وصنعة أن يوظفها ضمن المنظومة الصناعية المتكاملة فيأخذ موقعه منها إما كصناعة مغذية أو صناعة متكاملة يفخر بأن يضع اسمه عليها ليصل بعد فترة طالت أو قصرت ليجد مكانه محفوظاً بين رجال الصناعة المرموقين.
فالوصول للصدارة فى صناعة ما قد لا يحتاج إلى النصيب الأكبر من التعليم للسير فى هذا الدرب الواعد. فتاريخ الصناعة فى مصر يأتينا بأسماء لامعة تحاط بالاحترام والتقدير بعد أجيال من رحيلها مثل سيد ياسين رائد صناعة الزجاج والبللور.
والملم بطبيعة الشعب المصرى العريق الراسخ فى الأصالة يعرف دون أدنى شك أنه شعب طيب فهو بمسلميه ومسيحيه ذو خلفية يقينية يتمسك بالأخلاق والسلوك المنضبط.
فنرى فى كثير من الأحيان المسيحيين يستعملون أقوالاً فى تعاملاتهم ذات أصول إسلامية والعكس صحيح، فنرى من يقول «عفا الله عما سلف» «والصلح خير» أما على جانب التعاملات والنهى عن الغش فنجد الدين الإسلامى بتعاليمه يمثل اغنى المصادر التى أثرت التعاملات التجارية وأثرت فيها، فبدءا من «أوفوا الكيل» وفى قول آخر «أوفوا الميزان» إذ انه فرق بين المكاييل والموازين حتى لا يتذرع المتذرعون و»من غشنا فليس منا» وفى موضع آخر «من غش ليس منا» و» إن الله يحب إن عمل أحدكم عملا أن يتقنه» وهنا أضاف عنصر الجودة للعمل وليعلى من شأنه أمعن فى وصف المفسدين فى الأرض وغلظ لهم القول والعقوبة، فى حين وصفت الأقوال الإسلامية الرجل الفاضل فى تعاملاته بأنه «سمح إذا باع وسمح إذا اشترى» وفى هذا حكمة لا تحتاج منا لطول بحث لنصل إلى حكمة خلف هذه المقولة ألا وهى أن البائع إنما هو مشتر فى ذات الوقت فقد يبيع سلعة ويشترى سلعة كمدخلات صناعية ويضيف إليها ثم يبيعها بعد ذلك، أى أن الغش إذا بدأ منه فسيستشرى خطره ليعود إليه وكما يقال فإنه على الباغى تدور الدوائر. كل هذه أمور طيبة تفيد من يعتبر ويتخذ لنفسه جانب الصواب ليصبح مواطناً صالحاً أخذاً وعطاء، أما من اتخذ من الفهلوة والشطارة واستسهل غش الآخرين والسطو على جيوبهم فإنه فى ظل المجتمعات التى تنظمها لوائح وقوانين منذ مئات السنين فإن يد القانون لابد أن تطوله لأن لا خلاف فى أن مصر الحديثة والتى يعاد صياغتها بالكامل الآن لتلحق بركب الدول المتقدمة لابد لها أن تنقى أنشطتها الواعدة من كل معوقات التقدم وعلى رأسها صناعة الغش ورواج صناعة الغشاشين فهو كم يتكامل مع توجه الدولة من إعلاء شأن الشفافية والنقاء الثورى الذى ننشده جميعاً.
وحسنا فعلت لجنة الصناعة بمجلس النواب مؤخراً لتوجهها بالتوصية فى إخضاع حالات الغش والغشاشين لقانون الطوارئ.
< رئيس مجلس الأعمال المصرى الألماني