مصر الغد

من غشنا فليس منا

د. نادر رياض
د. نادر رياض

لا شك أن الدولة فيما تعلنه فى كل مناسبة من تصد للفساد والمفسدين إنما تعنى ذلك حقيقة إذ أنه لم يعد يستقيم مع منطق الأحداث محلياً وعالمياً أن تزدهر صناعة الغش والتدليس والتواطؤ فى وقت يعلى فيه من شأن الملكية الفكرية وحقوق المؤلف وحقوق الأداء وتسن فيه القوانين الحمائية لذلك وكذا يدعى المبدعون المصريون لتسجيل اختراعاتهم ويمد بساط التشجيع لأصحاب العلامات التجارية لتسجيلها حماية لها وصيانة لحقوق أصحابها حبذا أن مصر كانت من أولى الدول فى الشرق الأوسط بل وعالمياً التى انضمت لهذه المعاهدات والمواثيق العالمية.
كما يتساند مع اتجاه الدولة للتصدى للفساد والمفسدين ما تطالعنا به الصحف يومياً من حالات ضبط لما اتفق على تسميته»مصانع بير السلم» والتى للعجب الشديد قد تفشى عددها واستشرى شرها لتشمل صناعات كنا نظنها بمنأى عن العبث مثل صناعات الأدوية - المستحضرات الطبية والكيمائية وملحقاتها من صناعة الشامبو والمنظفات - قطع غيار السيارات ومكونات السلع الهندسية والالكترونية - المنتجات المتصلة بالمأكل والمشرب على اتساع أرجائها، وأجهزة إطفاء الحريق وجميعها من سلع الأمن والأمان والتى يجب ألا تمتد لها يد العبث تحت أى ظرف.
ومن الناحية العملية التطبيقية فإن استشراء خطر هذه الصناعات ما كان له أن يتوسع بهذه الصورة لو تم إحكام السيطرة على مخرجات القمامة من عبوات لمختلف السلع إذ أنها المدخل الرئيسى لهذه الصناعات. إذ يكفى لأى باحث عن الحقيقة أن يقوم بزيارة لمقالب القمامة حيث سيهوله ما سيراه، فقد تحولت جميعاً إلى صناعة منظمة بالغة الحجم لفرز القمامة باستخراج العبوات الدوائية وغير الدوائية وتنظيفها كيميائياً بمواد كاوية تعيدها شبه جديدة لتطرحها للبيع فى أسواق الغش بل وتورد معها أغطية الزجاجات والملصقات اللازمة لها ضمن عملية البيع لتصبح العبوة جاهزة على طبق من الفضة لا ينقصها إلا التعبئة بالمواد البديلة وما أقبحها من مواد.
أما على صعيد مدخلات الغش للصناعات الهندسية فإنما يتمثل فى سوق الخردة والمكهنات والتى تباع فى مزايدات يجتهد فيها البائع للحصول على أفضل سعر سواء كان هذا البائع ذا خلفية حكومية أو شبه حكومية أو قطاع خاص. والعجب العجاب أن أسعار المكهنات والعبوات السليمة فى مظهرها تباع بأسعار مضاعفة لتلك التى يتم إتلافها قبل بيعها من قبل الصناعات الواعية التى تتلف مخلفاتها قبل التخلص منها حرصاً على عدم إساءة استخدامها عن طريق صناعات الغش وبالتالى تؤهلها للدخول فى عملية تدوير المخلفات بصورة سليمة مضحية بذلك بالفارق الكبير فى سعر البيع.
أما عن غش المواد الغذائية والمشروبات فحدث ولا حرج ويمكن إيجاز هذه الملهاة المبكية فى طرفة أتتنى بها ابنتى الصغيرة من المدرسة إذ قالت «هموم الناس فى بلادى تنحصر فى أربع هى: هم يبكى - هم يضحك - هامبورجر - هم يا جمل».
ولكن ما اللافت للنظر مع زيادة حالات الضبط للبضائع المغشوشة وجانب من الغشاشين؟.. الإجابة فى المقال القادم.
< رئيس مجلس الأعمال المصرى الألماني