حديث الأسبوع

المستقبل... ما خفى قد يكون أعظم

عبدالله البقالى
عبدالله البقالى

من الطبيعى أن تتنامى المخاوف وتزداد معدلات القلق حول مصير الكون، بسبب حجم ووتيرة الأضرار البليغة التى تطال الأرض والمياه والمحيطات، وما فيهما من كائنات حيوانية ونباتية، خصوصا مع توالى الكشف عن معطيات مخيفة حول التآكل المتواصل لهذا التنوع، بما يؤشر على أن الكون يسير بخطى ثابتة نحو المصير القاتم.
آخر المعطيات والإحصائيات الصادمة جاءت هذه المرة من أرضية أعدتها مجموعة من الخبراء، لتكون موضوع مفاوضات ومشاورات بين دول العالم، للمصادقة عليها خلال انعقاد مؤتمر 15 لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجى (كاب 15)، التى يرتقب أن تنعقد خلال شهر أكتوبر المقبل بمدينة «كين مينغ» بالجمهورية الصينية، وهى الأرضية التى تضمنت رصدا دقيقا لأوضاع التنوع البيولوجى فى العالم، واقترحت 17 هدفا قابلا للتحقيق فى حالة التوقيع على الاتفاقية، كما استندت على تقرير آخر أعده خبراء متخصصون، ونشر خلال شهر مايو من السنة الفارطة، حيث تم التأكيد فى هذه الوثيقة على أن 75 بالمئة من البيئـــة الأرضية و66 بالمئة من البيئة البحرية طالتهما أضرار بليغة نتيجة أنشطة بشرية متعددة فى الفلاحة وإزالة الغابات والصيد وفى القنص والتلوث واستعمال المبيدات والنفايات البلاستيكية بالخصوص، والإرادات الغازية التى تتسبب بشكل مباشر فى تدهور الطبيعة، إضافة إلى باقى مختلف أشكال وأنواع التلوث، والنتيجة المؤكدة اليوم أن مليونا من الكائنات الحيوانية والنباتية، من أصل ثمانية ملايين من الكائنات الموجودة فــوق الأرض مهــددة بالانقراض، و23 بالمئــــة من الطيور، و25 بالمئة من النباتات و3 بالمئة من الشعاب المرجانية و40 بالمئة من البيئة البرمائية، و10 بالمئة من الحشرات وأكثر من ثلث الثدييات البحرية، كل هذا الرصيد من التنوع البيولوجى أضحى مهددًا بالزوال والانقراض والاندثار، مما يعنى أن التهديد يطال مستقبل الكون برمته، وقد تزداد الصورة قتامة إذا ما وقعت الإشارة إلى حالة العجز الفظيع فى حماية الأرض ببرامج فعالة، وفى هذا السياق تشير الدراسة إلى أن إجمالى المناطق المحمية فى العالم لا تتجاوز نسبتها 17 بالمائة من إجمالى المساحة الأرضية، نحو العشرين مليون كيلو مترا مربعا (ما يوازى مساحة الولايات المتحدة الأمريكية وكندا مجتمعتين)، أما المساحات البحرية المحمية فلا تتجاوز نسبتها 10 بالمئة من إجمالى المساحة المائية فى العالم، وتتقدم دولة البرازيل الدول الأكثر توفرًا على المساحات المحمية بـ 2،47 مليون كيلومتر مربع، بينما تنفرد منطقة الشرق الأوسط بأقل المساحات المحمية فى العالم بحوالى 119 ألف كيلو متر مربع، أى ما يعادل 3 بالمئة.
معطيات وحقائق بكل هذه الخطورة التى سردناها وغيرها كثير، لأن ما خفى قد يكون أعظم، كانت ولا تزال تستوجب انتباها استثنائيا واهتمامًا خاصًا لمواجهة هذا الخطر الكبير المتربص بالعالم، ولذلك، فإن معدى الأرضية يكشفون عن الأهداف المتوخى تحقيقها من توقيع اتفاقية دولية حول التنوع البيولوجى على غرار الاتفاقية الدولية للمناخ، وهى الأهداف التى يلخصونها فى وضع حد للاتجاه التصاعدي لمؤشر تآكل التنوع البيولوجي، والتدبير الجيد والملائم للموارد والحفاظ على النظم الإيكولوجية، ويقترحون فى هذا الصدد الاتفاق على خارطة طريق دولية، تتضمن السعى نحو تحقيق حماية فعلية لـ 30 بالمائة من مساحة الكرة الأرضية ( برا وبحرا ) فى أفق سنة 2030، وربط الاتفاقية الدولية للمناخ بمثيلتها المتعلقة بالتنوع البيولوجي، والعمل على وقف نسبة هدر التنوع البيولوجى قبل السعى نحو تحسينه والرفع من جودته فى أفق سنة 2050.
لا جدال فى أن هذا الخروج الإعلامي، فى قضية ذات وزن بالغ الأهمية بحجم التنوع البيولوجى له ما يبرره، فى ضوء ما كشفت عنه الوثائق المذكورة، لكن إطلاق العنان للحديث عن الأمانى لن يكون كافيا، بكل تأكيد، لتقليم أظفار هذا الخطر الحقيقي، وحينما نبادر بإنجاز تقييم بسيط وأولي، لما تم إنجازه لحد الآن على المستوى الأممى والدولى، فإن خيبة الأمل تكون كبيرة وصادمة، ذلك أنه بالعودة إلى الحديث عن تقييم استراتيجية التنوع البيولوجي، التى تم إقرارها خلال انعقاد الدورة العاشرة لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوع البيولوجى (كاب 10) باليابان والتى تغطى عشرين سنة كاملة (من سنة 2010 إلى سنة 2030) وقع التنصيص فى هذه الاستراتيجية على تخفيض نسبة انقراض الكائنات الطبيعية بمعدل لا يمكن أن يقل عن 50 بالمائة، فإننا لا نجد من عنوان لهذا التقييم غير الفشل الذريع، بل الأدهى من ذلك، فإن النتائج المحصلة بعد انصرام نصف المدة تؤكد استمرار مؤشر ضياع وانقراض الكائنات الطبيعية، وهو المعطى الذى تؤكده الأرضية الأخيرة، التى كانت موضوع استعراض فى هذه المعالجة.
ولذلك يصعب التكهن بنجاح المرحلة الجديدة بكل الحمولة التى حفلت بها، فى إيجاد حلول فعلية وحقيقية لمواجهة هذا الخطر المحدق بمستقبل الكون، لأن تسطير البرامج وتحديد الأهداف لا يمكن أن يكون كافيًا كوصفة لمعالجة هذا الداء الخبيث، دون الانتقال إلى مرحلة التنفيذ وقياس مستويات ومعدلات النجاح عبر تقييم مرحلى دقيق، وإلا سيقتصر الأمر على محاولات فاشلة للتطمين والتهدئة، بينما الكبار والصغار على حد سواء يواصلون اقتراف مختلف أشكال الإجرام في حق مستقبل الكون برمته.