إعادة نظر

من المعمل للمستخدم

د. أمل قصرى
د. أمل قصرى

د. أمل قصرى

أثناء الاستماع لمناقشة ممتعة بين الفائزين بجوائز نوبل لهذا العام فى الفيزياء والكيمياء والطب والاقتصاد، ظهرت نقطة ربما لم تأخذ حقها فى النقاش، ذلك عندما تطرق الحديث لأحد موضوعات الجائزة وهى بطاريات الليثيوم التى تُستخدم حالياً فى العديد من الأجهزة الإلكترونية وما زالت موضوعا بحثيا شائقا فى العديد من المؤسسات البحثية. سألَت من تدير الحوار عن أسباب المدة الطويلة التى احتاجها هـؤلاء العلماء للعمل على هذا، فلم تظهر تلك البطاريات إلا فى تسعينيات القرن الماضى بينما بدأت الفكرة فى السبعينيات عندما ظهرت أزمة النفط المعروفة والتى غيرت التفكير الأوروبى والأمريكى تماماً فأيقنوا بعدها ضرورة تطوير طرق أخرى للحصول على الطاقة وتخزينها، أى أنها تتحدث عن حوالى بضع وعشرين سنة، وهو فى الأعراف العلمية وبلغة المعامل والابتكارات، ليس رقماً كبيراً أبداً. كان رد العالِم الفائز بالجائزة سريعاً حيث أرجعه إلى أنه لم يكن هناك مُحفِزات كافية، وبالتالى دعم كاف، للإسراع بالتقدم فى تلك النقطة. لم تقنعنى تلك الإجابة وربما لم يكن لديه الوقت الكافى للاستطراد فى الشرح. وهذا تحديداً ما لفت نظرى بشدة وقلت بسببه إن تلك النقطة لم تأخذ حقها فى النقاش. ذلك لأن تلك الكلمات القليلة أخذتنى مباشرة لما يدور فى مجتمعنا عن أحد التطبيقات الشهيرة لمحاولة علاج أحد الأمراض التى ليس لها علاج بعد والتى يعلم الجميع ما تسببه من ألم ويأس، وبالتالى تجعل من يصاب بها يتعلق بأى بصيص أمل فى العلاج. قبل مشاهدتى اللقاء بيومين فقط، قابلت مصادفة مخرجة تليفزيونية تعمل على إعداد حلقة عن موضوع علمي، فسألتنى عن هذا التطبيق الشهير وكيف نسمع عنه منذ سنوات ويحتل منزلة مهمة فى الكثير من الأحاديث واللقاءات الإعلامية، بينما لم يتحقق منه شيء حتى الآن، وبالطبع لمحت فى نبرة صوتها عدم تصديق بسبب طول المدة التى قاربت العشر سنوات. فى الحقيقة سعدت بالسؤال ووجدتها فرصة لشرح ما يتطلبه البحث العلمى من وقت وجهد يصبح مضاعفاً إذا تحدثنا عن تطوير طريقة علاج، لأن الأمر يتطلب دراسة ضمانات كافية لعدم تأثير هذا على جسم الإنسان وصحته. الأهم أنى وجدتها فرصة مناسبة (بصفتها إعلامية) للهجوم على الإعلام بشكل عام، حيث يعمد العديد من المحاورين أو مقدمى البرامج إلى المبالغة فيما يسمعونه ويحولونه لشيء يختلف تماماً عن حقيقته، وأعربت لها عن غضبى الشخصى من أنه لا يتم التحرى عن الموضوع بشكل كافٍ، بل يتم الاكتفاء بما يسمعونه وهذا يتسبب فى أذىً كبير لكثير من المرضى مثلاً. لكن لكى نكون أكثر واقعية، المخطئ ليس الإعلام فقط، بل من يتورط من العلماء فى مثل تلك اللقاءات ولا يشرح بشكل مناسب الفرق بين البحث وإمكانية التطبيق، ولا يكون أميناً بشكل كافٍ ليبين أن هذا ربما لا يحدث قبل وقت طويل جداً، حتى لا يبث أملاً لا يتحقق ويصيب صاحبه بإحباط ويأس ربما يكون أخطر مما يسعى لعلاجه. إنها مسئولية مشتركة بين الإعلامى ومن يستضيفه لإفادة من يشاهد وإيقاظ وعيه وحتى لا يفقد الناس الثقة فى العلم والعلماء.
< استاذ بالجامعة البريطانية