ورقة وقلم

نظام الحكم.. وإصلاح النظام السياسى

ياسر رزق
ياسر رزق

لابد أن تكون أمام الرئيس ومن حوله طبقات سياسية وتنفيذية وإعلامية لا تغيب، ولا تختبئ ولا تفر من ساحات الدفاع عن نظام ٣٠ يونيو

دقق النظر فى مجريات الأمور بالبلاد، تحديداً منذ بداية هذا العام الذى شارف على الانتهاء.
ثمة لقطات متتابعة فى سياق مشهد واضح بألوانه وظلاله وحركته الوئيدة، هو مشهد الافتتاح فى شريط الإصلاح السياسى.
أو لعلها علامات أسهم ترسم المسار، وتحدد الاتجاه على درب عسير طويل، أولى محطاته كانت التعديلات الدستورية، وليست آخرها محطة الانتخابات الرئاسية فى العام 2030.
أَنصِت إلى كلام الرئيس السيسى، أكثر وأكثر.
عُد إلى كلماته منذ منتدى الشباب الأخير، وحتى حفل المولد النبوى الشريف منذ أيام معدودة. استمع إليها بقلبك قبل أذنيك.
اقرأ قسمات وجهه، ترجم نبرات صوته، طالع مرة بعد أخرى عباراته المرتجلة، التى برغم عفويتها، مرتبة المراد والقصد والهدف..!
ربما تلمس فيها مثلى غضباً مكتوماً من البعض ممن أهملوا، أو عتاباً صريحاً على البعض ممن تواروا، أو ضيقاً ظاهراً ممن يضنون بجهد أو يحجمون عن مواجهة هى فى صميم مهامهم.
لكن كان وراء كل كلمة وعبارة ونبرة، عزم على المضى قدماً، وتصميم على ألا ننقاد خلف أولئك الذين يريدون لنا أن نرجع، أو ننكفئ، أو ننحرف عن طريقنا، عسانا نسقط فى مصائد أو نقع فى مكائد..!
< < <
إذا أمعنت التفكير، لابد أن تجد فى كلام السيسى منهجية واضحة فى شأن تقوية قاعدة الإصلاح السياسى، تظهر ما يفكر فيه الرجل، وربما ما ينوى الشروع فى القيام به عما قريب، وقريب جداً..!
يدرك السيسى أن هناك مؤسسات ثلاث من بين مؤسسات الدولة المصرية العتيدة، إما لم تبارح مرحلة العلاج، أو لم تفارق مرحلة الاستشفاء، إثر جمود ران على البلاد فى العقد الأخير من عهد مبارك، ومن بعده الضربات التى تعرضت لها مؤسسات الدولة دونما استثناء فى فترة ما بعد ثورة 25 يناير، ثم العام الأسود تحت حكم الإخوان.
نستطيع القول أن المؤسسة العسكرية امتصت الصدمات ولم تهتز، والمؤسسة الأمنية المعلوماتية نجت ولم تسقط، والمؤسسة القضائية نفضت ما كان علق بها من آثار تلك الأيام. حتى حينما تطرق الرئيس إلى النيابة العامة فى واحدة من كلماته، كان يود التأكيد للجماهير على ما هو مؤكد فى ذهن النائب العام المحترم الجديد وما هو مستقر فى ضميره، بأنه لا تستر على فساد ولا ستار أمام فاسد.
غير أن المؤسسات الثلاث التى مازالت تلعق جراح عهود التجريف والتدجين والاختراق، هى القاعدة الصلبة التى يرتكز عليها الإصلاح السياسى وينهض.
وأعنى بها المؤسسة السياسية ممثلة فى البرلمان والأحزاب والمجالس المحلية.
والمؤسسة الدينية ممثلة فى الأزهر وجهاز الدعوة بوزارة الأوقاف.
والمؤسسة الإعلامية من صحافة مطبوعة ومرئية ومسموعة ورقمية.
< < <
فى شأن البرلمان، يريد الرئيس من مجلس النواب أن يباشر اختصاصاته فى الرقابة والمحاسبة على أعمال الحكومة. ومن النواب أنفسهم أن يكونوا على مقربة من نبض الجماهير، فلا يتركونها نهباً لأكاذيب وشائعات، أو صيداً لفخاخ تيئيس وإحباط.
بوضوح يرغب الرئيس فى أن يقول إننا تجاوزنا مرحلة تثبيت دعائم الدولة، وهى مرحلة كانت تتطلب حرصاً زائداً من جانب ممثلى الشعب فى استخدام صلاحياتهم حسبما تتطلب الأمور وتستلزم الأحداث.
فى شأن المؤسسة الدينية، يريد الرئيس من الأزهر ووزارة الأوقاف العمل معاً فى تناغم وتنسيق، والنظر إلى مهامهما من منظور يتجاوز إصلاح الخطاب الدينى على أهميته الكبرى، ويتسع ليرنو إلى الشأن العام فى مجمله، انطلاقاً من دور المؤسسة الدينية فى عملية الإصلاح الاجتماعى، وهو الركيزة الرابعة من الأعمدة التى تقوم عليها الدولة المصرية الحديثة الثالثة، وأقصد بها الإصلاح الاقتصادى، والإصلاح الإدارى، والإصلاح السياسى.
أما الإعلام، فالرئيس السيسى أكثر من يعرف دوره ومكامن قوته وعناصر ضعفه، بحكم تكوينه الشخصى، وثقافته العامة، وقراءته الواعية لأحداث التاريخ ووقائع الحاضر، وأيضا بحكم متطلبات مهامه مديراً للمخابرات الحربية، ثم قائداً عاماً للقوات المسلحة، ثم رئيساً للجمهورية.
بل ربما يعرف الرئيس عدداً كبيراً من العاملين بمجال الإعلام شخصياً أو بالاسم.
يفهم الرئيس السيسى أكثر من غيره أن للإعلام بالذات إسهاماً منشوداً فى إعلاء ركائز الإصلاح الأربعة، ويدرك تأثير الإعلام فى إنقاذ الدولة وحمايتها - وهى عملية مستمرة لا تتوقف - وفى بناء الوعى المجتمعى وتحصين المواطنين ضد الحرب النفسية وآلياتها، وحشد الجماهير خلف القضايا والمنجزات الوطنية والمعارك المصيرية.
أيضا.. يعلم الرئيس أن الإعلام قد يؤدى دوراً معاكساً إذا غاب الرشد عن محتواه، وسرى الضعف فى أدواته، وساد عليه الارتجال.
لذا أحيانا يشعر الرئيس تجاه الإعلام بالخذلان، حين يجد أن الدور الإعلامى على أرض الواقع مغاير للحد الأدنى من التوقعات.
للحق.. للحق، فالإعلام مظلوم على نحو ما فى بعض الأمور. فهو لم يعد مؤسسة، وإنما خيول شاردة تبرجس وسط ساحة عتيقة لا ناظم لها ولا صاحب. حتى محاولات المؤسسة تصطدم برؤى لا تفرق بين التنظيم الضرورى والتقييد الضار...!
< < <
على أى حال.. الواضح من رسائل الرئيس السيسى للمؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية والإعلام، أنه بصدد القيام بخطوة إصلاحية جديدة، أو الانتقال إلى مرحلة تالية على طريق الإصلاح السياسى.
هذه هى قراءتى الشخصية لمجريات الأمور خلال أحد عشر شهرا مضت من عام إطلاق الإصلاح السياسى، وقبيل شهر واحد من حلول عام انطلاق الإصلاح السياسى..!
قلبى يحدثنى وقلما يخدعنى، بأن هناك تغييرات كبرى قادمة، ولست أعنى مجرد تغيير وجوه، فالمسألة ما كانت تتعلق أبدا بأشخاص، وما كانت تتعلق أبدا بقرار يصدر فى يوم أو قرارات تعلن فى بضعة أيام..!
لا أحد يستطيع أن يزعم أنه يعرف ما يفكر فيه الرئيس، ولا ما ينويه، ولا توقيت إعلان ما يريده.
الرئيس وحده يعلم، وربما يطلع معاونا أو اثنين من أقرب معاونيه، وله فى الاستماع إلى المشورة ممن يستشير أسلوب رجل المخابرات الذى يأخذ منك المعلومة، ولا تحصل منه على شذرة من معلومة عنده أبدا..!
مع ذلك.. فإن عقلى يتنبأ مثلما يحدثنى قلبى، بأن الفترة المقبلة حبلى بأنباء سارة لكل من يروم نقلة كبرى على طريق إصلاح سياسى منشود، يعتمد على حياة حزبية نشطة وعلى مناخ سياسى أكثر انفتاحا يستوعب كل مكونات تحالف 30 يونيو وعلى إعلام حر مسئول وحصيف..!
< < <
غير أنى أتمنى أن تصاحب خطوات الإصلاح السياسى المقبلة، بل أتمنى لو تسبقها، إجراءات لا غنى عنها لعلاج خلل غريب فى تكوينة نظام الحكم، أدى إلى وضع الرئيس منفردا فى المواجهة يتلقى الهجمات أو الضربات فى ساحة عمليات الحرب الإعلامية أو يردها بنفسه،، أو يسدد ضريبة أخطاء الغير من رصيده الجماهيرى الذى لا يجب الإنفاق منه على أى أحد مهما كان.
الحقيقة.. لم أعرف أى نظام حكم يضع رأس النظام فى مرمى التراشق السياسى/ الإعلامى، أو يتركه فى ساحة فراغ وحيدا يناله رذاذ تقلبات المناخ الجماهيرى.
لابد أن تكون أمام الرئيس ومن حوله طبقات سياسية وتنفيذية وإعلامية تؤدى دورها، لا تغيب ولا تختبئ ولا تفر من ساحات الدفاع عن نظام ٣٠ يونيو.
< < <
هذا هو مقالى السابع عن قضية الإصلاح السياسى، ولست أظنه الأخير فى هذا الشأن إذا أمد الله فى عمرى، سيما أن الهدف المباشر من عملية الإصلاح، هو تحقيق النقلة المرنة من مرحلة الانتقال الثالثة إلـى مرحلة الاستثمار السياسى المنشود بحلول عام ٢٠٣٠.
لتوضيح المفاهيم أقول إن هناك فرقا بين النظام السياسى ونظام الحكم.
لدينا نظام حكم قوى ومستقر، يرتكز على وجود رئيس قوى هو الرئيس السيسى، يحظى بشعبية كبيرة، ويتمتع برؤية واسعة، ويمتلك رصيدا من الإنجازات غير المسبوقة، قلت عنها منذ سنوات إنها نقلت شرعيته السياسية من خانة شرعية الانتخاب إلى شرعية الإنجاز.
لدينا نظام حكم قوى مستقر، تحمى شرعيته المستمدة من إرادة الجماهير قوات مسلحة تصون عقيدة الوطنية المصرية.
لكن ليس لدينا نظام سياسى قوى ولا مستقر ولا ناضج.
فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بشكل المعركة الانتخابية الرئاسية فى عام ٢٠٣٠ حينما تنتهى رئاسة الرئيس السيسى، أو فى عام ٢٠٢٤ إذا أراد ألا يخوض الانتخابات المقبلة، ولا بأطراف هذه الانتخابات من القوى السياسية أو من المرشحين المحتملين حزبيين كانوا أم مستقلين.
بل لا يستطيع أحد أن يتنبأ بمن سيكون حزب الأغلبية أو الأكثرية فى البرلمان القادم بمجلسيه بعد الانتخابات الثنائية التى ستجرى بعد عام من الآن، ليس لأن المنافسة محتدمة، لكن لأن القوى السياسية غائبة والأحزاب إما نائمة أو مستولدة أو مازالت فى الحضّانات!
مؤسستنا السياسية مازالت فى حالة إنهاك، كأنما خرجت من حلبة مصارعة، ظلت تتلقى فيها الضربات تلو الضربات على مدى عقود مضت تسبق ثورة ٢٥ يناير.
إذا أردتم صدقا أكثر، فإننى أرى أنه لم تكن لدينا مؤسسة سياسية بالمعنى الحقيقى فى أى عهد سبق، لذا لم نعش أبدا مرحلة استقرار للنظام السياسى، إلا إذا كنا نسمى الجمود استقراراً أو كنا نخلط بين المؤسسة والفرد..!
إن الرئيس عبدالفتاح السيسى، كما أعرفه، يتوق لبناء نظام سياسى حقيقى، قادر على بناء الكوادر السياسية وإنتاج القيادات الطبيعية وإمداد مؤسسات الدولة بوجوه شابة، وشخصيات مؤهلة للعمل النيابى والشعبى والتنفيذى والسياسى.
الرئيس السيسى ليس من تلك النوعية من الشخصيات التى تطفف ميزان الحياة السياسية لصالح نظام الحكم على حساب النظام السياسى، إذا افترضنا وجود تعارض مصالح بينهما.
< < <
الغاية من الإصلاح السياسى المنشود لنظام ٣٠ يونيو، هى بكل بساطة ووضوح، بناء نظام سياسى راسخ يستطيع تحمل تبعات عملية الانتقال ومتطلباتها وقادر على الولوج بالبلاد إلى مرحلة استقرار سياسى تكفل صون مكتسبات ثورة ٣٠ يونيو، دون النكوص إلى الوراء، ودون التهاون إزاء أى بوادر تقودنا نحو طريق الهلاك مجددا فوق عربة الإخوان، على النحو الذى نراه حولنا فى هذه المنطقة المضطربة التى تدمن السقوط مراراً فى نفس الفخاخ!
وأحسب أن القوات المسلحة التى أناطت بها التعديلات الدستورية مسئولية حماية الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب، هى السياج الذى يحمى النظام السياسى الدستورى ويرعى الانتقال السلمى للسلطة فى التوقيتات الدستورية.
< < <
الفترة المقبلة، وفى العام الجديد تحديدا، حبلى بأخبار سارة على صعيد الحياة السياسية نحو الإصلاح المنشود.
هكذا أظن، وأتوقع، بل أثق..!
وانتظر من مجلس النواب والمحنكين من قياداته فتح حوار وطنى حول قوانين مجلس الشيوخ والحقوق السياسية والإدارة المحلية للاستنارة برأى النخبة المصرية، سيما أن هذه التشريعات هى فى صلب عملية الإصلاح السياسى.
وأنتظر من الأحزاب السياسية وفى صدارتها حزب الوفد وحزب التجمع والحزب الناصرى، الشروع فى خطوات لتطوير الحياة السياسية لعل منها طرح مبادرات للاندماج والتكتل، بين القوى والأحزاب ذات الاتجاهات السياسية والبرامج الفكرية المتماثلة أو المتشابهة، وإننا فى منتدى أخبار اليوم للسياسات العامة على استعداد لرعاية مثل هذه المبادرات، أو استضافة حوار حزبى يفضى إليها، مثلما يستعد المنتدى بما يضم من خبرات نخبة من أبرز رجالات مصر فى مختلف التخصصات، لاستضافة الجلسة التحضيرية لمؤتمر الشأن العام يوم السبت المقبل، استعدادا لعقد المؤتمر فى مطلع العام الجديد.
والحديث ممتد، إذا امتد العمر.

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي