ذكرى النكبة الـ70| قصة 90 عاما من وصاية الأردن على المقدسات بالقدس

صورة لمدينة القدس المُحتلة
صورة لمدينة القدس المُحتلة

«ليس الفلسطينيون إلا مثل الشجر كلما قُلِّم نبت»، مقولة خرجت من فم مؤسس المملكة الأردنية الهاشمية الملك الراحل عبد الله بن الحسين، خلال لقائه رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في القدس في 21 مارس 1921، رافضًا وعد وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور في 2 نوفمبرعام 1917، ومصرًا على جعل أمر فلسطين بيد أهلها. 

 

بداية الوصاية الأردنية على المقدسات

في عام 1921 تم تأسيس إمارة شرق الأردن بقياد عبد الله بن حسين، وكانت ما تزال تحت سلطة الانتداب البريطاني مع منحها حكما ذاتيا.

 

الشريف الحسين بن علي                                                           

 

ويرجع تاريخ الوصاية الدينية التاريخية للأردن لعام 1924، عندما بايع الفلسطينيون الشريف الحسين بن علي - قائد الثورة العربية الكبرى والمدفون في الحرم القدسي- كوصي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، وذلك  في 11 مارس من نفس العام، ولا تزال تلك الوصاية سارية حتى وقتنا الحاضر.


وتشمل الوصاية الأردنية على المقدسات في مدينة القدس، رعاية وصيانة وحماية المسجد الأقصى وقبة الصخرة وكنيسة القيامة، والمقدسات الأخرى الإسلامية والمسيحية والبلدة القديمة.


كما أن الإدارة العامة لأوقاف القدس ، المسئولة عن المسجد الأقصى وغيرها من المقدسات الإسلامية والمسيحية، هي إحدى المديريات التابعة لـلأوقاف الأردنية، ويزيد عدد موظفيها على 700 يتقاضون رواتبهم من موازنة وزارة الأوقاف.

 

الإعمار الهاشمي الأول

 

أسس الهاشميون في القدس عام 1922، المجلس الإسلامي الأعلى كمنظمة إسلامية أهلية للحفاظ على تراث القدس ، الذي وقد ساهم هذا المجلس في جمع الأموال اللازمة لترميم قبة الصخرة، وبعد ذلك بعامين تبرع الشريف الحسين بن علي بمبلغ 50 ألف ليرة ذهبية، لإعمار المسجد الأقصى ومساجد أخرى في فلسطين، لإعمار المقدسات، وذلك تلبية  لنداء أهل القدس، حين زاره وفد مقدسي عام 1924 في الحجاز، برئاسة الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في ذلك الوقت، وأطلعه على المخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى.

 

وأسهمت عملية الترميم التي باركها الحسين بن علي في بيت المقدس، بصمود مرافق المسجد الأقصى حين ضرب زلزال عنيف المنطقة عام 1927.

 

 

الإعمار الهاشمي الثاني


ما إن تولى الملك الحسين بن طلال، سلطاته في الثاني من مايو 1953، حتى أصدر توجيهاته إلى الحكومة لترميم قبة الصخرة، التي أخذت في فقدان بريقها بفعل عوامل الطقس والزمن، وبعد أن أخذت المياه تتسرب إلى الداخل، وأمر في عام 1954 بتشكيل لجنة بموجب قانون خاص لإعمار المقدسات الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، تحت الرعاية الهاشمية، من منطلق المسؤولية التاريخية للهاشميين تجاه المقدسات.


وعام 1959م، بدأ الترميم الثاني الذي موّله الأردن، إلى جانب دعم قدمته بعض الدول الإسلامية الأخرى، واستمر الترميم الثاني حتى السادس من أغسطس 1964، واشتمل على إعمار المسجد الأقصى المبارك وترميم جدرانه الخارجية الحجرية، وإعمار قبة الصخرة المشرفة.


 

الإعمار الهاشمي الثالث


في 21 أغسطس 1969، تعرض المسجد الأقصى إلى حادثة أليمة، عندما اقتحم أحد اليهود المتطرفين المسجد، وأشعل النار فيه، وأدى إلى تدمير معظم أجزاء المسجد الأقصى.


ومن المعالم البارزة التي طالتها النار، منبر صلاح الدين وهو منبر أحضره من حلب القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي الذي حرر المدينة من الصليبيين عام 1187، ومسجد عمر الموجود في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد الأقصى، ومحراب زكريا، ومقام الأربعين، والمحراب الرئيسي للمسجد والقبة الخشبية الداخلية، ونوافذ المسجد والجدار الجنوبي، كما تعرض السجاد الذي يغطي أرض المسجد إلى الحريق والخراب.


                        تعرض المسجد الأقصى لحريق في أغسطس 1969

 

تعرض المسجد الأقصى لحريق في أغسطس 1969ونتيجة لهذا الحريق، أصدر الملك الحسين بن طلال، أوامره بضرورة إعادة تعمير المسجد الأقصى، وتم إعادة إعمار كل من المسجد الأقصى الذي أعيد إلى حالته السابقة قبل الحريق، وقبة الصخرة المشرفة، حيث تم استبدال ألواح الألمنيوم القديمة للقبة بألواح نحاسية مذهبة محكمة الإغلاق، كما شمل التعمير مناطق أخرى في الحرم الشريف والقدس ومنها.

 

الإعمار الهاشمي الرابع


في عهد الملك عبدالله الثاني، ملك الأردن، تم تشكيل لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة بموجب قانون، حفاظا على المقدسات والمعالم الإسلامية، لتبقى قائمة ببهائها وجمالها ومتانتها.


وشملت مشاريع إعمار المسجد الأقصى في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني،  منبر المسجد الأقصى المبارك "منبر صلاح الدين"، وذلك في  الأول من ديسمبر 2002، بالإضافة إلى الحائط الجنوبي للمسجد الأقصى ، فضلا عن لحائط الشرقي للمسجد الأقصى المبارك و قبة الصخرة المشرفة، مهد عيسى عليه السلام،  وترميم القبر المقدس في أبريل عام 2016.


                                            منبر صلاح الدين بالقدس

 

اتفاق وادي عربة

وتضمن اتفاق السلام الموقع بين الأردن وإسرائيل، والذي عرف باتفاقية "وادي عربة" عليه عام 1994، تضمن بندا خاصا يقضي باحترام حكومة إسرائيل الوصاية الأردنية على تلك المقدسات، واشترط الاتفاق عدم تعدي الاحتلال الإسرائيلي على حرمة المقدسات.

 

التوقيع على اتفاق وادي عربة 26 أكتوبر 1994                                               

 

الأردن تضغط على إسرائيل في 2017


ونتيجة للدور الأردني "الفعال" بالإضافة إلى الضغط الشعبي الفلسطيني، أعلنت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، في 27 يوليو 2017،  إزالة كل الإجراءات الأمنية التي استحدثتها في الحرم القدسي بما فيها البوابات وكاميرات المراقبة، إثر هجوم في 14 يوليو، الذي أثار غضبًا فلسطينيًا وإسلاميًا عارمًا وصداماتٍ داميةً بين محتجين فلسطينيين والقوات الإسرائيلية.


                                   قوات الاحتلال تزيل بوابات وكاميرات من الحرم القدسي يوليو 2017        

 

وفي مارس من عام 2013، وقع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان عام 2013. ، "وثيقة الدفاع عن القدس"، والتي أكدت مجددا الدور  التاريخي للهاشميين على الأماكن المقدسة في القدس، كما تضمن الاتفاق منح ملك الأردن الحق في بذل جميع الجهود القانونية للحفاظ على مقدسات القدس، خصوصًا المسجد الأقصى، المعرّف في الاتفاقية على أنه كامل الحرم القدسي الشريف.

 

                                      الملك عبدالله ومحمود عباس – مارس 2017

 

ورغم أن الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس بدأت منذ عقود، إلا أنها لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، لتظل غصة في حلق إسرائيل.