«المساجيري».. من هنا سُكب الماء على الباز أفندي

المساجيري
المساجيري

قبل أن يعرف محمد على باشا وأسرته السويس، ويبني مؤسس مصر الحديثة، ذلك القصر الذي يحمل اسمه على الكورنيش القديم للمدينة، كان المماليك قد سبقوه بخمسين عاما، وانشأوا بيت التجار في العهد العثماني، أو ما يعرف باسم "بيت المساجيري".

 

 

عشرات الأمتار تفصل بين القصر وبيت المساجيري الذي أنشائه المماليك المتواجدين في السويس، بداية العهد العثماني، ذلك المبني المواجة لمنطقة " الخور"، والتي كانت قديما مرسى للسفن التجارية المحملة بالبضائع، ومنه انطلقت أيضا رحلات فُلك الحجاج، وقوارب الصيد.

 

 

ارتبط المساجيري، وقصر محمد على في الأذهان بفيلم " بن حميدو" والذي اختار مخرجه فطين عبد الوهاب، صاحب الرصيد الأكبر في مكتبه أفلام إسماعيل يس، أن يصور الفيلم في السويس، واختار المساجيري ليكون بيتا لأسرة المعلم حنفي، ومنه سكبت زوجته "حميدة" دلو المياه على الباز الفندي، بينما كان قسم الشرطة في الفيلم داخل قصر محمد علي.

 

 

لكن لا يعرف الكثيرون، أن المساجيري هو أقدم بيت وبناية في السويس، وأبرز ما يميزه أنه يمكن من خلاله رؤية ومتابعة السفن العابرة للقناة من المدخل الجنوبي، والقادمة ضمن قوافل الجنوب، ولهذا تم اختيار المكان عقب انشاءه بأكثر ن قرن، ليكون أول مركز لمراقبة الحركة بالمدخل الجنوبي للقناة.

 

 

وعن تاريخ المبني الآثري، يتحدث أنور فتح الباب، موجه مادة التاريخ بالتربية والتعليم في السويس، وباحث في تاريخ السويس، وقال إن المبني تم إنشاءه في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكان نُزل واستراحة لتجار التوابل، فكان يتم استيراد التوابل والزيوت من الهند والصين ودول جنوب وجنوب شرق أسيا، وكان يضم بيت المساجيري مخازن للغلال خاصة التوابل القادمة من الهند، وأستمر العهد بالمكان الى أن تم حفر قناة السويس.

 


 
إدارة الحركة الملاحية

 
" كانت تدار منه الحركة الملاحية بالمدخل الجنوبي لقناة السويس، عقب افتتاح القناة في 1869" يقول فاروق خزيم مدير تنشيط السياحة السابق في السويس، قبل ان يضيف ان " الشركة الفرنسية للملاحة " أول شركة ادارت القناة، جهزت المساجيري، بالمعدات ليكون مركز للتحكم بحركة المدخل الجنوبي ومرور السفن التجارية، وكان يشهد تواجد المرشدين الملاحيين ومشرفي الحركة.
 

ويشير خزيم الى ان ذلك الوضع استمر، حتى انشات الشركة الفرنسية مباني جديدة للمديرين وكبار البحريين بالقناة وذلك بمنطقة بورتوفيق، وهي المباني والفيلات والاستراحات التابعة لهيئة قناة السويس في بورتوفيق، كما انشات مباني جديدة لإدارة الاشغال والحركة، وهي المباني والمنشآت التي ما زال العمل يتم بها حتى الآن، مع تطويرها دوريا.

 

وعقب، أن الشركة الفرنسية للملاحة، نقلت العمل من بيت المساجيري، إلى مبني الاشغال ومبني الحركة، بعد 30 سنه من افتتاح القناة، ومنذ ذلك الحين تم هجر المبني، وأصبح بمرور الوقت مهمل ومكان آثري.

 

 

الاحتلال الإنجليزي
 
ويكشف خزيم أنه عقب الاحتلال الانجليزي لمصر في عام 1882، تولي الإنجليز إدارة حركة الملاحة بالقناة بالتنسيق مع الفرنسيين، وبمرور الوقت كانت الغلبة والسيطرة لبريطانيا في إدارة الحركة والتحكم بذلك المرفق الاستراتيجي.

 

في سبيل ذلك انشات المعسكرات، وحولت بعض المناطق لثكنات عسكرية، وفاوضوا الفرنسيين، حتى كان لهم الغلبة في الادارة، إلى أن تم تأميم القناة في عام 1956، وعقب التأميم كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر يفاوض الانجليز الذين كانوا يعملون في قناة السويس على الخروج من الاماكن التي استوطنوها في مدن القناة، على مدار أكثر من 70 عاما.

 

ومع تطوير القناة وأعمال التوسعات والتكريك بعد تأميم القناة أنشأت هيئة قناة السويس مباني جديدة للحركة والاشغال ومنشآت سكنية اخري للموظفين والعمال وتتركز اغلبها فى بورتوفيق.

 

بينما تم الإبقاء على المنشآت والفيلات والمنازل التي انشاها الفرنسيين، بمدن القناة السويس والإسماعيلية وبورسعيد، حيث تمتاز بطراز معماري فرنسي عريق، ويقيم فيها المهندسين والمرشدين الملاحيين والقباطين كسكن إداري لهم، بينما حصل الإنجليز على تلك المنشآت عقب احتلال مصر وتوليهم حركة القناة كـ " بيضة مقشرة " بحسب وصف مدير السياحة.

 


أسرة مقيمة
 
استمر المكان خاليا ومهجورا، فترة طويلة تعدت عشرات السنين، حتى قامت سيدة نوبية بالإقامة بالمنزل، منذ قرابة 70 عاما، ثم استقرت وأسرتها بالكامل في المنزل بالجزء الخلفي واتخدوه سكنا لهم بعد تجديده بالشكل الذي يصلح للإقامة والحياة، وبمرور الوقت اصبحوا يعتبرون أن الاقامة حقا مكتسبا لهم، خاصة أن أيا من أجهزة الدولة لم يحاول إخراجهم من بيت المساجيري.

 

 

شركة عبر البحار
 
وكشف خزيم أن شركة القناة التوكيلات الملاحية تعتبر هي المالكة للمساجيري، حيث كان يتبع شركة " عبر البحار" والتي تغير اسمها بعد تأميم الشركة عام 1956، وتضم الشركة نفسها 4 توكيلات ملاحية، منتشرة بخط القناة، وتحمل تلك التوكيلات اسماء ( دمنهور وأسيوط والمنيا واسوان ) وتلك الفروع بمحافظات السويس وبورسعيد واسكندرية والقاهرة، وهذه التوكيلات أو الفروع لشركة القنال للتوكيلات الملاحية.

وقبل التأميم كانت تتولي شركة "عبر البحار" سابقا، أعمال إمداد السفن بما تحتاجه من مؤن ووقود، قبل دخولها القناة أو عقب خروجها، وهي الخدمات المتعارف عليها باسم (Shandar Gray ) او الشيب شاندر، وكانت الشركة الوحيدة التي تعمل في ذلك المجال، وعقب التأميم أجريت أعمال تطوير وتوسعات بالقناة، وزادت عدد السفن وانشأت عدة شركات للتوكيلات الملاحية تقدم نفس الخدمات للسفن العابرة.

وما زال بيت المساجيري يحمل لافتة باسم شركة القنال للتوكيلات الملاحية، باعتبار ان الأرض والمنشآت عليها تعود ملكيتها للشركة، بينما لا تزاول منه أي أعمال حيث تم نقل مقر الشركة لمكان أخر وأصبح لها فروع بالمحافظات.