د. محمد يوسف أول وآخر وزير للتعليم الفنى: الحكومة فشلت فى التعليم

د. محمد يوسف في حواره للأخبار
د. محمد يوسف في حواره للأخبار

قال الدكتور محمد يوسف، أول وآخر وزير للتعليم الفني والتدريب، إن مؤسسات التعليم الفنى والتدريب المهنى عبارة عن جزر متفرقة فهناك اكثر من جهة مسئولة عنها مثل وزارة التجارة والصناعة والقوى العاملة والتربية والتعليم والتعليم الفنى والمجهودات التى تبذلها الدولة لتطويره غير متكاملة.
وأضاف يوسف أن الحكومة  يمكن أن تستعين بالشركات والمصانع و القطاع الخاص التعليمى فى إدارة المدراس الفنية الحكومية دون المساس بمجانية التعليم كما فعلت بعض من دول العالم مثل بريطانيا، وحول الازمات التى نواجهها لإلغاء الدورس الخصوصية قال إن الحل الوحيد تقنينها تحت مراقبة الدولة لحفظ حقوق الطلاب وتحصيل الضرائب وحول  ميزانية التعليم قال ننفق 85 %  فى المرتبات و15%  فى بناء المدارس وتطويرها ولم تحقق نتيجة وعلينا الاستثمار واللجوء لخصخصة التعليم  وإدخال كيانات الحل لتطوير التعليم .
كيف ترى حال التعليم الفنى الآن خاصة بعد إلغاء الوزارة وأنت كنت أول واخر وزير للتعليم الفنى و التدريب؟
ــ التعليم الفنى لدينا عبارة عن جزر متفرقة فهناك اكثر من جهة مسئولة مثل وزارة التجارة والصناعة والقوى العاملة والتربية والتعليم، والمجهودات التى تبذلها الدولة لتطويره تفشل لانها غير متكاملة، وهناك مجهودات يتم بذلها من قبل المسئولين عن التعليم الفنى والتدريب حاليا لكن الإطار المؤسسى الحالى يصعب للغاية تنفيذ رؤية محددة للتعليم الفنى وتعظيم كفاءة الاستفادة من المنح والمشروعات التنموية التى تم توزيعها مرة أخرى على العديد من الجهات بعد حل الوزارة. واستحداث وزارة للتعليم الفنى كانت فكرة خارج الصندوق من رئيس الوزراء السابق المهندس. إبراهيم محلب و كان الهدف هو لم شمل التعليم الفنى وتنميته بشكل منظم وعموما فإن الإطار التنظيمى لتحقيق أى إستراتيجية تنموية تعتمد أساسا على رؤية صانع القرار وطبقا لتصنيفه لأولويات المشاكل الخاصة بالدولة ولذلك حينما شكل المهندس. ابراهيم محلب حكومته برؤية تضمنت تصنيفه للتعليم الفنى كأحد أهم الأولويات لجذب الاستثمارات الأجنبية وحل أزمة البطالة من خلال توفير العمالة الفنية المدربة واللازمة لسوق العمل.
 نظرة سلبية
 توليت وزارة التعليم الفنى لمدة 6 شهور ما هى أهم مشكلاته ؟
ــ بغض النظر عن النظرة السلبية للمجتمع لطالب التعليم الفنى فإننى أرى أن منبع المشكلة هو مرحلة التعليم الاساسى حيث إن معظم ما نراه من مشاكل فى التعليم الفنى مبعثها إما ضعف مهارات القراءة والكتابة والرياضيات أو المشاكل المتعلقة بالجانب السلوكى أو الاثنين معا.كما أن  التعليم بالمقارنة بالتعليم الثانوى العام رغم أن به 60% من الطلاب بما يقرب من مليونى طالب سنويا فهو  "مهمل" والدولة لا تضعة على أجندة التطوير.. من أهم المشكلات أيضا هو تخطيط الاحتياجات من المبانى غير السكنية والعدد والآلات على مستوى المحافظات حيث يمكن أن يكون هناك تكرار فى العدد رغم وجود عجز فى محافظات أخرى وهى مشكلة بدأت فى حلها حين وجودى فى الوزارة و أعتقد أنه جارى استكمالها الآن. كما أن هناك العديد من مبانى المدارس الفنية تتطلب الإحلال التى تتطلب دعما كبيرا من الدوله لهيئة الأبنية التعليمية.
 كيف  تغير الدولة النظرة المجتمعية السلبية لطالب التعليم الفنى؟
ــ على الدولة وضع مراحل جديدة بعد الدبلومات حتى يعطى للطلاب أملا، بالاضافة إلى توفير فرص عمل حقيقية فى مجال الصناعة وتعميق مفهوم التطوير الاحترافى والتدريب عوضا عن التطوير الأكاديمى عن طريق الشهادات مثل البكالوريوس ولذلك لابد من تشجيع ثقافة التدريب بصفة عامه وفى التعليم الفنى والمهنى بصفة خاصة وهو موضوع كنت قد بدأته مع شركة سيمنز لتدريب عدد من الطلاب فى ألمانيا لمدة ثلاث سنوات - دون الحصول على شهادة أكاديمية ثم العودة للعمل مع هذه الشركة العملاقة وذلك - حتى نعطى مثلا يحتذى  لباقى طلاب التعليم الفنى ونفتح آفاقا جديدة لتفكيرهم فى تطوير أنفسهم، أما بخصوص نظرة المجتمع السلبية لطالب التعليم الفنى فهى ميراث قديم ولكنها بدأت تتغير فى السنوات الاخيرة نظرا لتضاؤل فرص العمل لخريجى المؤهلات العليا وزيادة فرص الحاصلين على شهادات الدبلومات الفنية.  كما يرجع ذلك إلى أن ضغوط الحياة والمتطلبات المادية طغت على الحرص على المظهر الاجتماعى لدى جانب كبير من الشعب المصرى فهناك بعض الفنيين يتقاضون مرتبات أكثر من عشرين ألف جنيه، ولذلك صورة التعليم الفنى ستتغير إذا رأى المجتمع أن خريج التعليم الفنى "بيكسب ومعاه  فلوس"، وفى النهاية لن يقتنع الناس إلا إذا شاهدوا خريجا فنيا مهنيا وناجحا فى عمله.
 مدرسة جاذبة
فى رأيك.. كيف تصبح المدرسة الفنية جاذبة للطالب؟
ــ يوجد أكثر من خطوة يجب اتخاذها من أجل ذلك، أولها توفير الإمكانات اللازمة لتدريب الطالب، وأن تكون هناك علاقة مشتركة فى مجال الصناعة، بجانب الأنشطة المدرسية فى الصيف، وجاهزية المدرسة وتدريب المعلم، وهذه المتطلبات منها الآنية ومنها طويلة الأجل.
فضلا عن ذلك، هناك مدارس تدرب الطالب داخلها، وهناك أخرى متواجدة داخل مصانع، وهى من أنجح الأنظمة.
غياب الكفاءة
ما هى أهم العوائق التى تواجه الدولة فى تطوير التعليم لفنى؟
ــ عدم استمرار السياسات والتوجهات وعدم كفاءة استخدام الموارد مشكله أساسية لغياب التكامل بين مؤسسات التعليم الفنى والتدريب المهنى المختلفة وبالتالى تنوع الأطر التنظيمية أحد أهم العوائق، بالاضافة إلى غياب تدريب وتأهيل الخريجين لسوق العمل وتوفير فرص لهم فى المصانع. كما أن المشكلة هى عدم الاستيعاب الجيد لتقسيم العمالة وكذا المهارات المطلوبة فى السوق المصرى أو الإقليمى من قبل الوزارات المسئولة مما يؤدى إلى وجود مناهج ولا تضع فى اعتبارها متطلبات سوق العمل و بخاصة المهنين.
لو نجحت الدولة فى  تطوير طلاب التعليم الفنى الذين يمثلون 60% كيف نوفر فرص تدريب وعمل لهم؟
ــ سؤال مهم... فى البداية أوضح لك أن مشكلة توفير عدد كبير من فرص التدريب لطلاب تتعلق بأنه يعتمد على الاقتصاد الرسمى فقط ولكن نحن فى مصر اقتصادنا غير الرسمى يتعدى نصف إجمالى الاقتصاد الوطنى وهناك ثلاثة أنواع  من التدريب والتأهيل للطلاب الأول فى المدارس والثانى فى المصانع والثالث فى مراكز التدريب المهنية وتوسيع قاعدة التدريب ترتبط بقوة مع دخول مستثمرين للسوق وجهود الدولة لتقنين أوضاع الاقتصاد غير الرسمى.
 أزمة التسريب
كيف ترى تعامل الوزارة فى أزمة تسريبات امتحانات الثانوية العامة وتأجيلها؟
ــ تسريبات الامتحانات مزعجة جدا وتصرف الوزير معها وتأجيلها كان تصرف مناسب حتى يشعر الطلاب بجدية الدولة فى مواجهة التسريبات حتى لو بإصدار قرارات صعبة تؤثر على الطلاب، و حتى يعلم الجميع أن امتحان الثانوية العامة خط أحمر لانها تحدد مستقبل الشباب، ولكن على الوزارة وضع تنظيم أفضل لحماية الامتحان وأن تتضمن الامتحانات أسئلة تعتمد على التفكير ومستوياته العليا كما كان قد بدأ سلفه حتى يتغير نظام التلقين والحفظ وتدريب المعلمين، واعتقد ان غالبية المعلمين مؤهلون تربويا ومستواهم العلمى جيد ولكن رواتب المعلمون أحد أهم أسباب الدروس الخصوصية هو الاحتياج المادى الذى جعل بعص المعلمين  يعملون سائقى تاكسى وعمال فى مطاعم واهدروا قيمتهم وفى نفس الوقت لا يعطى كل ما لديه للطالب.
هل اللجوء إلى إلغاء الدروس الخصوصية يساعد على تطوير التعليم؟
ــ نسبة الطلاب الذين يلجئون للدروس الخصوصية فى الصين 60% ودول كندا وفرنسا وانجلترا 15% وفى اليابان حوالى 10% حسب تقرير منظمة اليونسكو، واخر تقرير للمنظمة بخصوص مصر فى 2009 يبين أننا لدينا حوالى 70% دروسا خصوصية، ولذلك لابد من النظر إليها بشكل مختلف وأننا لا يمكننا إلغاءها خاصة أن قدرات الطلاب مختلفة، والتعامل معه على أنه واقع بدل "ما ندفن رأسنا فى الرملة" وعلينا تقنينها كما فعلت كل دول العالم ومراقبتها وتوفير أماكن لها لان الاتجاه للإلغاء لن يجدى خاصة أنه موجود منذ اربعين عاما والتاريخ يؤكد ذلك، وكل وزير يقول هلغى الدروس ويفشل "احنا مش عايشين فى الجمهورية الفاضلة.
  جدية وحزم
ما تقييمك لأداء د. الهلالى الشربينى وزير التربية والتعليم الحالى؟
ــ وزير التربية والتعليم طريقته فى الادارة الانضباط والجدية والحزم وهذا شيء مطلوب فى وزارة كبيرة مثل التربية والتعليم ولكن ذلك له جانب سلبى على العاملين. ولذا فإننى أرى أنه من المطلوب أيضا أن يأتى هذا الانضباط والجدية من خلال عنوان التطوير وليس التطهير لأن تصدير التطهير للعاملين كهدف يجعل الناس تخاف ولا تبدع فى العمل كما أن الأخطاء التى قد يراها بعضهم لايبلغها لخوفه من العقاب. إن الحديث المغالى فيه عن تطهير منظومة غير صحى و أرى أن يكون التطهير من رحم التطوير و ليس العكس.
هل يمكن تغيير نظام التعليم بالكامل ؟
ــ لا يمكن هدم نظام التعليم فى مصر وتغييره بالكامل فى مرحلة واحدة، بالرغم من العيوب الموجودة والحل الحقيقى هو البدء فى تطوير النظام الموجود وتغييره على مراحل، وجزء كبير من المعلمين  مؤهلون تربويا ولديهم قدارت كبيرة.
قلت: إن المعلمين مؤهلون... وهذا عكس ما يصرح به وزير التربية والتعليم؟
ــ بالفعل كلامى عن غالبية المعلمين صادم للكثيرين ولكنها حقيقة الكثير منهم مؤهلين و إن كانوا طبعا كأى مهنة يحتاجون إلى التدريب المستمر و هم يحتاجون من الدولة النظر إليهم وتحسين أوضاعهم و الثقة فيهم والكثير منهم إمكانياته أكبر بكثير من مدرسى المدارس الخاصة وحتى الدولية "اللى شكلهم حلو وبيتكلموا لغات”. كيف يمكن أن تحاسب معلم التعليم الفنى مثلا وحوالى ٦٥٪ من الطلاب الذين يلتحقون به لديهم مشاكل كبيرة فى المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب. كيف تحاسبه على مستوى الطالب فى الرياضيات واللغة العربية ومواد التخصص والطالب لديه هذا مثل الضعف الشديد فى المهارات الأساسية. عدم التعامل بواقعية مع مشاكلنا يؤثر بالسلب على المعلمين والطلاب والنظام التعليمى بأكمله. وطبعا خلاف مشاكل الكثافات و التى يتعامل معها المعلم ونتركه لمواجهتها وعندما تكون الآثار سلبية نحمله وحده هذه النتيجة.
هناك أنظمة تعليم أساسي  مختلفة على عكس الكثير من الدول التى تعتمد نظاما موحدا؟ 
ــ التنوع ميزة خاصة للدول التى تنمو مثلنا والتى تمتلك نظاما به مشاكل كبيرة، ولكن على الدولة تنظيمه ومراقبته حتى لا تبث أفكار غير وطنية أو مخالفة لثقافة المصريين، وإلغاء سلبياته التى لاحظها أهالى التلاميذ مثلا إلغاء النشيد الوطنى عدم رفع العلم كما فعل وزير التعليم السابق محمود ابوالنصر ولغى المصرفات بالدولار، ولذلك علينا البدء فى وضع  نظام خاص فى كفاءة الأنظمة الاخرى وبعدها تعميمه على الجميع.
 مجلس للتطوير
هل وجود مجلس تخصصى لتطوير التعليم فى رئاسة الجمهورية وصندوق لتطوير التعليم بمجلس الوزراء ووزارة التربية والتعليم يعرقل الجهود المبذولة؟
ــ بالنسبة للمجلس التخصصى لتطوير التعليم التابع  لرئاسة الجمهورية فوجوده مهم و نحتاج منه إلى وضع خطة واستراتيجية مستدامة للتعليم يشترك فيها الجميع وتعتمدها الرئاسة و تقوم الحكومات المتعاقبة بتنفيذها وتحاسب على مدى الالتزام بها بدلا من تعرض الخطط والسياسات إلى الإلغاء أو فى أحسن الحالات للفتور فى التطبيق مع تغير كل وزير وبذلك نضمن الوصول إلى نتيجة فى النهاية من خلال تطوير التعليم تدريجيا. كما يلعب صندوق تطوير التعليم دورا إيجابيا فى تطوير التعليم الفنى من خلال المجمعات التكنولوجية و المشروعات التى بدأت فى السابق مثل تطوير المدارس الفنية فى كل محافظة كما لايمكن إغفال دوره الجيد فى التعليم العام فى مدارس النيل من خلال شهادة دولية ومصرية.
هل الميزانية المخصصة للتعليم بمصر كافية؟
ــ الميزانية غير كافية بالطبع ولكن المشكلة ليست فقط فى كم الأموال التى تخصصها الدولة، و لكن كيفية تحديد الأولويات التى تصرف فيها تلك الاموال وكيفية توزيعها. وبالطبع الميزانية تحتاج إلى الزيادة فهناك مشاكل تحتاج إلى حل سريع وهى المتعلقة بآليات الصرف بالمديريات وعدم الدقة فى تحديد الأولويات من عدد وأدوات أو مبان أو إحلال وتجديد مكان المبانى المتهدمة. 
 خصخصة التعليم
ما رأيك بالطرح الموجود بخصخصة التعليم؟
ــ القيمة المضافة على التعليم نتيجة نظام الحوكمة الحالى قليلة ولو نظرنا للقيمة التى تعود على الدولة أو المواطن. نجدها لا تساوى الانفاق وبالتالى علينا النظر بشكل مختلف وإيجاد وسائل اخرى و لكن مع الحفاظ على مجانية التعليم.
الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص أحد هذه الوسائل  للمساهمة. كما يمكن الاستعانة بشركات عالمية تقوم بإدارة المدارس لصالح الوزارة وهذا موضوع يمكن أن يأتى بنتائج إيجابية خاصة وأنه معمول به فى بعض الدول مثل بريطانيا، وذلك لان الحكومة أثبتت فشلها فى إدارة ملف التعليم، وبالنسبة للتعليم الفنى يجب أن تبدى الدولة تفهما لفكر الصناعة و رجال الأعمال وأهدافهم و كذلك المرونة المطلوبة لتشجيعهم على المساهمة فى تطوير التعليم الفنى.
ولكن اللجوء إلى شركات متخصصة بإدارة التعليم سوف يتسبب فى مشاكل؟
ــ توعية المواطن بالفوائد التى ستعود على التعليم وتطويره سوف تساعد فى اتخاذ القرار، وللعلم لدينا فى قطاعات الكهرباء والبترول شركات عالمية متخصصة تدير وهذا عرف معمول به واثبتت التجربة نجاحه، ولكنه سوف يكون جديد فى التعليم ولذلك على الحكومة الاستعانة بشركات عالمية تدير منظومة التعليم خاصة وأنها فشلت فى تحسينه وتقوم بدور المراقبة فقط.
فى تقديرك لو تولت شركات عالمية إدارة التعليم متى نشعر بالتحسن؟
ــ لو بدأنا من اليوم سوف يشعر المواطن خلال خمس سنوات لان البداية سوف تكون فى التعليم الاساسى من خلال تقليل الكثافات وتطويرالمناهج وتدريب المعلمين وزيادة مرتباتهم، وبعدها نبدأ فى المراحل الاخرى.