د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف يكتب

أسئلة مشروعة وأخري ممنوعة

لا شك  أن في نفس كل إنسان منا أسئلة يراها مشروعة وأخري يراها ممنوعة أو يتوجس أن تكون ممنوعة ، أو يطوي عليها نفسه ولو بشق الأنفس ، غير أن هذا المنع ليس شرطًا في كل الأحوال أن يكون ناتجًا عن عوامل خارجية كالضغط أو التضييق أو خوف المحاسبة علي الكلمة ، فقد يكون المنع ذاتيًّا ناتجًا عن شدة الإحساس بالمسئولية ، أو الالتزام الأدبي أو الاجتماعي أو المجتمعي أو حتي السياسي ، ولأن طرح بعض الأسئلة قد يحمل علي غير وجهه ، ويُحمّل ما لا يحتمل ، فليس كل ما يعلم يقال ، أو يناقش عبر الصحف ووسائل الإعلام ، أو يطرح علي العامة ، وقد كان الإمام علي (رضي الله عنه) يقول : خاطبوا الناس بما يفهمون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ فلا ينبغي خطاب أحد بما يفوق مستوي إدراكه العقلي والفكري والثقافي والمعرفي ، قطعًا للجدل ودفعًا لسوء التأويل ، وبخاصة إذا كان هناك متربصون يحاكمون علي الضمائر والنيات ، بل قد يختطف بعضهم كلمة من هنا أو جملة من هناك ، أو ينتزع هذه أو تلك من سياقها، ليبني عليها حكمًا متيقنًا يريده هو لا قائله ولا كاتبه ، أو يتخذ ذلك وسيلة للإثارة أو التشهير ، مما جعل كثيرين يؤثرون السلامة ، ويرون الصمت أبلغ مائة مرة من الكلام ، ولا سيما لو كانوا في موضع لا يحتمل الجدل ، فيحتملون ما يحتملون ، إيثارًا للعام علي الخاص، ولو كلفهم ذلك ألم النيل ظلمًا وعدوانًا منهم ، أو رميهم بما هم منه براء.

ومع كل هذه المحاذير فإننا نؤكد أن من يصدق النية لدينه ووطنه ، ويثق فيما عند الله (عز وجل) ، ويدرك أن الأمر كله بيده سبحانه وتعالي وحده دون سواه ، وأن ما أصاب الإنسان ما كان ليخطئه ، وأن ما أخطأه ما كان ليصيبه ، وأن الأمور كلها بالمقادير ، حيث يقول نبينا (صلي الله عليه وسلم) : «واعلم أن الأمة لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعت علي أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» ، فمن تكن ثقته في الله (عز وجل) كذلك ، ويوقن أن مصلحة دينه لا تنفك عن مصلحة وطنه، وأن مصلحة وطنه لا تنفك عن مصلحة دينه، فإنه سيفعل ما في صالحهما دون نظر إلي ما يكون له أو عليه بعد ذلك.

ومن الأسئلة التي نطرحها نجيب علي بعضها ونترك للقارئ اللبيب الإجابة علي بعضها الآخر : هل الإخوان يفكرون مرة أخري في العودة إلي المشهد السياسي ؟ وهل يفكرون ومعهم غيرهم في اختطاف الخطاب الديني مرة أخري ؟ وهل يحاولون ذلك الآن ؟ وهل يحاولون التسلل عبر المؤسسات المختلفة: دينية ، وتعليمية ، وثقافية ، وفكرية ، واقتصادية ، وخدمية ، وإدارية ؟ وهل هناك ممانعة كافية وحصانة في جسد هذه المؤسسات تحول دون حدوث الاختراق ؟ وهل استوعبنا التجربة المرة لعام الإخوان الأسود بما يجعل لدينا العزيمة والإصرار علي عدم السماح لعناصر هذه الجماعة الإرهابية باختراق مؤسساتنا وبخاصة الدينية والثقافية والفكرية مرة أخري ؟ ومنعهم من بث سمومهم فيها أو عبرها ؟ وهل نسينا إقصاءهم المقيت وإعلانهم غير الدستوري المكبل الذي كاد رئيسهم المعزول أن يقول فيه «ما أريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد «، بل إنه قد قرر وبتبجح هذا المضمون وأراده واقعًا مُرًّا مفروضًا علي المصريين جميعًّا لصالح أهله وعشيره وجماعته وقبيله.

وهل لدينا الإدراك الكافي أن قوي استخباراتية كبري توظف عناصر هذه الجماعة لتفكيك منطقتنا وتفتيت دولها ؟ وهل ندرك أن التحديات مازالت كبيرة وأن الخطر مازال داهمًا ؟ وهل نقف علي مستوي هذه التحديات ؟ وهل بقي أي شك في أن هذه الجماعة الإرهابية لا تبقي علي دين ولا وطن ؟ وأين الدين الذي يدّعونه من هذه البذاءات والصفاقات والشتم والسباب بأقذع الألفاظ التي يعف كل أبي كريم فضلا عن أي صاحب دين أو حتي مدعيه عن التفوه به أو بأي منها ؟

وملخص بعض الإجابات من وجهة نظري أن الخطر مازال قائمًا ويزداد ، وأن الإخوان وأعوانهم يقاتلون من أجل العودة إلي المشهد السياسي عبر تقسيم الأدوار ما بين عملاء خونة يتطاولون علنًا علي أوطانهم ويشهرون بها عبر بعض الفضائيات التي تستضيفها دول راعية للإرهاب وأخري مستخدمة للإخوان كشوكة في ظهر أوطانهم وسلاح لفتيت دولهم وتمزيقها ، وآخرين يغيرون جلودهم كالحيات ويعملون علي اختراق المؤسسات والسيطرة عليها من خلال خلاياهم النائمة ومن يستطيعون استقطابهم من المخدوعين والمغرر بهم وأصحاب المطامع والأهواء ، مما يتطلب الحيطة والحذر والتنبه لمؤامرات هذه الجماعة الإرهابية وعناصرها وخلاياها الحية والنائمة، ومن يرعاها، ومن يستخدمها، حتي لا نندم حين لا ينفع الندم، فالسعيد من وُعِظَ بغيره، والشقي من وُعِظَ بنفسه، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقول: «لست بالخب ولكن الخب لا يخدعني»، ويقول نبينا (صلي الله عليه وسلم): «لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين» ، ولن نلدغ إن شاء الله، وسيرد الله (عز وجل) كيد الإخوان وأعوانهم ومستخدميهم في نحورهم بإذنه سبحانه.