لأول مرة، مصر تحتل المركز الأول عربيا والـ (12) عالمياً، لتتفوق علي الجيش الإسرائيلي الذي جاء في المركز (١٦).
هذا الخبر انتشر حديثاً بين المواقع الإخبارية العالمية والإقليمية والمحلية، والذي يُعد لأول وهلة مُفرح لنا في ظاهره، ولكن المغزي الذي يرمي له الخبر قد لا يهم محللينا ولا إعلامنا علي الإطلاق.
بالبحث في مصدر الخبر «موقع جلوبال فاير باور» الأمريكي والذي يُصدر سنوياً تقارير العددية القوات العسكرية دولياً وإقليمياً وأحجام الإنفاق العسكري لها، لتقوم بترتيب الدول بناءً علي (الحجم العددي) للقوات والأسلحة والمعدات المنتظر تدخلها حالة حدوث حرب بالإضافة إلي الإحتياطيات لكل دولة، كما يتعرض التقرير لحجم الإنفاق العسكري السنوي.
يعتمد موقع «جلوبال فاير باور»في تقاريره علي مصادر إليكترونية منها موقع المخابرات المركزية الأمريكية الحكومي، وموقع «وورلد فاكت بوك»، والموسوعة الحرة «ويكبيديا» ومواقع أخري.. فضلاً عن تقديرات يقوم باستنتاجها بناءً علي المعلومات المتاحة من تلك المصادر.. وبالإطلاع علي تقرير حجم النفقات العسكرية الصادر في إبريل 2016 والذي تضمن (126) دولة، نجد أن أعلي (15) دولة في الإنفاق العسكري عام 2015 وبالترتيب هي (أمريكا - الصين - السعودية - بريطانيا - روسيا - اليابان - وفرنسا - الهند - ألمانيا - فرنسا - إيطاليا - كوريا الجنوبية - البرازيل - أستراليا - تركيا - إسرائيل) في حين أن مصر ترتيبها عالمياً في الإنفاق العسكري ما زال الـ(45) منذ العام الماضي بإجمالي (4.4) مليار دولار.
أما ترتيب القوات المسلحة لنفس الدول من حيث الحجم العددي للقوات بالتقرير فلا تبنيه التقارير بالموقع علي القدرات النوعية ولا علي بنود الكفاءة القتالية عسكرية الخمس المعروفة عالمياً وهي (القدرات القتالية - التدريب القتالي - الحالة الفنية للأسلحة والذخائر والمعدات والمركبات - الروح المعنوية والانضباط العسكري) ولا القدرات النووية للدول، ولكن تبني بناءً علي حسابات رقمية بحتة لعدد الأفراد والدبابات والعربات المدرعة وعدد قطع مصادر نيران القوات البرية من المدفعيات بأنواعها والصواريخ، فضلاً عن حجم القطع البحرية والجوية وحجم إنتاج النفط ونفقات التسليح وحجم الدعم الإداري والفني.. وبناءً علي تلك الحسابات فقد صنفت أقوي (15) دولة في قواتها المسلحة بالترتيب التالي (أمريكا - روسيا - الصين - الهند - فرنسا - بريطانيا - اليابان - تركيا - ألمانيا - إيطاليا - كوريا الجنوبية - مصر - باكستان - إندونيسيا - البرازيل).. لتتأخر إسرائيل إلي الترتيب الـ(16) عالمياً رغم أن حجم إنفاقها العسكري (15.6) مليار دولار، والسعودية التي تعتبر من أكبر الترسانات العسكرية حالياً بالمنطقة بحجم إنفاق عسكري (9.7) مليار دولارلتتأخر للترتيب الـ(24).
وجدير بالذكر أن موقع «جلوبال فاير باور» قد قام بتعديل ترتيب مصر وإسرائيل ثلاث مرات خلال الفترة من فبراير إلي إبريل 2016 بناءً علي الرقم الذي يشير إلي المحصلة النهائية للقوة العسكرية، فهل تتغير أحجام الجيوش لثلاث مرات في فترة شهرين فقط بالدرجة التي تؤثر في التقارير الدولية؟
لا شك أن بعض البيانات الواردة بالموقع قريبة من الحقيقة لبعض الدول المُدرجة ومنها إسرائيل، ولكنها بالتأكيد مُبالغ فيها لدول أخري وأظن بدرجة كبيرة أن مصر إحداها.. وسواء تعمد القائمون علي الموقع المبالغة من عدمه فهو بالتأكيد يتفق مع آراء المحللين الغربيين والإسرائيليين الذين يدعمون مطالب إسرائيل الأخيرة برفع المعونة الأمريكية لها إلي (5) مليارات دولار، مقابل التنديد بزيادة نفقات الجيش المصري لشراء أسلحة تقليدية أمام إسرائيل، والتي لا يرونها تهديداً حقيقياً علي مصر الآن.. ذلك في الوقت الذي اجتمع فيه الكونجرس وباقي محاور صناعة القرار بالإدارة الأمريكية لزيادة المساعدات العسكرية المصرية لمكافحة الإرهاب».
لست من المدافعين عن المساعدات العسكرية الأمريكية أو ممن يهاجمونها، فهي ترتبط بسياسات التحالف الاستراتيجي المصري الأمريكي، ولست من الباحثين عن المؤامرات الدولية في أبحاثي وتحليلاتي، ولم أعتد التشكيك المُطلق في التقارير الدولية ولا في مصادرها، ولكن وجب بحث دقة بياناتها واستنتاجاتها وعواقب نشرها دولياً.. علينا دراسة التقارير من هذه النوعية جيداً قبل تداولها وإطلاقها من خلال عواطف لن تفيد ولكن ربما تضر، فمهما كانت توجهات الحكومات الغربية وآليات صنع القرارات بها، إلا أن المحللين الدوليين ذوي التوجهات المضادة وبعض منصات الإعلام الغربي الداعمة لهم قد يكون لهم تأثير قوي علي تلك القرارات وبما يضر بمصالحنا.
www.sayedghoneim.net
زميل أكاديمية ناصر العسكرية العليا
إستشاري الأمن القومي والدفاع