كانت «أوراق بنما» بمثابة مغارة على بابا التي تدافعت عليها وسائل الإعلام للكشف عن عمليات غسيل أموال وتهرب ضريبي نسب لعدد كبير من القيادات السياسية، ورجال الأعمال والشخصيات العامة من فنانين ورياضيين إلى جانب تجار المخدرات.

وأثارت تداعيات ظهور هذه الأوراق في مثل هذا التوقيت تساؤلات عديدة حول الجهة المستفيدة من نشر هذه الأوراق؟ وهل مازال العالم بحاجة لمزيد من الفوضى وعمليات نشر الغسيل القذر بدلاً من التركيز على القضاء على الإرهاب!.
وصف مركز بحوث العولمة أن أسلوب استخدام وثائق بنما يمهد لقلب وتغيير بعض أنظمة الحكم بدعوى الفساد ويضرب مثلاً على ذلك بما حدث في البرازيل وإبعاد الرئيس البرازيلي السابق لولا دى سيلفا عن المسرح السياسي مؤخرا.. وذكر المركز أن ما يجرى حاليا هو ابتعاد عن المنطق والموضوعية في مقابل الاهتمام بما يخدم مصالح الغرب.
وتقول الدراسة التي أعدها المركز أن الغرب لا يريد أي منافسة لسيطرته ويرى أن تفوق مجموعة البريكس التي تضم: روسيا والبرازيل والهند والصين وجنوب إفريقيا اقتصادياً يشكل تهديداً لسيطرة الدول السبع الغنية وصندوق النقد الدولي على الاقتصاد العالمي.
الغريب أن أيا من الصحف الأمريكية الكبرى ووسائل الإعلام الأمريكية فيما عدا جريدة ميامى هيرالد بفلوريدا لم تشارك في هذه العملية ربما حرصا منها على عدم الدخول في قضايا أو ربما لعدم دعوتها للمشاركة في عملية تسريب معلومات.. «ووثائق بنما» هي بصفة أساسية عملية تهرب من دفع الضرائب إلا أن أسلوب تناولها ينطوي على أهداف سياسية وهو ما أثار تساؤلات بشأن إمكانية القيام بهذه العملية بأسلوب القرصنة الإلكترونية.
وأشارت معلومات ترددت في العديد من وسائل الإعلام الأمريكية أن الملياردير جورج سورس الذي شارك وكالة المعونة الأمريكية فيما يطلق عليه «مشروع مكافحة الجريمة والفساد» كان وراء هذه العملية حيث أنها تستهدف روسيا وبصفة خاصة الرئيس فلاديمير بوتين للإضرار بمكانته مع قرب إجراء الانتخابات الروسية ومع صعود نجم روسيا ودورها المحوري في تناول القضايا الدولية وبصفة خاصة الوضع في سوريا.
وموضوع التهرب الضريبي قضية معروفة في الولايات المتحدة وتعمل الشركات والمؤسسات الكبرى على استغلال الثغرات القانونية لدفع نسبة أقل من الضرائب بأسلوب قانوني لا يعرضها للمساءلة وإن كان يقلص الموارد الأمريكية.. وهناك شركات كثيرة ومكاتب محاماة معروفة تقوم بمساعدتهم على ذلك.. حيث تقوم أي شركة كبرى أو مؤسسة بإنشاء مقر صغير لها خارج حدود الولايات المتحدة بدعوى أنها تدير أعمالها خارج الحدود فتدفع ١٥٪ من أرباحها كضريبة مقابل ٣٥٪ كان يجب عليها أن تدفعها لو أنها أدارت أعمالها على الأراضي الأمريكية.. وهكذا تدفع بعض الشركات ضرائب أقل من الطبقة المتوسطة التي غالباً ما تدفع من ٣٠٪ إلى ٤٠٪ كضريبة عن الدخل.
وكان من المثير أن يبادر الرئيس أوباما فور الإعلان عن تسريب وثائق بنما بالإعلان عن مؤتمر صحفي من البيت الأبيض اعتبر فيه مشكلة التهرب الضريبي مشكلة عالمية وأنه سيدرس ويضع حلولا لهذه المشكلة وأنه قد أحال مذكرة بهذا الشأن لوزارة الخزانة الأمريكية.
والسؤال: لماذا لم تتحرك الإدارة منذ وقت طويل لمواجهة المشكلة وهى قضية معروفة؟ ربما جاءت تصريحات الإدارة الأمريكية لأن أوراق بنما لم تتناول أي شخصية أمريكية وهو أمر يثير شكوكا قوية..!
وأخيراً فإن وسائل الإعلام الأمريكية لا تريد التورط في هذه القضية حيث أنها مشغولة حالياً بمعركة انتخابات الرئاسة الأمريكية وما يتردد حالياً عن محاولات قيادات الحزب الجمهوري إقصاء دونالد ترامب الحصان المتقدم في السابق حتى لو حصل على ترشيح الأصوات اللازمة في مرحلة الانتخابات المبدئية الجارية حالياً.. ويرى المراقبون أن الإقدام على مثل هذه الخطوة المثيرة والتي لا تمت للديمقراطية بصلة قد يدفع بأنصاره لثورة واحتجاج عند انعقاد المؤتمر العام للحزب الجمهوري في شهر يوليو القادم وقد يؤدى إلى تفتيت الحزب ونهايته.
يحتل جورج سورس المرتبة السادسة عشرة بين قائمة الأغنياء في العالم وهو معروف بعدائه الشديد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويعمل سورس بالاشتراك مع الأجهزة الأمريكية للنيل من بوتين ويأتي تسريب «وثائق بنما» في هذا الإطار وتعرض أوراق بنما البنوك البريطانية للمساءلة وتضع ضغوطاً لكل من واشنطن ولندن لأنها تدرك أن صفوة الأثرياء يزدادون ثراء في حين يتحمل الفقراء والطبقة الوسطى العبء المالي.. والسبب يكمن في الأساليب الملتوية التي تلجأ إليها الصفوة من أمثال جورج سورس وشلدين صاحب كازينوهات القمار المعروف لتمويل الحملات الانتخابية وتوجيه السياسة الأمريكية.
يجدر بالإشارة أن بعض المراقبين قد أشاروا إلى أن فضيحة وثائق بنما قد تمهد الطريق لوصول برنى ساندرز منافس هيلارى كلينتون إلى البيت الأبيض.. ومن المعروف أن هيلارى كلينتون لها صلات وثيقة بالصفوة الثرية التي مولت بأساليب عديدة مؤسسة التنمية التي يديرها زوجها الرئيس السابق بيل كلينتون.. ومن المتوقع أن ينقلب السحر على الساحر بظهور أسماء بعض مستشاري الرئيس أوباما وتورطهم أو معرفتهم الوثيقة بما يجرى.. ومن المعروف أن سورس قد تبرع بما يزيد على ٧ ملايين دولار لتمويل الحملة الانتخابية لهيلارى كلينتون وذلك عبر العديد من المؤسسات التي يمتلكها.
ويرى بعض المراقبين أن سورس سيكون من ضحايا هذه الفضيحة التي ستقوض مهمته الرئيسية التي كانت تستهدف طوال السنوات الماضية القضاء على أي نظام يضع مصالح الشعب فوق مصالح الصفوة الغنية.. ويعد جورج سورس ومع تضارب أهدافه وبالتالي فهو في الواقع مخلب سياسة الفوضى الخلاقة التي تتبناها واشنطن.