كانت صناعة الغزل والنسيج منذ تأسيسها على أيدي الاقتصادي الكبير طلعت حرب في ثلاثينيات القرن الماضي أيقونة الصناعة المصرية..ويكفي القول أنها كانت المصدر الأول للدخل من العملة الصعبة .. وكانت مثار فخرنا في العالم كله ..أتذكر مشهدا في فيلم أمريكي كان البطل يتباهى بأن القميص الذي يرتديه صناعة مصرية.. الآن ..كل شيء تغير ..لم تعد صناعة النسيج المصدر الأول للدخل ..ولم تعد أيقونة الاقتصاد المصري ..بل أنها تحتضر !
بالطبع وحين يكون الحديث عن صناعة النسيج ..تتجه الأنظار إلى مدينة المحلة ..قلعة هذه الصناعة كانت الثالثة على مستوى العالم ..الآن تبدو وكأنها تلفظ أنفاسها الأخيرة.. وأين مكمن المشكلة ؟
"الأخبار المسائي " طرقت كل الأبواب ..من مسئولين وأصحاب مصانع وعمال ورابطة صانعة النسيج بالمحلة الكبرى ..وأذهلنا ما رأينا وسمعنا ..حيث يعاني أصحاب المصانع من المنافسة غير الشريفة والتي تؤثر علي سعر المنتج وضعف اجر العامل بالإضافة الي نقص المواد الخام وارتفاع التكاليف والتهريب والذي سيقضي علي هذه الصناعة الوطنية ويقول المهندس أحمد أبو عمو رئيس رابطة مصانع النسيج بالمحلة الكبرى:
- جميع الوزراء يعرفون مشاكلنا ورئيس الجمهورية علي علم بها، وذهبنا منذ أسبوعين للرقابة الإدارية ،حيث يوجد قسم خاص للمستثمرين في الرقابة الإدارية أنشأه الرئيس السيسي لحل مشاكلهم، وعرضنا مشاكلنا كاملة واجتمعنا مع أربعة وزراء، وهم وزير الصناعة، وزير التخطيط ،وزير الاستثمار،وزير المالية ،ووزير الزراعة ، نريد وزيرا جريئا !
وإلى ماذا انتهت هذه اللقاءات ؟
النتيجة محزنة ..كما يبدو من حديث المهندس أحمد أبو عمو ..حيث يستطرد قائلا: للأسف لايوجد وزير لديه الجرأة على حل مشاكلنا ، فقطاع الغزل والنسيج قطاع شائك جدا وجميع مشاكلنا مرتبطة مع هؤلاء الوزراء مجتمعين ولكن للأسف الشديد كل وزير يعظم وزارته علي حساب الآخرين ونحن نريد أن نكون مثل الهند والباكستان ،أن يكون لدينا وزير للغزل والنسيج .
ويتطرق أبوعمو إلى مشكلة التهريب الخاصة بالأقمشة والملابس والمفروشات ،ويقول : كل كونتر يدخل إلى مصر يقابله إغلاق مصنع، فالمستورد كله برغم رداءته يدخل البلاد ليغطي كافة الاحتياجات مما لا يعطي الفرصة لبيع المنتج المحلي.
منتجاتنا أفضل لكنها أغلى
وأسأله عن أسباب ارتفاع المنتج المحلي وبالتالي عدم القدرة على المنافسة؟ فيجيب :
-المنتج المحلي جودته أعلي ، لكن تكلفته عالية ، سعر الغزل هنا أغلى من الخارج لأن لديهم ميكنة بينما نحن لانمتلك الميكنة.
إذا لابد للدولة أن تدعم صناعة الغزل والنسيج
لكن كيف يكون الدعم؟ يجيب أبو عمو :
-ماليا وصناعيا من كل الوجهات ..لأن صناعة الغزل والنسيج حين تنهض وتزدهر ترفع عبئا عن الدولة فكل مصنع يتيح فرصة عمل يوفر علي الدولة 200 ألف جنيه ،لأن الدولة في النهاية ملزمة بتوفير فرص العمل فالمصانع عليها أعباء كثيرة تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة والمياه والأجور العمالة غير المدربة كل هذه أعباء تتحملها المصانع ، فمن السهل اليوم إغلاق أي مصنع، لكن هذه العمالة ماهو مصيرها ؟
-لماذا لا تلجأوا للطاقة البديلة؟
-الطاقة البديلة لاتفي باحتياجات المصانع
ويكشف أبو عمو على أن هذه المشاكل أدت إلى إغلاق حوالي 1200 مصنع تقريبا ،وهذا العام فقط أغلق 450 مصنعا ، والغريب أن هناك مصانع عشوائية كثير ظهرت وللأسف الدولة وفرت لها كهرباء و كل المرافق فمصانع تحت السلم تتسبب في إغلاق المصانع الكبيرة لأنها لاتتحمل أعباء كالضرائب والتأمينات.
ويطالب بمواجهة المشكلة من جذورها ..والبداية من العمالة المدربة ، ويقول : قمنا بتقديم مشروع وللأسف لم ينفذ حتى الآن للحصول على العمالة المدربة من خلال استحداث ما يسمى بالتعليم الموازي وهو أن يتوجه الطالب بعد الإعدادية إلى مدرسة فنية بحيث يقضي يومين في المدرسة وأربعة أيام في المصانع على أن يتقاضى أجرا رمزيا والفائدة هو خلق عمالة مدربة ثانيا استيعاب أطفال الشوارع ،ثالثا سيتيح المشروع لوزارة التربية والتعليم ان تستوعب المدرسة 3 أضعافها وكل هذا قدمناه ولكن للأسف لايوجد رد فمن الواضح أن الدولة لديها مشاكل أكثر من مشاكلها الداخلية ونحن لانعلم الآن ماذا نفعل هل نقوم بإغلاق المصانع ؟
القطاع العام أيضا يعاني
وهل مشاكل صناعة النسيج يعاني منها القطاع الخاص فقط ؟
يؤكد أبو عمو أن مشاكل القطاع العام أكثر والكل يخسر ،واكبر مثال شركة مصر للغزل والنسيج مفلسة ، فالأجور 96 %من قيمة المنتج وحتى يقف قطاع الغزل والنسيج علي قدمه لابد أن تحدد الحكومة هل تريد الصناعة ام لا ؟ فإذا كانت ماتريده ازدهار الصناعة فلابد أن تجلس معنا وتسمع المشاكل وتحلها لا أن تسمع فقط
سألته :
ماهو الفائض المحلي الذي يمكن تحقيقه إذا ازدهرت صناعة النسيج مرة أخرى ؟ فقال :
لابد من الاهتمام أولا بآلية زراعة القطن المصري فسابقا كان أي رئيس دولة يفتخر بأنه يرتدي قميص قطن مصري ولكن للأسف الدول الاخري أخذت البذرة المصرية وطورتها جينيا ليصبح قطنها فائق الجودة ، فأمريكا قطنها في الأصل جيزة 86والان أصبح فائق الجودة اي انه اعلي جودة من القطن المصري وكانت نتيجة الأبحاث بدل أن يعطي الفدان من 7 الي 7,5قنطار أصبح يعطي 21 قنطارا.
نقص في العمالة
ويقول المهندس سمير الغنام الأمين العام لرابطة أصحاب صناعة النسيج بالمحلة الكبرى هناك نقطة هامة نعاني منها جميعا وهي نقص العمالة والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تعاني مصر من البطالة ونحن لدينا نقص عمالة فهناك تناقض والسبب يرجع علي ما أظن أن الدولة توسعت في التعليم الجامعي ولم تعط اهتماما كبيرا للتعليم الفني مع العلم ان المصانع دائما تحتاج إلى التعليم الفني أكثر من خريجي الجامعة.. فإذا احتجنا إلى 100 عامل واقف علي مكن فلن نحتاج إلا إلى 10من خريجي الجامعات، محاسب وكيمائي ومهندس ،الهرم لدينا مقلوب فنحن لانجد عمال بينما المؤهلات العليا وخريجي الجامعة نجدهم بسهولة جدا ، أنا صاحب مصنع ولدي وحدات أغلقت بسبب نقص العمالة ، ولدي 3 أنشطة ، نسيج ،تريكو ،وملابس وصباغة وبالرغم من أن المصنع يحتاج إلى 500 عامل وعاملة إلا انه في الواقع ليس لدي سوى 150، مما اضطرني الي إغلاق أقسام.
سألته :
ماهو متوسط اجر العامل هنا ؟
من 1200 الي 2000 جنيه
ويعلق المهندس سمير :كلنا نعلم ان منظومة الأجور في مصر لاتفي بالاحتياجات المعيشية. وأنا عن شخصي أود أن أعطيه أكثر لكن من اين سئاتي له بالزيادة المفروض من المنتج وللأسف العامل إنتاجه ضعيف ، وهناك دراسات تؤكد ان العامل المصري أجره الأعلي علي مستوي العالم ويرجع ذلك لضعف انتاجه بالاضافة الي تدني مستوى الجودة فمثلا ممكن يعطي حوض صباغة غير مطابق للمواصفات فتكون النتيجة ان يعاد مما يترتب عليه إعادة عملية الصباغة مرة أخرى وبالتالي ترتفع التكلفة ويصبح العامل الذي اتمني منحه مرتبا أعلي يقلل من قدرتي التنافسية بالإضافة الي ذلك التهريب الذي يقلل ايضا من القدرة التنافسية فانا تكلفة منتجي مرتفعة ليس فقط بسبب اجر العامل ولكن هناك عوامل اخري مثل الكهرباء والغاز والطاقة والمياه وبالتالي يكون سعر منتجي اعلي امام سعر المستورد.
هل معني ذلك أن كل الأقمشة في مصر مهربة ؟
يجيب أبو عمو:
-معظم المحلات تجدين فيها 25%مصري والباقي مستورد ، لكن ليس كل المستورد مهرب فاللعب في الفواتير يعتبر تهريبا والذي ياتي بمنشطات ويضعها داخل الاقمشة تهريب وياتي هنا ويحرق البضاعة بتخفيض سعرها عن سعر السوق كل هذا تهريب وكذلك البضائع التي تاتي عن طريق الترانزيت
وبسؤال المهندس وليد الكفراوي عضو المجلس التصديري عن حجم التصدير سابقا وحجمه حاليا فقال :هناك عجز 30 %من حصيلة التصدير وبالتالي انخفض حجم العملة الصعبة التي كان يجري توفيرها لمصر سنويا هذا القطاع والتي تبلغ ملياري دولار بمعدل 30 % ..ومع مواجهة المشاكل التي يعاني منها قطاع النسيج يمكن أن يرتفع المبلغ إلى 4 مليار دولار في البدء ليصل بعد ذلك إلى 10 مليار دولار.