قضية ورأى

مستقبل الصحافة والإعلام فى العشرية القادمة

د.محمد شومان
د.محمد شومان

بعد عشر سنوات: ستموت الصحافة الورقية وتهيمن الوسائط الرقمية ،  لكن الصحافة ، بمعنى تزويد الجمهور بالحقائق وعرض وجهات النظر المختلفة ..لن تموت ابدا

من الصعب تماما توقع أو تحديد سيناريوهات لمستقبل الصحافة والإعلام فى السنوات العشر القادمة ، لكن من الممكن طرح رؤى تتسم بالنسبية لما هو محتمل أو ممكن ، فما يجرى من تطور فى تكنولوجيا الاتصال هو أقرب إلى القفزات السريعة والمتوالية التى لا تهدأ ، والتى تغير بوتيرة غيرمسبوقة  - فى سرعتها وعمقها وشمولها - المجتمع والصحافة والإعلام ، ويبدو المشهد وكأن تكنولوجيا الاتصال هى التى تقود الصحافة والإعلام.


 فالعالم قبل الفيسبوك الذى ظهر عام 2006 ، يختلف عن العالم بعد الفيسبوك ، ثم تغير العالم مع ظهور الايفون عام 2007 ، والواتس اب عام 2009 ، ثم ظهر التيك توك عام  2017 لكى يفتح افاقا لعوالم جديدة تهيمن عليها الصور والمحتوى القصير «الفيديو الطلقة أو الومضة» الذى ينتج أغلبه جيل زذ وألفا ، وقد يظهر وافد جديد يغير من خريطة وسائل التواصل الاجتماعى وانتشارها وانت عزيزى القارئ تطالع هذه السطور.


وبات من المتفق عليه تقريبا الحديث عن تغيرات جيلية ذات طابع معولم، لا تعتمد على تقسيم الأجيال ، وانما على مدى وعمق انتشار وسائل التواصل الاجتماعى ، فهناك حديث عن جيل الفيسبوك، وجيل التيك توك ، وثمة اتفاق على نطاق واسع بأن جيل زذ  يضم المواليد من  1990 الى عام 2010 ، ثم جيل الفا الذى يشمل الموليد من بعد عام 2010 الى عام 2025 ، وكل جيل له خصائص وسمات مختلفة هى فى أغلبها انعكاس لتطور تكنولوجيا الاتصال وتعميمها حول العالم ، وانتشار خليط هائل ومتسارع من المعلومات والصور والفيديوهات التى تجمع بين السطحى والتافه والجاد والحقيقى والمزيف . لكن هناك باحثين يعتقدون أن الأجيال تختلف كل ثلاث سنوات إلى خمس سنوات على الأكثر ، فى هذا السياق يرى البعض ان هناك جيلا ما يسمى بجائحة كوفيد 19 ، هؤلاء الذين حبسوا فى منازلهم وافترستهم وسائل التواصل الاجتماعى والمخاوف والقلق فى سن المراهقة أو قبلها.
بالتوازى والتفاعل مع هذه التحولات يستقطب الذكاء الاصطناعى اهتماما واسعا ، ويطرح فرصا وتحديات هائلة وغامضة ، يغذيها الحديث عن التحول من الحواسيب التقليدية التى نستخدمها حاليا الى الحواسيب الكمية ، والتى ستضاعف من قدرات الذكاء الاصطناعى وامكانيات العوالم الافتراضية والعوالم المدمجة والعوالم المختلطة لتجعل الفروق بين الواقعى والافتراضى محدودة للغاية ، وربما يصعب التمييز بينها .


تؤثر كل هذه التحولات على واقع ومستقبل الصحافة والإعلام ، وتعيد تشكيله بسرعة غير مسبوقة ، فالنماذج الاقتصادية للصحافة المطبوعة تنهار ، فأعداد التوزيع انهارت ، ومعها الاشتراكات والدخل من الإعلانات ، وتراجعت سطوة وقوة التليفزيون ، بعد أن هرب الجمهور الى وسائل التواصل الاجتماعى والوسائط الرقمية الترفيهية بالدرجة الأولى ، ثم الاخبارية بالدرجة الثانية . وتستحوذ الوسائط الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعى على نصيب الأسد من كعكة الاعلانات حول العالم . ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الإعلانى فى سوق الإعلانات الرقمية إلى 740.3 مليار دولار أمريكى فى عام 2024، وسيتم توليد 70٪ من إجمالى الإنفاق الإعلانى من خلال الهاتف المحمول فى عام 2028.
هل يعنى ذلك ان المستقبل للوسائط الرقمية ، ولامكان للصحافة والإعلام فى العالم بعد عشر سنوات ؟ أنا على قناعة تامة من ان الصحافة الورقية ستموت ، لكن الصحافة والإعلام بمعنى تزويد الجمهور بالحقائق وعرض وجهات النظر المختلفة ، وتسلية الجمهور . . لن يموتا أبدا . ستتغير بلاشك الوسائل والأشكال والاساليب ، وستتغير بعض مهام ووظائف الصحفيين ، كما ستتغير تماما علاقة الصحفيين بالجماهير التى أصبحت قادرة على انتاج المضامين ونشرها والتفاعل مع ما ينشره الصحفيون أو يقدموه الإعلاميون عبر وسائل الإعلام المختلفة . ستبقى الصحافة والإعلام مابقى الحاجة الانسانية للاتصال ونشر الأخبار والترفيه والتسلية وتبادل المعلومات والاراء والخبرات بما فيها الصور والفيديوهات . ستبقى الصحافة والاعلام وتندمج وتتكامل أو تتصارع مع وسائل التواصل الاجتماعى المختلفة ، وسيستمر دور الصحفيين طالما هناك حاجة لمعرفة الفروق بين الأخبار والفيديوهات الكاذبة والمضللة والحقيقية أو الموثوق فيها بدرجة عالية ، ما يعنى بقاء وتطور القواعد المهنية التى تنظم وتضبط العمل الصحفى .


ستموت الصحافة الورقية ، ولن يبقى أيضا التليفزيون بصورته وأشكاله الحالية وسيطور ليصبح أكثر تفاعلية مع الجمهور ، ويصبح تحت الطلب ، بمعنى ان الجمهور لن ينتظر أو تفرض عليه القناة التليفزيونية مواعيد محددة لمشاهدة المضامين المختلفة ، وانما ستكون المشاهدة التفاعلية طوال الوقت تطبيقا لمبدأ الاتصال المستمر ، ولن تكون المشاهدة عبر الشاشات التقليدية التى نستخدمها حاليا ، وانما ستتطور الشاشات وتندمج فى الهواتف الذكية أكثر ، وستهيمن المنصات مثل نتفليكس وغيرها .. على أنماط وعادات المشاهدة .