يوميات الاخبار

فين حبايب الدار ؟!

عاطف زيدان
عاطف زيدان

كانت الرحلة ممتعة ومريحة، فى كل أوقاتها. وكانت صحبة طيبة مع مسلمين فرنسيين متعطشين للدين، ويحرصون على أداء الفريضة بكل دقة

استيقظت مبكرًا، بعد ليلة عانيت فيها، من النوم المتقطع. فتحت الفيسبوك، الذى أصبح صفحة وفيات. وقعت عيناى على بوست ينعى وفاة أحد الأقارب والدفن بعد صلاة الظهر. لا مفر من السفر إلى قريتى الصغيرة، التى تبعد ٨٠ كيلومترا فقط، لكن المشوار يستغرق ساعتين أو أقل قليلًا، بسبب سوء حالة الطرق الداخلية فى الأرياف. أبلغت زوجتى التى أصرت على مرافقتى، فالمتوفى ابن عمى وزوج خالتها. وصلنا قرية كفر القلشى منوفية، التى احتشد أهلها للمشاركة فى أداء صلاة الجنازة. جموع غفيرة من قريتى والقرى المجاورة، ملأت السرادق الضخم، الذى أقيم على أرض فضاء، قريبة من منزل أسرتى. توجهت زوجتى إلى حيث تتواجد النساء. بينما انضممت أنا إلى صفوف المصلين، يتقدمنا نعش قريبى المتوفى. قرأت الفاتحة ودعوت له، وفور انتهاء صلاتى الظهر والجنازة. تقدم عدد من شباب العيلة لحمل النعش إلى المقابر، التى تبعد حوالى ٥٠٠ متر. تحركت الجموع، فى مشهد جنائزى مهيب، فى طريقها للمقابر. وجدت نفسى غير قادر على المسير بسبب آلام الظهر، وقال لى أحد الأقارب الذى كنت أتأبط ذراعه: خليك انت يا أستاذ، عذرك معاك، ممكن تنتظر فى منزل الوالدة. وافقته فورا، فكلمة منزل الوالدة، لامست شغاف قلبى. اتجهت إلى منزل أسرتى، الذى ارتبط بكل ركن فيه، واعتدت فى أى زيارة للقرية، لأداء واجب عزاء، أن أجد والدتى فى انتظارى، بمائدة عامرة، بكل ما لذ وطاب من خيرات البيت، البط البلدى المحمر فى السمن البلدى والأرز المعمر برائحة الزبدة والقشدة، وطاجن البامية باللحم الضانى. دفعت البوابة الحديدية، يغمرنى شوق غير محدود، لأحضان أمى. البوابة مغلقة، طرقت بشدة حتى يسمعنى من بالداخل. تسمرت فى مكانى، مفيش حد، استجمعت أفكارى، وتحركت بخطوات متثاقلة لأعبر الطريق إلى حيث أركن سيارتى، بجوار سور البيت المواجه للمنزل. أسندت ظهرى المتعب على السور، واتجهت أنظارى إلى البوابة الحديدية التى أراها لأول مرة فى حياتى، مغلقة بالضبة والمفتاح. تذكرت صورة أمى بابتسامتها الوضاءة، وهى تستعد لأخذى فى حضنها، قبل أن تملس بيدها الحانية على رأسى وتربت على كتفى. آه يا حبيبتى، كم أفتقدك؟ كم هى الدنيا موحشة منذ رحيلك، قبل ثلاث سنوات. أغلقت عينىّ على صورة أمى، رحمها الله، والدموع تنهمر على خدى، وصدى أغنية وديع الصافى، يهز كيانى.
راحوا فين حبايب الدار؟ فين؟ فين؟ قولى يا دار. لياليك كانت نور، يسبح فى ضيه بحور، صرخة صدى مهجور، مرسوم فى كل جدار. دارى الدمع يا عين، دارى دارى دارى. ما تزّوديش الغيم، فيه رب اسمه كريم. ساعة المحن ستّار. راحوا فين حبايب الدار؟ فين؟ فين؟ قولى يا دار.
فوج فرنسى
الأحد:
بمناسبة موسم الحج الأخير، الذى مازال محور حديث الناس، خاصة ما يتعلق منه بالمخالفين. تذكرت رحلتى الثانية للحج عام ٢٠١١. فقد تملكتنى رغبة جارفة لأداء فريضة الحج، قبل وقفة عرفات بأقل من أسبوعين. ماذا أفعل؟ والعين بصيرة والإيد قصيرة، أمام الأسعار المرتفعة والوقت القصير. وبينما أنا فى مكتبى بالدور الثامن بالمبنى الصحفى، وصل إلى مسامعى صوت زميلى وصديقى الكاتب الصحفى أسامة عجاج مدير تحرير الأخبار المسئول عن الشئون العربية بالجريدة، مارًا بالصدفة أمام مكتبى. خرجت مسرعًا وصافحته بقدر شوقى للحج، وأعربت له عن رغبتى، لثقتى أن الزميل العزيز، يتمتع بعلاقات وطيدة مع السفراء العرب ومنهم السفير السعودى. رد الزميل متسائلًا بلوم: ليه مقلتليش من بدرى؟! صمت قليلًا، ثم أخذنى من يدى إلى مكتبى. وطلب منى كتابة طلب إلى السفير السعودى. أخبرته على استحياء: أنا وزوجتى. رد: ماشى أنا حاحاول وربنا يسهل. عدت إلى منزلى، ولم أخبر زوجتى بما حدث. وما هى إلا بضع ساعات، حتى فوجئت باتصال زميلى العزيز فى المساء، يبلغنى بالخبر السعيد. كدت أطير من فرحتى، وظلت أردد بصوت عالٍ أغنية الست «دعانى لبيته لحد باب بيته، واما تجلى لى بالدمع ناجيته، مكة وفيها جبال النور، طلة على البيت المعمور».
أنهينا إجراءات السفر، ووصلنا مطار الملك عبد العزيز الدولى بجدة. كان فى استقبالنا ابن أختى عماد زيدان صاحب شركة للدعاية والإعلان هناك. اصطحبنا إلى مكة المكرمة، حيث السكن الذى طلبت أن يدبره لنا. قادنا إلى برج الساعة، وأشار إلى العامل بوضع حقائب كل منا فى غرفته بالفندق، الذى يبدو من موقعه واطلالته على ساحة الحرم، غالى الثمن. أخذت ابن أختى جانبا، وقلت له: يا ابنى أنا طلبت منك حجز شقة متوسطة، مش فندق ٥ نجوم. رد باسما: متقلقش يا خال. سألته: المطلوب كام؟ رد مبتسما: ولا مليم. قلت: ده حج يا عمدة، مينفعش تدفعلى حاجة. رد بهدوء أيضا: أنا مدفعتش حاجة، مدير الفندق صاحبى، لما استفسرت منه عن فندق بسعر معقول، وعرف أن الأمر يخص خالى وزوجته. قالى متحملش هم، أنا عندى فوج فرنسى حاجز دور كامل، وفيه سرير شاغر بجناح الرجال وآخر بجناح الستات، دى تساهيل ربنا يا خال. وهكذا أصبحت أتحرك وزوجتى، ضمن الفوج الفرنسى، الذى يضم حجاجا فرنسيين من أصول جزائرية وتونسية ومغربية ودول أفريقية أخرى، فى كل مراحل المناسك. والحق يقال، كانت الرحلة ممتعة ومريحة، فى كل أوقاتها. وكانت صحبة طيبة مع مسلمين فرنسيين متعطشين للدين، ويحرصون على أداء الفريضة بكل دقة وتلاوة القرآن كثيرا، فلا حديث إلا فى أمور مناسك الحج، وكانت اللغة الفرنسية طبعا، هى المسيطرة، خاصة فى خيام منى، وكان لوجود أحد الحجاج الجزائريين يتحدث العربية، دور فعال فى تفاعلى مع أعضاء الوفد، طوال فترة أداء المناسك، فعلا اللى ربنا عايزه بيناديه، ويسهل له الأمور، اللهم لك الحمد والشكر.
أجمل قصائد الحب
الخميس:
بينما كنت أبحث فى إحدى حقائبى القديمة عن مسودة ديوان، أعددته للنشر فى شبابى، وتراجعت بسبب سفرى للعمل بالخارج. وقعت يدى على كتاب قديم بعنوان  أجمل ٢٠ قصيدة حب» للإذاعى الكبير الراحل الشاعر فاروق شوشة صاحب برنامج لغتنا الجميلة، وظللت أتنقل بين صفحات الكتاب الممتع، الذى قرأته من قبل عدة مرات. ووقفت عند بعض الأبيات منها هذه الأبيات للشاعر الكبير أبو القاسم الشابى.
كلمـا أبصرتـك عينـاى تمشيـن بخـطـو مـوقــع كالنـشـيـد.
خفق القلب للحيـاة ورف الزهـر فـى حقـل عمـرى المـجـرود.
ومن أطلال الشاعر الكبير إبراهيم ناجى:
أنت روح فى سمائى، وأنا لك أعلو، فكأنى محضُ روح.
يا لها من قمم كنّا بها نتلاقى، وبسرّينا نبوحْ.
نستشف الغيبَ من أبراجها ونرى الناسَ ظلالًا فى السفوح.
ومن كلمات الشاعر محمود حسن هذه الأبيات:
فتعالى نغيب عن ضجة الدنيا ونمضى عن الوجود ونرحل
وإلى عشنا الجميل ففيه هزج للهوى وظل وسلسل ووفاء يكاد يسطع الدنيا بشرع إلى المحبين مرسل.
عاد للعش كل طير ولم يبق سوى طائر شريد مخبل.
أما أشعار مجنون ليلى قيس بن الملوح فاختار شوشة:
 أَرانى إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها بِوَجهى وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا.
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا.
 أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا.
 ومن أشعار أبو فراس الحمدانى:
 تسائلنى: « منْ أنتَ ؟ «، وهى عليمة ٌ، وَهَلْ بِفَتى ً مِثْلى عَلى حَالِهِ نُكرُ؟
فقلتُ، كما شاءتْ، وشاءَ لها الهوى: قَتِيلُكِ! قالَتْ: أيّهُمْ؟ فهُمُ كُثرُ
ومن أشعار الشريف الرضى:
أنتِ النّعيمُ لقَلبى وَالعَذابُ لَهُ فَمَا أمَرّكِ فى قَلْبى وَأحْلاكِ
عندى رسائل شوق لست أذكرها لولا الرقيب لقد بلغتها فاك
آخر كلام
الجمعة:
بينى وبينك كلمتان
قوليهما فى كل آن
«إنى أحبك».. أنت الأهل والعنوان