«ظلم سيلا 4» قصة قصيرة للكاتبة مونيا بنيو منيرة

الكاتبة مونيا بنيو منيرة
الكاتبة مونيا بنيو منيرة

 

  الحلقة الرابعة:

 

في مستشفى تتوفر فيه كل الرعاية والأمان لا يجرؤ حتى من يدّعي الفطنة والذكاء على الخروج أو الدخول دون إذن بعد مغيب الشمس.

 تدخل " سيلا " مع أعز وأقرب المخلوقات إلى قلبها في مواجهة مع بعض الحيوانات وحراس المستشفى بعد سماعها لبعض أصواتهم محاولين التصدي لكل ذلك الكم الهائل لتسيطر عليهم بحركاتها طالبةً منهم الرحيلَ لأن مصيرها ومصيرهم هنا مجهول إلى أن تخرج.

 

تلتفت " سيلا " إلى حيث الغابة مشيرةً لهم بيدها بالرحيل وتُمعن النظر بعينيها الحادتين ثم تضع يدها فوق رأس زعيمهم لينطلقوا وفجأة يصل " ليث " ليطلق بعض الرصاصات ببندقيته قائلاً: إنها مجرد حيوانات..

أجابت " سيلا “: أجل.. مجرد حيوانات

لكنها أفضل من الكثير من البشر

فأجاب "ليث": الحمد الله أنك استفقتِ ونطقتِ أخيراً

أشاحت بوجهها بعيداً عنه وفجأة تدخل الطبيبة التي قالت على الفور: الحمد الله أن أحد معارفها هنا أظنك ستزودنا بمعلومات تساعدنا في تشخيص حالتها؟! توجه كلامها للطبيب

فأجاب: نعم بالطبع سأفعل.

كانت الطبيبة في حالة غضب

كيف تصل إلى هذا القدر من الضياع واللامبالاة وإنها منهارة نفسياً وحالتها أشبه بالتوحد كأنها تعيش بعزلةٍ عن العالم

أجابها: وهل من علاج؟!

أجابته بكل تأكيد ولكن مع الكثير من الجهد والرعاية ولابد أن تشعر بالاهتمام.

وسألته: من تكون؟

  فأجابها: ما أنا إلا غريبٌ وجدتها في إحدى الغابات مع بعض الحيوانات.

وبعد تمعن بسيط من كلامها ومحاولة استدراجها في الكلام إلا أنها كانت تفضل الصمت فقررت الطبيبة المباشرة في علاجها إذ هي تعاني من حالة نفسية ولابد أن تساعدها كي تتخطاها وكان "ليث" قد خرج شارداً يفكر في حل يناسبه ويناسبها، الأمر الذي جعله يفكر في السفر والدته عساها تساعدها..

 

نظر "ليث" إلى " سيلا " مذهولاً من وجود دب صغير في حضنها وخبرتها بالحيوانات وهذا التعلق بها غير المسبوق والذي لم يسمع عنه رغم كل ما قرأه عن الحيوانات والصيد، ثم قال: كيف دخل هذا هنا؟

قالت: هو مجرد دب صغيرٍّ..

 

قال "ليث " ببرود أعصاب:

أعلم أن وجودك في الغابة طوال هذه السنين لم يكن لعباً بل أعطاكِ خبرةً عميقة اليوم ..

 

وفي الحقيقة كانت خبرة " سيلا " في الصيد وعالم الحيوان مكتسبةٌ من تعاليم والدها ووالدتها منذ سنين خلت وكل القرية تعلم هذا..

إلا أنهم يتعمدون التجاهل وطمس الحقيقة التي ستفضح حقيقتهم.

ومع حديث ليث مع سيلا دخل الدفء إلى أرواحهم التي يسكنها البرد وأضحى يتلاشى شيئاً فشيئاً ليؤنس كلاهما الآخر دون أن يلتفت أحدهما لما يحدث من حولهم ويُسمع اقتراب أصوات مختلطة

 وقفت أسود وذئاب مرة أخرى إنهم لا يبرحون المكان حتى يعودوا من جديد ...

 

كان الأمر يقلق ليث وكأنه كان يود أن يسحب الحيوانات من حياتها ليُنقذها من قدرها وهذا ما كان يريده في قرارة نفسه..

 

أوصل ليث " سيلا" إلى منزلها وأوصاها أن تبتعد عن الحيوانات لتتماثل إلى الشفاء..

كان "ليث" شاباً وسيماً جميل الروح وطيّب الخلق وقويّ القلب فلا يهاب الموت ولا يردعه رادع..، فكان حلماً لأكثر الفتيات اللائي عرفنه..

 

دخلت "سيلا “المنزل الضخم وأخذت تتفقده ثم وقفت قرب النافدة حيث رأت القرية وأهلها وبيتها الذي أصبح مهترئاً، لم تتمالك نفسها وأجهشت بالبكاء

وهي تقول: أعادني القدر لآخذ حقي..، كان قلبها يزدادُ حقداً يوماً بعد يوم على ما اقترفوه بحقها وكأنها تعلم بأن في الحقد قوّة ستسلبها جمالها الروحي الذي لا تريده أن يهزم..

أرعب ليث الحيوانات ببندقيته بعد ما أوصلها إلى منزله وطلب من والدته بأنها لا بد أن تحضر إلى القرية فهناك مفاجأة لها؛

فقد جاء بسيلا للمنزل عازماً على علاجها ومتعهداً وحامداً الله على هذه الصدفة التي عساها تكون خيراً ولكنه كان مدركاً في أعماقه بأن " سيلا " لن تكفّ عن حبها الجنوني للحيوانات إلا حين تخرج من حالتها..

 

عاد ليث وهو يقول في نفسه إذا لم أسيطر على تصرفاتها في أقرب وقت فإنني سأخسرها إلى الأبد..

إن تعاطفه ترك في نفسه الكثير من علامات الاستفهام، الأمر الذي جعله يستعجل مجيء والدته .

 

... يُتبع.