توجيهات رئاسية بتطوير ملفات الثقافة: مطالب المثقفين من الحكومة الجديدة

صورة موضوعية
صورة موضوعية

الثقافة كانت ولا تزال على رأس أولويات الجمهورية الجديدة، ففى التكليف الرئاسى للدكتور مصطفى مدبولى تبرز الثقافة بشكل واضح، حيث وجه الرئيس بتطوير ملفات الثقافة والوعى الوطنى، والخطاب الدينى المعتدل على النحو الذى يرسخ مفاهيم المواطنة والسلام المجتمعى وكذلك الاهتمام بالثقافة الجماهيرية.

من خلال هذا التحقيق قدم مجموعة من الكتّاب رؤيتهم للمشهد الثقافى العام، والصورة التى ينبغى أن تصبح عليها الثقافة المصرية خلال الفترة المقبلة.
 

الشاعر جمال بخيت يرى أنه من الظلم تقييم تجربة الثقافة المصرية بعد ثورة ثلاثين يونيو أو حتى ثورة يناير 2011 لأن كلا الثورتين ورثتا ميراثًا كبيرًا من التراجع الفكرى لمدة تقترب من الخمسين عامًا على حد تعبيره. يقول: لا يمكننى لوم الدولة المصرية لأن إصلاح هذه الأمور تحتاج لسنوات طويلة جدًا ولا ألقى باللوم أيضًا على وزراء الثقافة، فجميع وزراء الثقافة الذين تولوا المنصب بعد الثورتين أدوا دورهم، فقد ورثوا تركة كبيرة جدًا، وورثوا أزمات مستمرة تحتاج لعمليات طويلة ومعقدة من الإصلاحات.

فالثقافة بمفهومها الشامل تحتاج لجهد جميع الوزارات، لا أن يُلقى بالعبء الكامل على وزارة الثقافة، لأنه فى الأساس دور حكومى كامل؛ أى من المفترض أن تقوم به كل الوزارات.

ويضيف بخيت: رجل الشارع سواء كان طبيبًا، أو مهندسًا، أو عسكرى مرور جميعهم يحتاجون للثقافة لأن مواجهة الأفكار المتطرفة وبناء المواطن المصرى يحتاج لتضافر الجهود. أما بالنسبة للميزانية المحددة لوزارة الثقافة فيجب أن تتضاعف فقد دار حديث بينى وبين حلمى النمنم حين كان وزيرًا للثقافة وقال لى نصًا إن 90% من الميزانية المحددة للوزارة تذهب كمرتبات للعاملين بداخلها! فنحن نحتاج إلى أن تنقلب الصورة وأن تذهب نسبة الـ90% لدعم المبدعين وإقامة المعارض والأنشطة الثقافية المختلفة، لأن ذلك سيساعد فى بناء الوعى المصرى. 

 وقفة مع النفس

 من جهته قال الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى: أول ما تحتاجه الثقافة المصرية فى المرحلة القادمة هو أن نعرف ما هى طبيعتها فى اللحظة الراهنة؛ ويجب أن نقف مع أنفسنا ونقيم ما ننتجه فى ثقافتنا، وأن نعرف إلى أى حد استطاعت هذه الثقافة أن تصل إلى الجمهور، وإلى أى حد استطاعت أن تضيف إلى ما قدمته فى المراحل السابقة، وأن نجيب عن هذه الأسئلة: ما الذى قدمناه فى الشعر بعد شعراء الإحياء وشعراء أبولو، وحركة التجديد؟ وما الذى قدمناه فى الرواية بعد الدكتور هيكل، وتيمور، وطه حسين، ونجيب محفوظ؟ وما الذى قدمناه فى القصة القصيرة بعد يوسف إدريس والشارونى؟ وما الذى قدمناه فى المسرح بعد توفيق الحكيم، وشوقى، وصلاح عبد الصبور، وألفريد فرج؟ وما الذى قدمناه فى الأغنية المصرية؟ الأغنية التى كانت تُسمع فى أى مكان فى العالم، وكان المعجبون بأم كلثوم فى أمسياتها داخل أوروبا، لا يقلون عددًا عن جمهورها فى مصر. كذلك ما الذى قدمناه الآن فى الفن التشكيلى بعد ما قدمناه من قبل من إنجازات عظيمة؟ ما الذى قدمناه فى النقد الأدبى الآن؟ فالحركة الإبداعية لا تتقدم أو تزدهر إلا بوجود نقاد يقيمون ما نصنع، ويشيرون إلى ما يجب أن يكون. وهل استفادت الثقافة المصرية من إنشاء وزارة للثقافة أصلًا؟ 

ويضيف: الثقافة المصرية حتى أواخر الخمسينيات كانت تتقدم وتزدهر بالنهضة التى شهدناها خلال القرن الـ19 والنصف الأول من القرن الـ20. الآن وبعد أن أصبح لدينا وزارة للثقافة. هل استطاعت قصور الثقافة أن تصل لجماهير المصريين فى المدن والقرى، التى ظهرت فيها، والتى أنشأت داخلها هذه المؤسسات الثقافية؟ لذلك أرى أن دار الأوبرا القديمة والتى هدمت وتحول مكانها جراجًا للسيارات، هو أدق تعبير رمزى عما حدث للثقافة المصرية والحال الذى وصلت إليه خلال السنوات الماضية. 

ويؤكد حجازى أن الثقافة المصرية فى اللحظة الراهنة تحتاج للمراجعة والتقييم وأن نفكر فى الماضى لنستفيد من دروسه، ونفكر فى المستقبل لنتعرف على ما ينبغى القيام به. يقول: نحن لا نستطيع بغير ثقافة أن ننهض بمصر، لأن وجود مصر وكينونتها قائمة على الحضارة التى قدمتها فى العصور القديمة، فمصر هى أول بلد فى العالم قدمت الحضارة للبشرية. والآن مصر بماذا تفخر؟ فنحن لا نوجد بغير الثقافة، وبغير العقل، والفن، والحق، والخير، والجمال.
 
ثقافة المهرجانات

الناقد المسرحى جرجس شكرى طرح بدوره العديد من الأسئلة وقال: ماذا لو حاولنا وصف المسرح المصرى فى السنوات الأخيرة ولا أقصد فقط القراءة النقدية وتحليل مفردات العرض المسرحى، ولكن أيضًا السياسات المسرحية وأقصد كيف يتم إدارة مسرح الدولة بكل قطاعاته؟ وماذا ينتج كمًا وكيفًا، وعدد العروض التى ينتجها كل مسرح فى الموسم؟ وهل يعمل كل مسرح وفقًا لهويته أم يتم الإنتاج كيفما اُتفق. وماذا عن عدد المسارح مقابل ملايين المصريين.. هل فى تزايد أم تتناقص؟ وماذا عن عدد المهرجانات المسرحية؟ وهل يذهب الجمهور إلى المسرح بما يتناسب مع أعداد المصريين؟ يعلق: «رغم أنها أسئلة بديهية وضرورية أيضًا إلا أنها غائبة تمامًا». 

ويقول: الملاحظ فى السنوات الأخيرة أن العروض المسرحية ودور العرض فى تناقص وأعداد المهرجانات فى ازدياد وهى ظاهرة غير طبيعية، فماذا عن العروض المسرحية، وماذا تقدم، وهل ثمة علاقة بين تناقص المسارح والمسرحيات مقابل الاهتمام بالمهرجانات والرغبة فى تسييد هذه الظاهرة؟ ظنى أن هناك علاقة حتى وإن كانت غير متعمدة أو غير منظمة أدت إلى أن تكون العروض المسرحية القليلة عروضاً بعيدة عن الواقع وأسئلة اللحظة الراهنة، عروضاً لن يتفاعل معها الجمهور. فالمسرح يمكن وصفه الآن من خلال عدة نقاط أولا غياب شبه تام لمسرح القطاع الخاص أو ما نسميه المسرح التجارى بعد أن كان أحد الروافد المهمة للمسرح. ثانيًا تراجع ملحوظ للفرق المسرحية المستقلة بعد ازدهار كبير فى تسعينيات القرن الماضى ومطلع الألفية الثالثة.

ثالثًا غياب تيار المسرح الشعبى/ المصرى بعد هدم مسرح السامر بعروضه ورموزه، وحتى بعد إعادة بناء المسرح الذى جاء فى صورة مبنى تقليدى بعيدًا عن فكرة السامر المعنى والمبنى! أى أصبح مجرد فضاء مسرحى تقليدى لقصور الثقافة.

رابعًا تراجع دور المؤلف صاحب الرؤية/ الموضوع التى تؤدى إلى التنوع وتناقش قضايا اللحظة الراهنة من خلال التركيز على علاقة المسرح بالواقع. واستبدال المؤلف، بالإعداد والدراماتورج وقيام المخرج بالوظيفتين لتقدم أغلب العروض مجموعة من الاسكتشات التى تخلو من المسرح.

خامسًا:الاعتماد على الورش المسرحية فى الكتابة والتى اعتمدت بدورها على إعادة تدوير الواقع من خلال طرح مجموعة من الخواطر والمشاكل الشخصية فى عروض تطرح مجرد مشاكل عائلية وشخصية وحكايات متشابهة من حيث الشكل والمضمون فى صورة لوحات تخلو من الرؤية.

سادساً: إذا وضعنا عنوانًا للمسرح فى السنوات الأخيرة سيكون مسرح «الانتقاد الاجتماعى» الذى يجسد بعض أمراض المجتمع ويبكى على لبن الماضى المسكوب من عادات وتقاليد مثل: مشاكل الأسرة، العلاقات بين الأصدقاء، العلاقات الزوجية، المرأة المقهورة، التنمر، الظلم الاجتماعى، طرق التربية، علاقة الآباء بالأبناء. فضلًا عن غياب المسرح السياسى بكل أشكاله لصالح كوميديا النقد الاجتماعى. 

ويرى جرجس أنه إذا لم تراجع وزارة الثقافة الطريقة التى يُدار بها مسرح الدولة فى ظل غياب رؤية واضحة أدت إلى ضعف الإنتاج -كماً وكيفاً- سيصبح هذا المسرح مجرد ذكرى.
 
القوة الناعمة

الروائية وعضوة مجلس النواب ضحى عاصى قالت: إن الثقافة بعد 30 يونيو شهدت بعض الإيجابيات مثل: الاهتمام بالشباب، وتنفيذ أنشطة ثقافية خاصة بهم كمسرح التجوال، ومسابقة ابدأ حلمك، بجانب طرح فكرة العدالة الثقافية بشكل حقيقى، والرغبة فى نشر الثقافة داخل المحافظات المختلفة، ومحاولة الوصول بالثقاقة إلى الأماكن المهمشة والبعيدة التى افتقدت لسنوات طويلة للثقافة. 

وترى «عاصى» أن هناك العديد من المشكلات فرغم وجود خطاب رسمى يضع الثقافة على رأس أولويات الدولة، إلا أن ذلك لا ينعكس أبدًا على أرقام الموازنة العامة. فكيف نطالب الناس بالعمل على الثقافة وهم لا تتوافر لديهم الأموال والأدوات الكافية لتنفيذ الأفكار؟ هذه المشكلة تبدو كأنها تقليدية لكنها مشكلة حقيقية تؤثر على الثقافة إلى حد بعيد.

والثقافة على رأس استراتيجية مصر 2030، لكن ذلك لا ينعكس أبدًا على الميزانيات المخصصة. والزيادات التى يتم ضخها لميزانية الثقافة أحيانًا هى فى حقيقة الأمر لا تعكس حجم التضخم الموجود.

كما أن قرارات ترشيد النفقات تم استخدامها بشكل خاطئ من جانب البعض. لأن قرار رئيس مجلس الوزراء بالترشيد استثنى من خلاله جميع الأنشطة الرئيسية أو الأساسية للجهة صاحبة الأمر لكن ما يحدث أن الترشيد قد أضرَّ بالأنشطة الرئيسية الموجودة داخل وزارة الثقافة، فمثلًا تم تأجيل مؤتمر مهم يخص المشهد الثقافى المصرى والعربى، وهو مؤتمر الرواية، فهذا المؤتمر جزء من قوتنا الناعمة، لذلك فتأجيله غير مفهوم، لأننا بذلك نتنازل عن القوة الناعمة التى تميزنا لصالح قوى إقليمية أخرى فى المنطقة، كما أن الوزارة توقفت عن المشاركة فى بعض من معارض الكتاب الخارجية لتقليل النفقات، فهذه القرارات ستؤثر علينا بشكل واضح. 

وتضيف ضحى: تأثرت الثقافة المصرية بفصل الآثار عنها فقد كانت تدفع لصندوق التنمية الثقافية حوالى 10% من إيراداتها السنوية، وهو الأمر الذى انعكس على دعم الفرق الفنية المستقلة؛ لذلك توقفت الكثير من الفرق المستقلة نظرًا لعدم وجود الدعم المناسب، لذلك من الضرورى إعادة الدعم لتلك الفرق مرة أخرى.

كما أرى أن الثقافة ليست مسئولية الوزارة فقط، وإنما هناك دور يقع على المجتمع المدنى، الذى لابد أن تعطيه الدولة بعض المميزات والتسهيلات، إذا أراد تنفيذ نشاط ثقافى يخدم المجتمع. فقد تقدمت بطلب فى البرلمان منذ سنوات بإنشاء سجل ثقافى لعمل تسهيلات للجهات الراغبة فى ممارسة الثقافة، لأنه ليس من المنطقى أن تكون إجراءات إنشاء ورش إبداعية ثقافية، هى نفسها إجراءات تنفيذ الأنشطة التجارية. فالنشاط الثقافى يجب ألا يُعامل بمثل هذه الطريقة.
 
استعادة الثقافة

الكاتب شريف الشوباشى يقول: إن الثقافة خلال قرون تغيرت ملامحها إلى حد بعيد- سواء كانت الثقافة المصرية أو العالمية- فالمشكلة حاليًا أنه لم تعد هناك نجوم ثقافية لامعة؛ أى الكتاب الكبار من قادة الرأى. إذ نفتقد هؤلاء، فمنذ خمسين عامًا ظهرت نزعة داخل المجتمع المصرى أربكت الكثير من الحسابات مفادها أن قادة الرأى هم المشايخ فظهر الشيخ كشك، والشعراوى كقادة للرأى فى مصر والعالم الإسلامى بأكمله، وهذا جعل ثقافتنا تابعة لثقافة الخضوع التام لرجال الدين لا المثقفين، على عكس ثقافة رفاعة الطهطاوى، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، وسلامة موسى، وصناع النهضة الحقيقية داخل مصر؛ لذلك نحن نعيش حاليًا فترة إجهاض لهذه النهضة التى عشناها فى القرن الـ19 والقرن الـ20. 

ويضيف «الشوباشى»: المطلوب حاليًا إنقاذ الضمير المصرى، واستعادة ثقافتنا مرة أخرى، والوصول إلى كل مصرى فى كل مكان من خلال المسارح، وتوفير قاعات للسينما داخل الريف. يجب على الدولة أن تضع يدها مرة أخرى على صناعة السينما ومساندتها، بجانب تعزيز فكرة إقامة الندوات المستمرة داخل الريف المصرى. 
 
الاهتمام بصناعة السينما

الأديب يوسف القعيد يتفق فى الرأى مع الشوباشى حول ضرورة أن تصل الثقافة إلى القرية المصرية البسيطة. ويقول: أرى أن المناطق النائية لا تزال محرومة من الإنتاج الثقافى وإن كانت هناك بعض القرى المهمة التى وصلت إليها الثقافة بشكل محدود. لكنى أتمنى أن تصل إلى الريف المصرى تحديدًا من خلال ثورة ثقافية، ولابد أن يسبقها محو للأمية بشكل ممنهج؛ لذلك أناشد الدولة بتخصيص يوم للاحتفاء بمحو أمية آخر مواطن مصرى فى العام المقبل وتخصيص عيد سنوى لذلك. كما أتمنى الاهتمام بصناعة السينما لأنها من وجهة نظرى متعسرة. والاهتمام بصناعة المسرح الذى شهد نجاحات كبيرة مؤخرًا لكنه يحتاج لمزيد من العمل والجهد الدءوب. كما أرجو أن نرى وجوهاً جديدة فى العمل الثقافى المصرى وخصوصًا فى مجالات الثقافة الجماهيرية، والسينما، والمسرح، والفن التشكيلى. حتى يعود لمصر دورها الثقافى الذى كان موجودًا من قبل. 

أما عن ذكرياته مع ثورة ثلاثين يونيو وحراك المثقفين فيقول: يجب ألا ننسى شرارة الثورة والتى اندلعت فى مكتب وزير الثقافة الإخوانى، وانتقلت بعد ذلك إلى ميدان التحرير، ثم مصر الجديدة؛ لذلك ففكرة الثورة ونشأتها كانت ثقافية فى المقام الأول. فالتحرك الأول قام به المثقفون المصريون بعد أن ذاقوا المُرَّ من حكم الجماعة.

والرئيس قاد الثورة وقام بالتجربة الثالثة التى اعتبر بالمناسبة أنها امتداد لتجربة كلٍ من محمد علىّ فى القرن الـ19، ثم جمال عبد الناصر والسادات فى القرن الـ20. كل تجربة استفادت من التجارب السابقة وقد تواصلت هذه التجارب بصورة كبيرة مع الناس، وقد لمست بنفسى ابتداءً من قريتى فى محافظة البحيرة إيمان الناس بهذه الثورة.