احم احم !

محمود طعيمة.. سلامة ابتسامتك

هشام مبارك
هشام مبارك

شخصية «محمود» فريدة من نوعها، جاذبة لذاتها، قريبة من الجميع

فى الليلة الظلماء يُفتقد البدر، وفى الأيام الصعبة تُفتقد الوجوه صاحبة الابتسامة الهادئة، الذين يشيعون فى الناس حولهم كل معانى الود والوفاء. هؤلاء الذين تصالحوا مع أنفسهم ومع الدنيا وعرفوا مبكراً أنه لا شيء أفضل من السيرة الطيبة التى تبقى معك طيلة حياتك وبعد رحيلك عن الدنيا.

من هؤلاء الناس الزميل والصديق الجميل محمود طعيمة شفاه الله وعافاه وبارك فى عمره والذى لا أعتقد أن هناك زميلا فى دار أخبار اليوم وبالذات فى جريدة الأخبار لا يعرفه ،ليس لأنه كان أقرب الناس فى العمل من شخصية محورية فى دارنا الحبيبة وهو جلال دويدار رحمه الله أشهر رؤساء تحرير الأخبار، ولكن لأن شخصية محمود فريدة من نوعها، جاذبة لذاتها، قريبة من الجميع، يدخل قلبك من أول لقاء ليتحول إلى ولى حميم، لا أعتقد أن بينه وبين أى إنسان عرفه أى عداوة ،يلقى الناس بوجه طلق بشوش لم يضُبط يوما متلبساً بأى تكشيرة.

كان جلال دويدار شخصية قوية صعبة جدا فى العمل رغم طيبة قلبه. لذا كان الواحد منا يعمل ألف حساب لمقابلته خاصة لو كان هو الذى يطلبك لأمر ما. كانت أصعب اللحظات التى تمر علىّ عندما يطلبنى محمود طعيمة مدير مكتبه على التليفون الأرضى فى مكتبى قبل عصر الموبايلات، يأتينى صوت محمود ضاحكاً وهو يعرف نتيجة الكلمة التى ينطق بها الآن: انزل الأستاذ جلال عايزك. كنت فى الدور الثامن وكان مكتب رئيس التحرير فى السابع. أتدحرج حرفياً على درجات السلم وأنا فى حالة يرثى لها. يستقبلنى محمود بنفس الابتسامة، أحاول أن اعرف منه لماذا يريدنى الأستاذ جلال فيزداد وجهه تألقاً باعثاً بإشارات طمأنة أن عساه خيرا بإذن الله، هو بالتأكيد يعرف لماذا يستدعينى رئيس التحرير، يعرف ذلك بالطبع من الصيغة التى يطلب بها جلال دويدار منه ان يخبرنى بالمثول أمامه. وأظل احدث نفسى بصوت مسموع: هل مثلا فاتنى خبر من الأخبار وتم نشره فى الصحف المنافسة؟ كانت هذه اكبر جريمة يرتكبها صحفى فى الأخبار بالنسبة لشخصية جلال دويدار، الأفدح منها ان يكون هناك تكذيب من أحد المصادر لخبر.

لا يفصح محمود عن طبيعة ما ينتظرنى بالداخل عندما أمثل امام جلال دويدار الذى كانت تتلعثم أمامه الكلمات وتتبعثر الحروف، سواء كنت مقصراً تستحق أن تسمعلك كلمتين أو كان يريد تكليفك بموضوع او تحقيق ويحدد لك طريقة التغطية التى يريدها. أكاد أجزم أننى من الرهبة لم أكن اعرف ماذا كان يقول لى جلال دويدار بالظبط ولا طبيعة الموضوع الذى يكلفنى به، كان كل همى أن تنتهى المقابلة بأسرع ما يمكن حتى أسترد روحى من جديد. أخرج من عنده أتصبب عرقاً حتى فى عز الشتاء فيلقانى محمود بنفس الابتسامة ليهديء من روعى ويعطينى منديلاً امسح به العرق المتساقط. يضحك وهو يقول لى اهدأ حتى تنجز ما طلبه منك الأستاذ جلال فى أسرع وقت، أسأله: وهل تعرف ماذا يريد؟ فيبستم قائلاً: عندما تهدأ وتلتقط انفاسك ستتذكر ما طلبه منك.

توطدت صداقتى بمحمود طعيمة خاصة فى الأيام التى كان رئيس التحرير يسافر فيها للخارج. كنت اتنفس الصعداء متمنياً أن تطول فترة مهمة جلال دويدار بالخارج. لم تكن مكالمة محمود فى هذه الحالة تتسبب لى بأى نوع من الرعب حيث تكون فقط استدعاء لتناول الافطار سوياً وربما الغداء لو لزم الأمر حيث كنا نقضى معظم اليوم فى الجرنان. أضحك وأضع رجلاً على رجل عندما يستضيفنى محمود لأتناول الطعام مع بقية الزملاء فى نفس المكتب الذى لا أجرؤ أصلاً على الجلوس أمام صاحبه. حتى عندما فضل محمود الراحة من العمل رغم تمسك جلال دويدار به بعد مرور سنوات من بلوغه السن القانونية، لم تنقطع علاقتنا وكان يزورنا بين الحين والحين لنستعيد ذكريات أيام جميلة مضت، ولأن دوام الحال من المحال منع المرض صديقى محمود من زيارتنا فى الأخبار كما اعتدنا منه.

مليون سلامة يا صديقى الحبيب. أثق أنك بإذن الله ستشفى من مرضك وستقوم من رقدتك هذه لتعود ابتسامتك تملأ الدنيا، فما احوجنا لمثلها فى أيام عز فيها الابتسام خالص الدعاء لله عز وجل أن يمن عليك الله الشافى بشفاء لا يغادر سقماً اللهم آمين.