الأخبار تبحث عن الاسباب ثراء العلماء .. ممنوع!

بيولوجيا الأورام بمستشفى 57357
بيولوجيا الأورام بمستشفى 57357

رضوى الصالحي

قبل شهور، سأل المذيع الشهير عمرو أديب المطرب أحمد سعد سؤالا بسيطا عن شقيقه سامح سعد، رئيس وحدة بيولوجيا الأورام بمستشفى 57357، فاستهل حديثه بالقول بلهجة عامية، إنه الوحيد الذي اتخذ طريق الفقر، بأن أصبح باحثا، وواصل الحديث بنبرة ساخرة، مضيفا أن سيارته المتوضعة، دائما ما تتعطل، ويضطر للاستعانه به، كي "يقطرها" له.

يستطيع كل من استمع وقتها لحديث المطرب الشهير أن يدرك حجم المبالغات في حديثه، فحال الباحثين، وتحديدا شقيقه، ليس بهذه الدرجة من السوء، لكنه في نفس الوقت، ليس في أفضل حال، الأمر الذي قد يجعل الأجيال الجديدة تعزف عن المضي قدما في طريق العلم، مفضلين أن يصبحوا من مشاهير الرياضة والفن، وإن لم يمتلكوا موهبة هذين المجالين، فقد يجذبهم سحر الثراء السريع عبر "السوشيال ميديا".

وإذا كان العلم والفن والرياضة ، كلها أوجه حضارية تميز الإبداع البشري، كما قال سامح سعد نفسه، في حوار سابق مع الأخبار، فإن السؤال الذي فجره تعليق شقيقه وإن كان يحمل كثيرا من المبالغات هو : لماذا يصبح العاملون بالفن والرياضة من الأثرياء، بينما  يبدو "الثراء ممنوعا" على العاملين بالعلم؟

اقرأ أيضا«البحوث الزراعية» يطلق مبادرة لتفعيل دور المراكز الإرشادية في 9 محافظات

بدون مقدمات، يدخل د. محمد حسن  ثروت، أُسْتاذ الفيزياء والعلوم البصرية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية ، في صلب المشكلة، قائلا إن السبب الرئيسي في رأيه أنه " لا يوجد ربط حقيقى  بين البحث العلمي والصناعة".

وواصل حسن الذي عمل لفترة مع العالم المصري الراحل أحمد زويل، تشخيص المشكلة مضيفا: "لا يوجد عندنا تشجيع حقيقي للمشروعات الناشئة القائمة على مبتكرات علمية".

وحاول البحث عن سبب لذلك، فأرجع المسألة إلى  ثقافة عامة سائدة لدى المجتمع، وهي أن العالم يجب أن يكون من الزاهدين، وأن سمو العالم يجعله لا يبحث عن الكسب المادي، وهذا على عكس ما يحدث بالخارج، حيث أن لكل عالم كبير في مجاله شركة مبنية على تحويل أفكاره وابتكاراته العلمية إلى منتج يتم بيعه، وبالتالي يحقق استفادة مادية وعلمية.

دائرة البحث العلمي المغلقة

ولا يسير البحث العلمي في مصر على نفس المسار الذي حدده حسن، بسبب ما أسماه بدوي أنيس، الباحث فى معهد البحوث الفيزيقية بالمركز القومي للبحوث، بـ" سياسات البحث العلمي غير المشجعة على الربح المادي".

ويشير أنيس إلى أن الباحث يستغرق وقتًا طويلاً فى إعداد أبحاثه ودراسته، وهو ما يجعله لا يستطيع التركيز فى أكثر من عمل، لأنه مطالب بإنجاز أبحاث تتعلق بدرجات الترقية والحصول على بعثات تعليمية بالخارج، مما يستنزف وقته يوميا.

وفي المقابل، فإن نجوم الفن والغناء لهم الحرية والوقت فى إقامة الاستثمارات الخاصة، كما أشار إلى أن الفن مشروع مربح فى حد ذاته، لأن النفس الإنسانية تتوق بطبيعتها إلى الترفيه، والدليل على ذلك، إذا تتبعت فيديو منشور على اليوتيوب يقدم شرحا للفيزياء النووية، ستجد بأن عدد المشاهدات  حول العالم بالكاد يمكنك عدها على أصابعك، بعكس فيديو لفنان مشهور سوف تجد ملايين المشاهدات بمجرد طرحه فى الدقائق الأولى، وهو ما يتضح لنا بالتأكيد فى الفرق بين د. سامح سعد وشقيقه والفنان والمطرب أحمد سعد.

أما الدكتور محمد الحجرى، الباحث بمركز بحوث الصحراء بالمركز القومي للبحوث، فيشير إلى أن الروتين وانشغال الباحث فى محاولات إثبات نظرياته العلمية تستنزف كل وقته، لأنه بالكاد يكون مقسمًا ما بين الدراسات والأبحاث والتطبيق العملي لها، ومابين متابعة المؤتمرات والإشراف على الطلاب،  فالباحث يدور فى دائرة مغلقة لا يستطيع أن يخرج منها للبحث عن مورد رزق جديد فى إقامة مشروع أو غيره، وغير صحيح بأن الباحث العلمى هو زاهد فى متع الحياة، فهو إنسان قبل أن يكون باحثا علميا.

لا وقت متاحًا للثراء

ويشخص د. أيمن عبد الشافى، أستاذ الكيمياء غير العضوية والضوئية، ورئيس قسم الكيمياء السابق  بكلية العلوم جامعة عين شمس، المشكلة بأسباب يأتي في مقدمتها ضعف المرتبات ، وانشغال الباحثين الدائم بالأبحاث والدراسات، بالإضافة لمشاريع التخرج للطلاب، وهو ما يجعلهم غير قادرين على الخروج من بوتقة البحث العلمي إلى تنفيذ مشروعات مدرة للدخل.

 ويقول: " ليس لدينا وقت للبحث عن الثراء، على عكس نجوم الفن والغناء تلك القوة الناعمة التى تستطيع العمل فى عدة مجالات، فقد نرى مغنيا ولديه مشاريع إعلانية وعقارية وتجارية، وبالتالى،  فهو عكس حال الباحث العلمى، والذى يسعى لخدمة المجتمع أكثر من خدمة نفسه، والنتيجة أن الباحث بالكاد يلبى المتطلبات الأساسية له ولأسرته".