«ابن الذوات».. سليمان نجيب «وصية غريبة وغلطة العمر»

الفنان سليمان نجيب
الفنان سليمان نجيب

كتبت.. نجلاء إسماعيل 

الفنان سليمان نجيب «الجنتل مان ابن الذوات» عشق الفن واحترم التمثيل وهو رائد من رواد المسرح، ممثل يعيش على المسرح كما يعطي في الحياة لا يتكلف ولا يتصنع وإنما هو دائما سليمان نجيب المرح الضاحك العصبي، كانت هذه العصبية طابعه المميز ولكنها عصبية حلوة تثور بسبب وبغير سبب لتهدأ على الفور إنها عصبية الثائر على الأوضاع الفاسدة الساخر من كل شيء ومن كل انسان حتى نفسه.

اقرأ أيضًا | رئيس دار الأوبرا وقنصل مصر.. مناصب ضحى بها ‏سليمان نجيب من أجل الفن

كان سليمان نجيب يميل بطبيعته الإنسانية إلى تشجيع المواهب المتفتحة وكان لا يتأثر بإعجاب الجمهور، وكان حريصا على رفع مستوى فن التمثيل والعاملين في حفله وكانت الحفلات التي يشترك فيها تتصف بطابع التكامل واحترام الجمهور، استطاع أن يكون له شخصية مستقلة مميزة كفيلة بأن يتذكره الجمهور المتذوق للفن الأصيل دائما، لكنه رحل عن عالمنا وترك العديد من الأعمال الفنية الرائعة والمتميزة.

ونرصد أهم وأبرز محطات حياة الفنان سليمان نجيب 

غلطة العمر  

كان الفنان سليمان نجيب سكرتير الوزير «حسين درويش باشا وزير الأوقاف» في يوم كان جالس في مكتبه فدخل عليه رجلا كان فاكر أنه موظف لكن كان زائر من نوع غريب رجلا طويل القامة، أسود سواد الليل جسمه كله عارى يمسك في يده بحربة طويلة وتتدلى من أذنه ومن رأسه ومن رقبته حلى عجيبة من الزجاج والمعدن، ظن الفنان سليمان نجيب أنه في حلم لكن المارد الأسود العجيب مد يده بورقة كبيرة الحجم امتلأت إلى أخرها بالكتابة، وأمسك الفنان سليمان نجيب الورقة بيده ثم قرأها وصل إلى آخر سطر منها « وبناء على هذه الأسباب ألتمس صرف شئ من الأموال الخيرية». 

وألقى الفنان سليمان نجيب الورقة على مكتبه ونظر إلى المارد المخيف وقال له في سخرية "لكن هو اللي يطلب إحسان موش يطلب بأدب، هاج المارد الأسود وثار وبدأ يسب والد سليمان نجيب ووالد الوزير ووالد الوزارة نفسها بألفاظ بذيئة، وصعد الدم إلى وجه سليمان وصرخ بكل قوته بتشتمنى يا قليل الأدب، وأطلق المارد الأسود صرخة كبيرة وقفز في مكانه وهز الحربة الكبيرة اللامعة في يده وكان سليمان أسرع منه فنزل تحت المكتب، وهذه الصرخة وصلت إلى أذان السعادة والحجاب والحرس خارج المكتب فاندفع طابور منهم يقبض على المارد الأسود الثائر ويخرج به من المكتب ولما غادر المكتب ، سليمان نجيب عاد من تحت المكتب وجلس على مقعده".

وبعد دقائق جاء أحد الحجاب إلى سليمان نجيب وقال له أن سعادة وكيل الوزارة يريد أن يراك وأسرع سليمان نجيب إلى مقابلة وكيل الوزارة وقتئذ وكان محمد زغلول باشا وهو كابتن فريق كرة القدم المصري الأول وكان رجلا رياضيا طيبا يمثل بوجهه الشديد السمرة إلى حد السواد طيبة ووقار.

ودخل سليمان نجيب مكتب زغلول باشا وسأله ما هو سبب كل هذه الضجة، بدأ سليمان نجيب في قمة الحماسة يروي ما وقع قال له «حتة عبد تنتون» وعندما قال هذه العبارة توقفت الكلمات على فمه وهو يتأمل في وجه زغلول باشا الذي كان هو الآخر أسود اللون وطال صمت سليمان نجيب وفي صوت منخفض قال ماتأخذناش يا سعادة الباشا وكانت هذه هي غلطة العمر، ساد الصمت في المكتب فترة من الوقت ثم قطعه زغلول باشا وسأله ماذا صنع لك العبد التنتون ياسى «سليمان » قال له ما حدث بصوت منخفض وبعد انتهائه من الحديث وإذا بزغلول باشا ينهض من مكتبه ويخرج إلى المارد الأسود يأخذ منه خطابه ثم دخل على الوزير وخرج وقد حصل على تأشيرة بصرف عشرة جنيهات من أموال الخيرات تصرف في الحال.

ومرت الأيام وخرج حسين درويش باشا من الوزارة وحل محله احمد مدحت يكن بك ووجد زغلول باشا الفرصة ليمسح بسليمان البلاط، وفي صباح أحد الأيام وجد نفسه منقولا من منصب سكرتير الوزير إلى وظيفة كاتب قيودات قسم ثان أوقاف وأن مقر عمله سوق الخضار وعلى باب السوق جلس على مكتب حقير له ثلاث أرجل فقط أما الرجل الرابعة فتحل محلها مجموعة من الحجارة رصت بعضها فوق بعض لتقوم بهذه المهمة.

ولم يفتح فمه بكلمة احتجاج بل جلس في مكانه يعمل ويبدو أن تحمله لم يرق لزغلول باشا الذي عقد النية على أن يمسح بسليمان البلاط كما قال، ومرة أخرى وجد نفسه منقولا إلى قسم المدارس بوزارة الأوقاف يعمل صباحا ومساء، ثم سمع أن زغلول باشا كان يقول لناظر المدرسة اذا كان لديك مهمات في أماكن بعيدة فلا تنس أن ترسل سليمان نجيب، فصبر سليمان نجيب على هذا لكى يرحمه زغلول باشا ثم بعد ذلك ذهب سليمان نجيب إلى أحمد زيوار باشا يحكى له الأمر ويرجوه التوسط في حل هذه المشكلة، وتدخل أحمد زيوار باشا فنتقل سليمان نجيب من وزارة الأوقاف كلها، وقال له أحمد زيوار باشا تلك كانت أكبر غلطة في حياتك.. لو أنك واصلت كلامك دون أن تلفت نظره قائلا :«لامؤاخذة يا سعادة الباشا » لمر كل شئ بسلام ولكن على أى حال سوف تنفعك هذه الغلطة».

حياة سليمان نجيب 

الفنان سليمان نجيب زعيم مدرسة اولاد الذوات التمثيلية وقع في عشق التمثيل المسرحي منذ طفولته اثناء دراسته بالمدرسة التحضيرية وقدم فوق خشبة المسرح المدرسي العديد من المسرحيات وأيضا عندما التحق بالمدرسة الالهامية فعل ذلك وشجعه على ذلك وفاة والده مصطفى بك نجيب وهو دون العاشرة،

 وبعد حصوله على شهادة البكالوريا التحق بمدرسة الحقوق ثم بدأ يتردد على جمعية أنصار التمثيل ويشترك في الحفلات تقيمها،
وعندما قرر سليمان نجيب احتراف التمثيل بكت والدته واقامت سرادق عزاء أمام البيت على اعتبار أنه مات، ورغم انشغال الفنان سليمان نجيب بالتمثيل إلا أنه واظب على دراسة الحقوق حتى تخرج والتحق بالكثير من الوظائف منها سكرتير لوزير الأوقاف، وقنصل لمصر في تركيا، وأول مدير مصرى لدار الأوبرا،

شارك الفنان سليمان نجيب في الحياة المسرحية كممثل ومؤلف ومترجم للعديد من الروايات، كما شارك نجوم السينما في مجموعة من الأفلام الناجحة، ورغم بساطته وخفة دمه إلا أنه ظل بدون زواج طول حياته.

وصيته

عاش الفنان سليمان نجيب أعزب لم يتزوج وكانت وصيته.. أوصى بسيارته الخاصة لسائق السيارة الذي كان يعمل عنده، وبمعدات المطبخ لطباخه الخاص، وبمفروشات المنزل وملابس لخادمه الخاص الذي أمضى في خدمته ٢٥ عاما.

أعمال سليمان نجيب 

قدم الفنان سليمان نجيب العديد من الأعمال الفنية المميزة والرائعة ومنها 
المحتال،بنت الأكابر،بائعة الخبز، الذي ربي سامي،أنا ذنبي إيه، قطار الليل،يا حلاوةالحب، ظلمت روحي، عايزة أتجوز
ورد الغرام، الزوجة السابعة، الآنسة ماما،
إلهام، نادية، البيت الكبير، لهاليبو، غزل البنات، الآنسة حنفي.

وفاة الفنان سليمان نجيب 

توفي الفنان سليمان نجيب في يوم ١٨ يناير ١٩٥٥، وشيع جنازته كبار رجال الدولة والوزراء وعلى رأسهم القائمقام محمد أنور السادات والصاغ صلاح سالم ورثاء جميع الكتاب وقال على أمين « أن مصر كلها كانت تتقبل العزاء ».

المصدر مركز معلومات أخبار اليوم