كنوز| اللقاء الأول بين «صانع البهجة» والسادات في منزل الحجاوي

محمود السعدني مع أنور السادات
محمود السعدني مع أنور السادات

بدأت علاقة صانع البهجة الكاتب الكبير محمود السعدنى تسوء مع نظام الرئيس جمال عبد الناصر عند عودته من زيارة عمل فى سوريا قبل توقيع اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا، السعدنى عندما عاد للقاهرة كان يحمل رسالة مغلقة من أعضاء بالحزب الشيوعى السورى لتوصيلها للرئيس جمال عبد الناصر، ولم يكن السعدنى يعرف أن الرسالة تحتوى على تهديدٍ مبطن للرئيس عبد الناصر، وسلمها بحسن نية

كما يقول - لأنور لسادات فور وصوله للقاهرة، وبعدها تم إلقاء القبض عليه والتحقيق معه وتم سجنه لمدة عامين ! 

◄ محمود السعدني مع أنور السادات

واعُتقل السعدنى فى عهد الرئيس أنور السادات ضمن ما عُرف بثورة التصحيح، وتم محاكمته أمام محكمة الثورة التى أدانته وحكمت بسجنه! واليوم نعيد نشر المقال الذى يروى فيه محمود السعدنى كيف التقى لأول مرة بالبكباشى أنور السادات فى منزل الفنان زكريا الحجاوى قائلاً : 

« وقع بصرى على أنور السادات أول مرة فى نهاية الحرب العالمية الثانية، فى بيت الفنان الشعبى زكريا الحجاوى، كان زكريا يسكن فى الدور الثانى بمنزل صغير يطل على شارع سعد زغلول فى مواجهة ضريح سیدی أبو زيد بالجيزة، قدمنى الحجاوى إليه، كان شاباً فتياً أسمر اللون مفتول العضلات، يتحدث بطريقة مُميزة، وكأنه ممثل على خشبة مسرح.

◄ زكريا الحجاوي 

ثم اختفى أنور السادات واختفى زكريا الحجاوى أيضاً، وعلمت أن زكريا سافر إلى مسقط رأسه فى بحيرة المنزلة برفقة صديقه محمد على ماهر الذى كان يعمل كاتباً فى مستشفى قصر العينى، واشُتهر بعد ذلك من خلال برنامجه الشهير «من قصص القرآن».

وعرفت بعد ذلك بسنواتٍ أن زكريا الحجاوى لم يسافر إلى المنزلة مع محمد على ماهر فقط، ولكن سافر معهما أيضاً أنور السادات واختفى فى جزيرة معزولة داخل البحيرة هرباً من البوليس.

ورأيت أنور السادات بعد ذلك عدة مرات عندما كان يتردد على مجلس زكريا الحجاوى فى قهوة «شهريار» التى تقع فى مواجهة كوبرى عباس بالجيزة، وعندما انتقلت شلة الحجاوى إلى قهوة «كازينو» أسفل كوبرى عباس كان أنور السادات يأتى إليها أحياناً ومعه ضابط طيار يدعی حسن عزت، كان يقدمه للناس على أنه أستاذه فى الوطنية.

وكانت هذه الجلسات تضم: الكاتب بكر الشرقاوى، ورسام الكاريكاتير أحمد طوغان، واذكر أننى ذات يوم انتقدت طريقة السادات فى الجلوس والمشى والحديث وقلت ساخراً: «ده زى ما يكون شارب نشا»، واحتج أحمد طوغان على هذا الوصف قائلاً «اللى انت شايفه ده يا ابنی ح يبقى ملك مصر».

وقد سبق للعبد لله تسجيل هذه الواقعة فى الجزء الثانى من كتاب «الولد الشقى»، ثم جاءت ثورة 23 يوليو واستمعنا إلى بيان الثورة الأول بصوت أنور السادات، وتصورت أنا وطوغان أن السادات هو زعيم الثورة، وبعد تلاوة البيان تأكد لديّ - أنا وطوغان أن أنور السادات هو قائد الثورة، وفى آخر النهار قلت لـ «طوغان»: «لقد صحت نبوءتك، وصاحبك صار ملكاً على مصر»!

فى تلك الأيام كان الحجاوى يعمل موظفاً بمجلس بلدية الجيزة صباحاً، ويعمل محرراً بجريدة «المصرى» بعد الظهر، وصار الحجاوى يتحدث كثيراً عن أنور السادات عندما يجتمع بنا فى القهوة، وفهمنا من حديثه أنه يتردد كثيراً على بيت السادات فى الروضة، وبعد فترة عرفنا منه أن ثورة يوليو فى طريقها لإصدار جريدة يومية سيكون السادات مشرفاً عليها، وبالفعل صدرت جريدة «الجمهورية»..

وكان السادات رئيس مجلس إدارتها، وحسين فهمى رئيس تحريرها، واستقال زكريا الحجاوى من «المصرى»، ومن وظيفته الحكومية، وصار مديراً لتحريرها، ولم ألتحق بهذه الجريدة برغم من أن مدير تحريرها هو أستاذى وصدیقی زكریا الحجاوى، والسبب أننى كنت قد التحقت بجريدة «القاهرة» اليومية التى صدرت فى بداية الثورة برأس مال عربی.. وترأس تحريرها أحمد قاسم جودة، وأسعد داغر اللبنانى، وإبراهيم الشنطى الفلسطينى، وتعثرت هذه الجريدة بعد عام واحد وتحولت لجريدة مسائية، ولذلك تركتها وعملت محرراً بمجلة «التحرير» مع أحمد قاسم جودة، واضطررت إلى تركها عندما تولى رئاسة تحريرها محمد صبيح، وذهبت للعمل بجريدة «الجمهورية».

وأثناء عملى بجريدة «القاهرة» اليومية حدث لى مع أنور السادات موقف فريد للغاية، فبعد مرور ثلاثة أشهر فقط من التحضير لإصدار جريدة «الجمهورية»، أصدر أنور السادات قراراً مفاجئاً بفصل زكريا الحجاوى ! وبعد عدة أسابيع كلفنى الحجاوى بأن أفاتح أنور السادات فى أمره، حيث لم يعد له دخل بعد أن فقد وظيفته الحكومية، وكان السبب فى اختياره للعبد لله لمفاتحة السادات أن السادات عضو بمحكمة الثورة التى تحاكم زعماء الأحزاب المنحلة، وكان العبد لله مندوباً للجريدة فى المحكمة، وكنت التقى به يومياً فى فترات الاستراحة وبعد انتهاء الجلسات، ولأن العبد لله مدب ويخطئ فى أحيان كثيرة فى قياس المسافات بينه وبين البشر، فقد تصورت أن السادات هو نفسه الذى كان يجلس معنا على القهوة، ويناقشنا ويمزح معنا، ولم أدرك حجم التغيير الذى حدث لمصر، التغيير الذى جعله يوقع على قرار فصل الحجاوى وهو من أعز أصدقائه ! تقدمت من أنور السادات فى فترة الاستراحة وكان يقف مع أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة وآخرين، وبعد أن صافحنى بمودة قلت له: «زكريا الحجاوى يا أفندم». 

ولم أتفوه بكلمة واحدة بعد ذلك، فقد صرخ فى وجهى صرخة عنترية وهو يقول: «ما تتكلمش عن حد يا محمود.. خليك فى نفسك»!

محمود السعدنى «روز اليوسف» - 15 مايو 1995