تشجيعية الإعلام.. جائزة وسيلة أم محتوى؟

جمال الشاعر
جمال الشاعر

من بين 32 جائزة تشجيعية تمنحها الدولة سنويًا؛ حُجِبت هذا العام خمس جوائز، بواقع اثنتين فى الفنون وثلاثٍ فى العلوم الاقتصادية والقانونية، وحصل على الـ(27) جائزة المتبقية؛ أعمال إبداعية اقتصرت فى شكل منتجها – بخلاف بعض مجالات الفنون كالفيلم القصير والجدارية والجرافيك – على الكتب والأبحاث، عدا جائزة الإعلام» ضمن فروع العلوم الاجتماعية، التى يرأس لجنة فحصها د. جمال الشاعر، وتضم فى عضويتها كل من: أنس الوجود رضوان، د. إيهاب عبد الحميد، د. حسين يسرى أمين، ود. هالة أبو علم.

تقدَّم لنيل الجائزة ثمانية متسابقين عن كتب وأبحاث، تم رفضها جميعًا لأنها لا ترقى للمستوى، وبناء عليه؛ استخدمت اللجنة حقها الذى تكفله المادة (9) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون 37 لسنة 1958 بإدخال عمل ترى أنه جدير بنيل الجائزة، وتم ترشيح (32 حلقة يوتيوب) يقدِّمها د. محمد شرف، الحاصل على درجة الدكتوراه فى الكيمياء الحيوية؛ تحت عنوان «شرفشتاين» تتناول موضوعات علمية من أمثلتها: الساعة الذرية، قياس الزمن، المعادلة الموجية، الهبوط على القمر، صراع الصواريخ والأقمار الصناعية، قفزات الإلكترون، الوجه الآخر للعباقرة، إشعاع الجسم الأسود... وغيرها.

وقد جاء فى مبررات منحه الجائزة، أن الحلقات تنسج الحقائق العلمية بطريقة مبسطة للعلوم والاختراعات والاكتشافات العلمية، وتشجِّع الأعمال الإبداعية الطموحة والمجددة والمستقبلية، وتستخدم الوسائط والبيانات التوضيحية بشكل مبهر، وتنطبق على المنصة شروط الإبداع والبراعة فى صناعة المحتوى الإعلامى الرقمى الذى يمثل روح المستقبل، كما حققت الحلقات تفاعلات ومشاهدات غير مسبوقة فى مجال تبسيط العلوم وتستهدف الأجيال الجديدة الناشئة وتسعى إلى تقديم النظريات العلمية والابتكارات والاختراعات بأسلوب سهل وبسيط وجذاب.

تلك الخطوة تحمل قدرًا كبيرًا من الجرأة، وتنم بوضوح عن رغبة اللجنة فى كسر القواعد الجامدة لمواكبة التطور التكنولوجى والأشكال الحديثة فى عرض المضامين، ولكنها فى الوقت ذاته؛ تطرح العديد من التساؤلات، وتفرض علينا التوقف قليلًا لالتقاط الأنفاس والتفكير، قبل مواصلة طريق التحديث. فلأول مرة تُمنَح الجائزة لعمل تم إنتاجه بوسيلة غير الكتاب، وهو – طبقًا للائحة الجائزة الفضفاضة – لا مشكلة فيه، ولكنها لأول مرة – كذلك – تُمنَح لعمل لا يتناول فن أو علم الإعلام فى محتواه، وإنما حلقات علمية موضوعها الرئيسى «الفيزياء»، وهو محتوى متخصص، ربما تكون لجنة أخرى كالثقافة العلمية؛ أكثر قدرة على تقييمه ومنحه الجائزة إن قررت هى أيضًا تطوير الوسيلة.

الأمر الآخر؛ أن ذلك يوسِّع المجال بدرجة كبيرة جدًا، ربما لا تستطيع لجنة مكوَّنة من خمسة أشخاص فحصها بشكل دقيق، إذ أتاحت التنافس لكل من يصنع محتوى إعلامى؛ مكتوبًا أو مسموعًا أو مرئيًا، على أى منصة؛ تقليدية أو حديثة، وفى أى تخصص؛ علوم أو رياضة أو تاريخ.. إلخ. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤالٌ حول مبررات الترشيح، التى جاء من ضمنها «تحقيق مشاهدات وتفاعلات غير مسبوقة». أليس هناك من هو أكثر شهرة وتحقيقًا للمشاهدات والتفاعلات، والاستخدام المُبهِر لتقنيات الإعلام فى الإخراج والتصوير والمونتاج والإعداد والبحث والتقديم؟ فما هى معايير الاختيار؟ خاصة وأن اللجنة لجأت للاختيار العام وليس من بين مرشحين تقدموا إليها.

أمر الترشيح كذلك يطرح سؤالًا حول مدى تكافؤ الفرص، فلا شك أن عدد المتقدمين كان سيصبح كبيرًا ومتنوعًا لو أن إعلان فتح باب التقديم للجائزة تضمَّن توضيحًا يفيد إمكانية تنافس المحتوى الإعلامى، وهو ما كان يستلزم بالتبعية تطويرًا فى آلية التقديم نفسها، وتوضيحًا لكيفية تسليم الأعمال، خاصة وإن كانت روابط مشاهدة عبر «اليوتيوب» أو استماع عبر منصة أخرى؟ 

كل تلك التساؤلات حملتها للإعلامى جمال الشاعر، بصفته رئيسًا للجنة الفحص، فقال: «تم التوافق فى المجلس الأعلى للثقافة على أن الجائزة فى الأساس تُمنَح للإبداع وليس الجهد الأكاديمى أو الأبحاث العلمية، فقد كان المسمى قديمًا (المجلس الأعلى للآداب والفنون) دقيقًا وواضحًا، ومحرِّضًا على الإبداع.



إلى جانب ضرورة البحث دائمًا عن القيمة المضافة والابتكار، لأن معظم الأعمال التى تقدمت كانت مجتزئة من أوراق بحثية لنيل الماجستير أو الدكتوراه، وتلك لا تصلح إلا فى حالة وحيدة، وهى أن يتم العمل عليها إبداعيًا لتدخل فى مجال سيسيولوجيا المعرفة، فيصبح العلم متاحًا كمعرفة للمجتمع، أى ثقافة جماهيرية مؤثرة فى المجال العام وليس الأكاديمى فقط». 

البحث عن عمل إبداعى يمكن الانحياز له وتقديمه كنموذج إعلامى يُحتذى به؛ كان هو الهدف الذى سعى وراءه أعضاء لجنة الفحص، ومن هنا كان اختيارهم للدكتور محمد شرف، يوضح الشاعر: «نحن نعيش فى موجة ثالثة من التطور، أساسها التكنولوجيا والانفجار المعرفى، يتعيَّن على الإعلام أن يكون مواكبًا لها، ولذلك رحنا نبحث عن تجارب صحفية وإعلامية مثيرة أو مشاريع فكرية ثقافية وإبداعية، تتضمن استخدامًا للرقمنة وتهدف إلى خدمة المجتمع، فتوافق أعضاء اللجنة على الترشيح فى مجال الإعلام العلمى، وانحازت الأصوات لتجربة د. محمد شرف المدهِشة، لأنه يبسِّط العلوم مستخدمًا تقنيات إعلامية جيدة، فجمع بين عناصر الجذب والقيمة العلمية، وهذا للأسف نفتقده فى المجال الإعلامى».

وعن تداخل مجالات التنافس بين فروع الجائزة، يقول جمال الشاعر: «التطوير فى جائزة الإعلام يشمل الوسيلة والمحتوى، فقد حان الوقت لأن يتخلى الإعلام عن نموذج الاستهلاك والتسطيح، أو نظام التفاهة كما أسماه آلان دونو، وفى الوقت نفسه؛ تجاوُز التقسيمات التقليدية والجامدة للوسائل الإعلامية، فتجاهل الثورة الرقمية معاداة للمستقبل وتعسُّف.

الأصل فى صناعة المحتوى الإعلامى أن يكون قادرًا على التأثير فى الرأى العام، ولذلك كان هناك طرح لأكثر من عمل، من بينها مثلًا برنامج «العباقرة» للإعلامى عصام يوسف، لكن شرط السن حال دون ذلك. بالإضافة إلى أن المرشح للجائزة، حتى وإن كان أعضاء اللجنة لهم حق ترشيحه؛ لابد أن تكون هناك وسيلة للتواصل معه والحصول على موافقته».

بهذا المنطق؛ يمكن القول إن جائزة الدولة التشجيعية فى الإعلام تحولَّت من المنح لعمل  فكرى أو إنتاج بحثى عن علم وفن الإعلام، إلى صناعة محتوى إعلامى، وهو ما يعنى أن المرحلة القادمة تتطلب إجراء تغيير جوهرى فى التعامل مع الجائزة، بدءًا من تحديد مجالات التنافس والإعلان عنها، وحتى استلام الأعمال المتقدمة والتحكيم فيها، ليصبح الأمر أكثر انضباطًا ويضمن تحقيق فرص تنافس متكافئة، يجد فيها كل من يبدع مكانًا له. وهو ما يؤكده جمال الشاعر كذلك، قائلًا: «لا بد من التعريف بالجائزة على المستوى الإعلامى بشكل أكبر، وهذا دوركم ودورنا.

ومن جهتى؛ سأراجع المسؤولين فى المجلس بحيث يشير الإعلان إلى أن الجائزة تستقبل المحتوى الإعلامى الجديد والمبتكر. لكننى، فى كل الأحوال؛ متفائل بأن ما حدث هذا العام فى الجائزة سيتفتح المجال أمام المنافسة، ويؤدى إلى صناعة محتوى إعلامى متميز فى مجالات مختلفة».