الفائزون بالتشجيعية في الآداب يروون تجربتهم

صورة تعبيرية ل «الكيلانى وعزمى خلال إعلان اسماء الفائزين
صورة تعبيرية ل «الكيلانى وعزمى خلال إعلان اسماء الفائزين

يرشح أعضاء لجان الفحص بالمجلس الأعلى للثقافة كل عام؛ عددًا من الشباب دون سن الأربعين، للحصول على جوائز الدولة التشجيعية، كل منهم عن واحد من مشروعاته، الفنية أو الأدبية أو البحثية، لكنه غالبًا يكون إحدى لبنات مشروع أو رؤية متكاملة يعمل فى إطارها، وهو ما سعينا لمعرفة المزيد عنه لدى الفائزين بجوائز الآداب.





مارك أمجد: أتتبع رحلة «الفرد» فى رواياتى

 يقوم مشروعى على رحلة الفرد، قد تكون لإنقاذ الوطن في حالة حسن باشا الإسكندرانى في «القبودان»، أو الخروج من سجن الطفولة ومواجهة ماضي الأهل وأخطائهم كما يحدث مع بطل «البطريركية»، أو التحايل للاستقرار في بيت أوروبى مترف هادئ مثلما تفعل شخصية روايتى الأخيرة «الوصفة الفرنساوية للفوز بماما».


والحقيقة أن هذه الرحلة بقدر ما تكون مؤرقة لى طوال عملية البحث الروائى بقدر ما تكشف لى دروبًا جديدة ليس من الشرط أن أكون عشتها في حياتى الواقعية، وإذا عشتها فبالكتابة عنها أوسّع أُفقها وأبعادها فلا تصير مجرد تجربة شخصية وإنما حالة للتمحيص والتأمل، وهو ما ينعكس على وعى الكاتب فيما بعد مما يُقوّم خُطاه فى أعمال تالية مهما اختلفت مواضيعها.

عملى الروائى القادم يندرج تحت نفس المشروع، ورحلة البطل هذه المرة كلاعب فنون قتالية تقوده من طبقته الشعبية البسيطة التى خرج منها لنور الطبقات العليا الشاهق الذى قد يُربِك ويغيّر في تركيبة شاب محافظ يتعرّف على ملذات الحياة بعدما عاشها تحت الأرض.

جائزة الرواية


فاطمة الشريف: الإنسان قضيتى والكتابة انتصارى الوحيد

يتلخص مشروعى الأدبى في كلمة واحدة، وهى «الإنسان» بكل ما تعنيه الكلمة من شعور إنسانى ونفسى وجسدى ومعنوى وفكرى، من الحزن والقلق والفقد والألم والاضطرابات التي يعانيها طيلة حياته. أريد أن يكون هذا الإنسان في الصدارة، أن يشعر به الآخر ويقدِّر ما يعانيه. الإنسان هو قضيتى، وحريته وتهميشه، فعلى كافة الاختلافات سيظل إنسان، لا يستطيع أن ينفصل عن الآخر، لأن انفصاله بمثابة موته.

وفي المرحلة القادمة سأكمل مشروعي في كتابة القصة القصيرة، التى أنتصر لها دائمًا، وإن كنت أكتب ألوان مختلفة من السرد والشعر النثرى وهكذا، فالكتابة هي انتصاري الوحيد في الحياة.
جائزة القصة القصيرة



ريم أحمدإشارات جدتى منحتنى اعتراف الدولة بموهبتى

استغرقتُ فى ديوانى الفائز بالجائزة «روايح زين» أربع سنوات، وهى المدة الفاصلة بينه وبين ديوانى الأول، وفيه قسمت القصائد إلى أربعة أبواب على هيئة «روايح» أو علامات أو إشارات على الطريق تدلني. تلك الإشارات ترسلها لى جدتى رحمة الله عليها.

فى سنة 2020 فاز ديوانى الأول «فض ذات» بجائزة أحمد فؤاد نجم، لكن حصولى على جائزة الدولة التشجيعية بمثابة اعتراف من الدولة نفسها بالموهبة، ولذلك لا يسعنى التعبير عن مدى امتناني. 

لا أرى بوضوح ملامح مشروعاتى الشعرية القادمة، لم تتشكل أو تظهر معالمها، لكنى على ثقة أنها ستُكتَب يومًا ما. 

جائزة شعر العامية




محمد عرب صالحتنتمى تجربتى إلى عالم القرية

تقدمتُ للجائزة فى اليوم الأخير، لأنى أردتُ لديوانى الثانى الصادر قبل أكثر من عامين أن يحصل على فرصته الأخيرة فى التقديم، على الرغم من أننى أصدرت بعده ديوانين آخرين. وقد كانت سعادتى كبيرة بها لأنها الجائزة الأولى لى من بلدى مصر، بعدما حصلت على جائزة البابطين عام 2017، ثم جائزة الشارقة عن الديوان الأول عام 2018، ثم جائزة راشد بن حمد الشرقى عام 2020 عن مجموعة شعرية بعنوان «رُبًى لمْ تطأها الخيول..». 

أهم ما تمنحه الجائزة للكاتب هو وضعه فى محل المسؤولية تجاه القارئ وتجاه منتجه الأدبى نفسه، وبالتالى لا مناص من التفرغ لمشروعه الكتابي؛ فأغلب التجارب تتشكل على سياق الشكل مبدئيًا ثم بالتدريج يصل الكاتب بالنظر إلى المشروع نظرة كلية، هادفة إلى تكوين رؤية ومشروع كتابى إنسانى فى المقام الأول متجاوزًا فكرة الشكل تمامًا. 

تنتمى تجربتى الشعرية إلى عالم القرية التى تمثل نموذجًا مشتركًا على امتداد الريف المصرى إلا أنها تميزت بموقعها عن جيرانها، فلا هى على ضفاف النيل كأغلب القرى المجاورة، ولا هى ضاربة فى عمق الصحراء، هى بين بين، كذلك بها كثير من النخيل ومزارع العنب التى عملت فيها وأنا فى سن صغيرة، والمكان فى القصيدة هو السماء لطائرٍ مغترب، هو قاعة المشاهدة فى السينما، وحوض الأزهار للفراشات والنحل، والبئر العذبة لقافلة ضلت طريقها فى الصحراء، والحقيقة أن مشروعى الكتابى إن جازت لى هذه التسمية، فخصوصيته التى أسعى إليها تكمن فى تداخل تقنيات الفنون الأخرى فى إنتاج القصيدة، وإذا كان المسرح أو الرواية أو السينما أو الرسم، فالمكان جزء من تكوينها وبفقدانه تفقد هذه الفنون سطوتها ومزيتها الأساس، فالمكان إذن هو القصيدة.

والكتابة عندى تُسمى قراءة مغايرة للأشياء سواء كانت مادية أو معنوية أو حدث مُعاش، ولا أدرى هل كل الشعراء فى أرق دائم، وشرود لا رجعة منه! لا أظن أن الكاتب الحقيقى ليس على هذه الحال، إنه الانحياز التام للمهمش والعادى واللامرئى واليومي، إنه الوحيد الذى يستطيع أن يتقمص شجرة تقف على قدم واحدة فى مهب الريح لا طائر يستأنس بها فى الخريف، ولا فأس تنهى معاناتها مع الوحدة والهجر.

يعتمد النص الشعرى عندى على المؤنث بوصفه المعادل الموضوعى لكل تفاصيل الحياة فى القصيدة، فعندما تستنطق الأشياء وتؤنسنها على التأنيث فأنت أمام امرأة من لحم ودم، هذا عن أثرها فى منح الحياة للجماد داخل القصيدة، فماذا تكون إذن خارج القصيدة، هى الماضى بتجاربه وذكرياته الصغيرة، والحاضر بتفصيلاتها التى تمنحك القدرة على مواصلة الحياة، والمستقبل بوصفها العين الثالثة التى تريك الغد مفعمًا بالأمل وغارقًا فى المحبة والسلام. وتجربتى بدءًا من «وقالت جدتى الصحراء» مرورًا بـ «دائرة حمراء حول رأسي..» ومن بعده ديوان «وترٌ خامسٌ للكمان» ثم الديوان الأحدث «مركبٌ ورقى يحرسُ النهر» تحتل المرأة فيها الجزء الأكبر بين كل مكونات التجربة، بل هى الطاقة الكبرى التى خرجت بها تلك النصوص من طور العدم إلى أن وضعته على شفاه القارئ نابضًا بالحياة.

جائزة شعر الفصحى.



هشام زغلولالترجمة ليست ترفًا معرفيًا

حين طالعت كتاب «النقد الثقافى: النظرية الأدبية وما بعد البنيوية» لفنسنت ليتش، كنت بهذا الصنيع ألبى حاجة بحثية لى إبان إعداد أطروحتى للدكتوراه عن نقد النقد الثقافي؛ بوصفه أحد أهم الأصول العمد التى يتعيَّن عليى مراجعتها للإلمام بالمرجعية الغربية للنقد الثقافى. ولما وقفت على البون الشاسع بين ما يقوله «ليتش» وما ينسبه إليه كثيرون، تعجَّبت آنذاك كيف أن كتابًا بهذه القيمة لم يترجَم بعد؟! وعلى الفور تقدَّمت بمقترح ترجمته للمركز القومى للترجمة عام 2016، ثم عكفت على ترجمته وتنقيحه زهاء عام، شملنى فيه أستاذى العزيز جابر عصفور (رحمه الله) بكثير من الدعم والتشجيع، وكم وددت لو شاركنى فرحة صدوره، لكن شاءت الأقدار ألا يصدر إلا بعد وفاته ببضعة أشهر.

حين صدر الكتاب عن المركز فى سبتمبر 2022 أسعدنى – بقدر ما استوقفنى أيضًا – أن يتصدَّر كتاب متخصص فى صلب النظرية النقدية المعاصرة قائمة الأكثر مبيعًا لعام 2022، وأن ينفد فى غضون تلك الأشهر القليلة؛ فالمألوف أن الروايات المترجمة وكتب التنمية البشرية هى الأوفر حظًّا فى هذا الشأن. حينها تعمقت فى نفسى مسألة مهمة ومؤشر دالّ جدًّا؛ مؤداهما أن فعل الترجمة ليس ترفًا معرفيًّا؛ بل هو مسؤولية كبيرة، كما أن مقياس التلقى مرتهن بقيمة العمل الذى نتوفر على ترجمته، وما يلبيه من حاجة معرفية حقيقية وماسة لمترجمه ابتداءً، وما يضيفه لتخصصه الدقيق وللمكتبة العربية بالتبعية.

أقول هذا لأشير إلى أننى – منذ أمد – قطعتُ على نفسى عهدًا ألا أتوفر على ترجمة كتاب إلا من منطلق هذه المسؤولية، وإشباعًا لتلك الحاجة المعرفية الماسّة، التى إن لبَّاها لديّ قطعًا سيلبيها لدى كثيرين غيرى من الباحثين الذين يشاركوننى الأرق المعرفى نفسه. ولذا فإننى حين يستهوينى كتاب لا أنشغل بإجراءات نشره قبل أن أشبع نهمى المعرفى منه ابتداء. وربما تسبَّبت عادتى تلك فى تراكم كتبى المترجمة التى تنتظر دورها فى النشر منذ ما قبل الدكتوراه وحتى الآن. ولا يزعجنى هذا إطلاقًا؛ لأننى لم أترجم أيًّا منها ابتداء إلا لإشباع فضول بحثى ونهم معرفى بالمقام الأول، أما النشر فتلك مرحلة تالية، المهم أن يتاح للقارئ العربى ما هو بحاجة إليه، وأن يخرج للنور ما هو حقيق بذلك، وإلا فلا.

وأعترف أن رغبة ملحّة وشعورًا عارمًا بالمسؤولية يتملكاننى الآن حيال كتاب بديع أزعم أنه عظيم الأهمية، كنت قد اقتنيته فور صدوره فى يناير 2019 وترجمته حينها بشغف بالغ وإعجاب شديد بموضوعه، فهو الكتاب الوحيد – فيما طالعت – الذى يُفرد بكامله لمعالجته، كما أنه ضارب بجذوره فى عمق النظرية النقدية. ولعله أكثر ما أنا مشغول به الآن من بين ما أصطفيه من ترجمات أنجزها منذ عدة سنوات، على أمل أن أنشرها تباعًا، ثم سرعان ما أنشغل عنها بغيرها. وينتابنى قدر من تأنيب الضمير على تأخرى كثيرًا فى نشرها، فقد أفدت منها جميعًا – فى عملى الأكاديمى وانشغالى البحثى – أيما إفادة، لكنها لم تر النور بعد، وتأخُّرها أكثر من هذا ضرب من الأنانية؛ فكأنى بها أهمس قائلًا: «يكفى من القلادة ما أحاط بالعنق!».
جائزة الترجمة



مارك مجدى: تسعى ترجماتى إلى «تجديد الفكر النقدى»​​​​​​​
منحتنى الجائزة التشجيعية دفعة معنوية جادة فى اتجاه ترجمة الأعمال الفكرية التى تحفز التفكير النقدى وتبنى الرؤى المنهجية لقضايا عصرنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، فكتاب «لويس ألتوسير» الحاصل على الجائزة هو بالأساس كتاب فى الفكر الماركسي، حيث يمثل ألتوسير محطة مهمة فى تطور المنظور الماركسى للعالم، وعبر كتاباته التى يعرضها الكتاب بكفاءة يتمكن القارئ من أن يتحصل على شرح يسير لأفكاره الأساسية فى مشروعه الكبير لإعادة قراءة ماركس، التى تمخض عنها منهج مميز فى النقد الأدبى والثقافي، يتجاوز الواقعية التقليدية التى انعكست فى الكتابات النقدية السوفيتية، أو فى كتابات جورجى لوكاتش فى النقد الأدبى. 

وقد قمت بترجمة هذا العمل كمُفتتح لسلسة من أعمال مترجمة أخرى، لحق منها كتاب «ألتوسير» ترجمة لكتاب آخر وهو «ماركس والحرية» لتيرى أيجلتون، وستستمر بقية الأعمال فى هذا السياق.

وإذا أمكن اعتبار أن لديّ مشروعًا خاصًا بالترجمة بناء على ذلك، فسيكون تحت عنوان «تجديد الفكر النقدي» وفى القلب منه، وبمشاركة مركزية، هو الفكر الماركسي. فالماركسية بصفتها منظومة فكرية ممنهجة، كما أرى، هى القادرة على إعادة إحياء جزء كبير من الحركة الثقافية والسياسية فى الحالة المصرية. فلقد لعب الفكر الماركسى دورًا هامًا فى بناء وعى المثقفين والمبدعين فى العالم الثالث عمومًا كمدرسة للفكر التحررى فى لحظة من اللحظات، وأعتقد مع آخرين أنه قادر على لعب هذا الدور مرةً أخرى فى ظل أوضاعنا التاريخية الجديدة اليوم.
جائزة الترجمة



د. محمد حسانين إمام«القصة القصيرة» هى خطوتى القادمة
مرت مسيرتى العلمية فى النقد الأدبى بمراحل عدة، أولها رسالتى للماجستير والدكتوراه، بإشراف أستاذى الحبيبين؛ الأستاذ الدكتور عبد الجواد شعبان الفحام، والأستاذ الدكتور أحمد محمد الليثى، اللذين بذلا معى نصحًا وتوجيهًا وخلقًا لا أنساه؛ فالأستاذ هو الداعم الحقيقى الأول لتلميذه؛ وبالتالى كان الماجستير موضوعًا فنيًّا، وفى الدكتوراه أحببنا أن نطور فى المنهج ونتوسع، فكان المنهج السيميائى، كلاهما فى الشعر الأندلسى.

بعد الدكتوراه بدأتُ المرحلة البحثية النقدية المتوسعة فى عام 2021؛ وقررت أن تكون فى الأدب الحديث، ومن ثم كتبت أول بحث علمى عن الشعر الحديث، عن ديوان الصديق الأحب «محمد عرب صالح» الحائز على الجائزة التشجيعية فى الرواية للعام الحالي. بعدها بدأتُ رحلتى مع الكتب النقدية؛ التى أكسبتنى الثقة العلمية والمغامرة فى بطون الكتب ودك حصون الهيبة لما أجهل؛ فحاولت أن أكتب فى أحدث حقل للدرس الأدبي، ألا وهو (حقل الرقمنة)؛ وقد خططت فيه سلسلة فى الرواية الرقمية التفاعلية، ولا زالت مخطوطة. 

وفى عام 2022؛ أحببت أن أتوسع فى الأدب الرقمى التفاعلي، فأعددت دراسة بعنوان «الشعر العربى من العمودية إلى العمود الومضة» ضمن (الأدب الرقمى التفاعلي) وهى أول دراسة فى الوطن العربى – آنذاك – فى مجموعة «وجع مسن»، وقد حازت على المركز الثانى بجائزة الشارقة للإبداع العربى 2022/ 2023. 

وحين اتجهتُ إلى النقد المسرحي؛ كتبتُ الدراسة الفائزة بجائزة الدولة التشجيعية 2024، لتكون جامعة بين الحداثة وما بعدها، وقد أُرهِقت فى المطالعة والمذاكرة والتواصل والنقاش؛ وكانت فى التجربة المسرحية عند الكاتبة الدكتورة صفاء البيلي؛ التى لم تضن بنصوصها أو وقتها فى التواصل.

كما أتوجه بخالص شكرى وتقديرى للأستاذ الدكتور محمد عبد الله حسين بقسمي، الداعم المعنوى والمحفز لى على الاستمرارية. وكذلك الأستاذ الدكتور تامر محمد عبد العزيز هاشم، الذى لا يتأخر عنى فى توجيه علمى أو نصيحة أو تحفيز أو تصويب.

وختامًا؛ فإننى لم أتوقف عند تخصصى الأكاديمى للأدب الأندلسى، وإنما توسعت فى نقد الأجناس الأدبية، والمرحلة القادمة أحاول أن أثابر غوار القصة القصيرة إن شاء الله.

جائزة الدراسات الأدبية واللغوية




د. محمدهندىعلينا ملامسة وجدان القارئ وعقله

ليس من السهل علىّ الآن أن أقف عند الملامح النهائية التى عليها رؤيتى النقدية؛ لسبب بسيط وهو أنها لا تزال فى طوْر البدايات، وهى بحاجة إلى جهد كبير كى تظهر فى صورة يمكن أنْ تجد لها صدى إيجابيًّا فى وعى مَنْ يتلقاها؛ لكنّ هذا لا يمنع من القول بأنّ المسار الأساسى الذى يُوجِّه هذه الرؤية، يتحدّد أولًا وقبل كل شيء بالنظرة إلى النّص الأدبيّ نظرة إنسانيّة فى المقام الأول من منطلق أنّ لكل نصٍّ فلسفته الحياتية وقوانينه الجمالية الخاصة به، لذلك وجب الحذر من فكرة إخضاعه لسطوة مصطلح نقدى يُفرض عليه من خارجه فرضًا.

هذا البعد الإنسانى هو الملمح الرئيسى الذى تؤسس عليه رؤيتى النقدية فى علاقتى بالنصوص ولاسيما السردية، وهو ملمح يتجلّى بوضوح من خلال فكرة العلاقة التناغمية بين اللفظ والمعنى، موسعًا فى الوقت نفسه من دائرة هذه الرؤية عبر وضْع اللفظ مقابلًا للشكل بما يشتمل عليه من تقنيات جمالية؛ والمعنى مقابلًا للموضوع بما يتضمنه من رؤى أيديولوجية.

هذا، ما حاولت دراسته وتبيّن قيمه الجمالية، وتتبع التطوّر الذى لحق به (ولا يزال) فى دراستى الفائزة بجائزة كتارا 2018: (النزعة المأساوية وتفاعلية التركيب السردى فى الرواية المعاصرة)؛ ودراسة: (قصة الطفل: انفتاح الرؤية ومرونة السرد فى قصص السيد نجم)؛ ثم دراسة: (التحول الدرامى وانفتاح المتخيل السردى فى روايات هدى حمد)، الفائزة مؤخرًا بجائزة الدولة. ومع التطور الذى طرأ على الواقع المعاصر نتيجة ظهور الإنترنت بمعطياته الإنسانية الجديدة، فإننى تتبعتُ ما لحق التجربة الإبداعية فى فضائها التفاعلى الجماعى، حيث فَطن فريق من المبدعين العرب إلى قضية أنه إذا كان معنى الحياة الإنسانيّة قد تطوّر مع الإنترنت، فإنه لا بد أنّ تتطور اللغة، إذا أرادت أن تكون مقنعةً فى تعبيرها عن الإنسان فى هيئته الرقمية الجديدة التى اختارها لنفسه دون أن تُفرض عليه من أى أحد، وهذا ما تمّ الوقوف عنده فى دراساتي: (الورقى والرقمى: الواقعية الافتراضية فى الرواية العربية)، و(الإنترنت وشعرية التناص فى الرواية العربية)، و(المجتمعات الافتراضية وتحولات الأنا الأنثوية فى الرواية النسائية) الفائزة بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابى 2019.

فى الأخير، إذا أردنا تغيير وعى القارئ، فعلينا أن نقدم له قراءة تُلامسُ وجدانه وعقله معًا، بدلًا من تقديم قراءات مليئة بالمصطلحات التى قد يُستغلق فهمها حتى على المُتخصصين أنفسهم. ولذلك فإننى الآن منشغل منذ أربع سنوات بإعداد دراسة حول التراث العربى وعلاقته بالرؤية الإبداعية المعاصرة من ناحية تأويلية إنسانية، خصوصًا وأنّ هناك فريقًا لا بأس به من المبدعين العرب أدركوا جيدًا وجود فجوة كبيرة اليوم بين هذا التراث وجيل الإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، وأنّ هناك كثيرين لم يوفّقوا فى تقديم فهمٍ واعٍ حول عديدٍ من تجليات هذا التراث خصوصًا فى شقّه الأدبى، لأنهم اكتفوا بالقراءة السطحية للمُعطى التراثى، دون ربطه بالسياق الثقافى الإنسانى الذى تزامنَ مع لحظة إنتاجه، فظلموه وظلموا أنفسهم.