عاجل جدا

فى نادى المناظرة.. لا خطوط حمراء

غادة زين العابدين
غادة زين العابدين

 إن كبر الطفل على هذا النهج، سيكتفى بالاحتفاظ بأفكاره لنفسه

أعجبنى ما كتبه العالم الدكتور سامح سعد رئيس وحدة بايديولوجيا الأورام بمستشفى 57357- عن نشاط نادى المناظرة المتبع فى مدارس امريكا والذى كان ابنه يشارك فيه خلال فترة وجوده هناك.

تقوم فكرة نادى المناظرة، على تقسيم طلاب الفصل إلى مجموعتين يتبادلان الجدل حول فكرة أو قضية محددة بحيث تتبنى إحدى المجموعتين الدفاع عن الفكرة والأخرى رفضها ، والجميل كما يقول د.سامح : «مفيش خطوط حمراء ، خالص» ، «باستثناء مواقف الكراهية العنصرية» . وكل فريق لابد أن يعبر عن رفضه او قبوله بأسانيد وحجج قوية تقنع الفريق الآخر …. ، ثم يتبادلان المواقف ، فيصبح الرافض مدافعا والعكس ، ويتكرر نفس الجدل بنفس الحماس.
الهدف بالطبع كما يقول د.سامح - هو تشجيع الأبناء منذ صغرهم على تعلم النقد ، وخوض المعارك الفكرية ، وتعليمهم أن الجدل والحوار ليس من سمات «قلة الأدب» وعدم احترام الكبير.

فى الدول المتقدمة يعودون أبناءهم منذ الصغر على النقاش بهدف الفهم والنقد بغرض التنقيح والتحسين، يعلمونهم فن الخلاف المتحضر ، فن تقبل الفكر الآخر ، يناقشون كل شىء ويعبرون عن رأيهم فى كل شىء ، يناقشون منذ صغرهم، بدءا من موضوعات تمس أمور البيت ، يشاركون بعقولهم الصغيرة ، ويطلقون افكارهم ومقترحاتهم بقدر أعمارهم، ويجدون أباء وأمهات يستمعون إليهم حتى وإن لم يعملوا بها.

يجهزونهم للتعامل مع الحياة سواء داخل بيوتهم أو فى أعمالهم.

فى كتابه الرائع «المتميزون - قصة نجاح»، يناقش الكاتب والصحفى الانجليزى مالكوم جلادويل كيفية تأثير البيئة الأسرية والثقافية على نجاح الأفراد.
جلادويل يشير فى كتابه إلى أن الأسر الثرية غالباً ما تُعَلِّم أطفالها مهارات النقاش والتفاوض. هذه العائلات تشجع أطفالها على التفاعل مع الكبار، طرح الأسئلة، والتعبير عن رغباتهم واحتياجاتهم بوضوح. هذه المهارات تعطى الأطفال الثقة بالنفس والشعور بالقدرة على التحكم فى مجريات الأمور، مما يساهم فى نجاحهم فى الحياة.

وبالمقابل، غالبًا ما تفتقر معظم الأسر محدودة الدخل والثقافة إلى هذه الموارد والفرص، وقد لا تركز بنفس القدر على تنمية هذه المهارات الاجتماعية والنفسية لدى أطفالها. وهذا بالطبع لانشغال هذه الاسر بتوفير اساسيات الحياة، وهذا يمكن أن يؤدى للأسف إلى تفاوت فى الفرص والنجاح بين الأفراد من خلفيات مختلفة.

هذه الفكرة تعكس مدى أهمية البيئة والتربية فى تشكيل قدرات الأفراد ومهاراتهم، وتؤكد على أن النجاح لا يعتمد فقط على الجهد الفردي، بل يتأثر بشكل كبير بالعوامل الخارجية المحيطة بالفرد منذ صغره.

جلادويل يقدم مثالاً عن كيفية تعامل الأطفال من الطبقات الاجتماعية المختلفة، مع الأطباء مثلاً. فالأطفال يجب تعليمهم أن الأطباء أصدقاء ومساعدون لهم، ويجب عليهم التحدث معهم بثقة وطرح الأسئلة والمشاركة فى القرارات بشأن صحتهم.

أما التربية الخاطئة التى يقع فيها قطاع كبير أن يشعر الأطفال بالخوف أو الخجل عند التعامل مع طبيبه ، مما قد يؤدى إلى تردد فى طرح الأسئلة أو التعبير عن مخاوفهم الصحية.

جلادويل يستخدم هذا المثال لتسليط الضوء على الفروقات الاجتماعية والاقتصادية وأثرها على الفرص المتاحة للأفراد.ويوضح كيف يمكن أن تؤثر التربية والبيئة الأسرية على كيفية تعامل الأفراد مع العالم من حولهم.

لا بنبغى أن نعلم أطفالنا أن الكبار دائما على حق ولا يحب نقاشهم، فإن كبر الطفل على هذا النهج، سيكتفى بالاحتفاظ بأفكاره لنفسه، وسيكبر وهو يظن أن التعبير عن مشاعره وأفكاره المختلفة لرأى الكبار وقاحة.

من حق الطفل أن يسأل ويفهم لماذا نطلب منه الالتزام بأوامر محددة، من حقه المناقشة والاقتناع،

حتى لا نقتل لديه حس المبادرة والتعبير والابداع أيضا.