محلل بريطاني: أهداف خفية وراء إنشاء أمريكا الرصيف البحري بغزة

«غزة 2035».. خطة نتنياهو وواشنطن لهدم وإعادة بناء القطاع

نتنياهو وبايدن.. والتحالف الدموي
نتنياهو وبايدن.. والتحالف الدموي

■ كتب: دينا توفيق

الكيان الصهيوني لا يريد سلاماً، والثمن دماء الآلاف من الأبرياء؛ أطفال ونساء، إن لم يكن بالقنابل والرصاص، يكون بالتجويع وغلق جميع المعابر ومنع وصول أي مساعدات.. يرفض وقف إطلاق النار ويواصل وحشيته بقصف رفح، لا ينصت للنداءات الدولية بضرورة التوقف عن مجازره والإبادة الجماعية للفلسطينيين، هناك إصرار من حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» باستمرار الحرب بدعم أمريكى لتحقيق أطماعهم السياسية بنهب واغتصاب للأرض على جثث البشر.

◄ الخطة تم إعدادها منذ عقود.. ونتنياهو استغل «7 أكتوبر» لتمريرها

خطة أمريكية إسرائيلية لتحقيق مصالحهم في المنطقة بدأت تتكشف مع مواصلة جيش الاحتلال هجماته على القطاع. ورغم اعتراف الرئيس الأمريكى «جو بايدن» بأن الأسلحة الأمريكية قتلت مدنيين في غزة، وتهديده بحجب المزيد من شحنات الأسلحة إذا شن جيش الاحتلال هجومًا كبيرًا على المناطق المكتظة بالسكان فى رفح بجنوب غزة. لكن فى الوقت نفسه، يواصل نتنياهو حربه وكشف عن خططته ورؤيته لغزة، وكيف ستدير إسرائيل بموجبها القطاع لعدة سنوات، حتى يمكن أن تنتقل السلطة إلى الفلسطينيين. ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، ورفض المسئولون العرب الفكرة لأنها لا تضمن قيام دولة فلسطينية، وسيسمح بمواصلة العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل غزة. 

لعدة أشهر، تجنب نتنياهو إجراء نقاش عام تفصيلى حول مستقبل غزة بعد الحرب. وفى محاولته استرضاء حلفائه اليمينيين المتطرفين، الذين يسعون إلى إعادة بناء المستوطنات الإسرائيلية فى غزة، وشركاء إسرائيل الأجانب، الذين يريدون عودة غزة إلى الحكم الفلسطيني، توقف نتنياهو عن إصدار أى إعلان محدد. ولكن وراء الكواليس، كان كبار المسئولين فى مكتبه يدرسون خطة موسعة لغزة ما بعد الحرب، حيث ستعرض إسرائيل تقاسم الإشراف على القطاع بمشاركة الولايات المتحدة، وفقًا لثلاثة مسئولين إسرائيليين وخمسة أشخاص ناقشوا الخطة مع أعضاء الحكومة الإسرائيلية.

■ فلسطينيون وسط الدمار الذي خلفته غارة جوية إسرائيلية على رفح

ويأتى هذا الكشف على خلفية الجهود الدولية المكثفة لإقناع إسرائيل وحماس بالموافقة على وقف إطلاق النار الذى يمكن أن يصبح فى نهاية المطاف هدنة دائمة، ويأتى بعد ضغوط متزايدة على إسرائيل للتخطيط لما سيأتى بعد ذلك. لقد أدى إحجام إسرائيل عن المفاوضات ومواصلة حربها إلى خلق فراغ فى السلطة فى معظم أنحاء القطاع، مما أدى إلى الفوضى وتفاقم الوضع الإنسانى المتردي. وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل «توماس نايدز» والذى تمت استشارته بشأن الخطة، إن الاقتراح مهم لأنه كشف عن تفكير إسرائيلى داخلي.

وتعرض الوثائق المنشورة على الإنترنت باسم «غزة 2035»، حسبما ذكرت صحيفة «جيروزاليم بوست»، وتتضمن الخطة إبقاء غزة تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية على المدى الطويل، والقيام باستثمارات كبيرة لإعادة بناء القطاع المدمر، تحويل غزة إلى مركز إقليمى للتجارة والطاقة، واستغلال العمالة الفلسطينية والغاز الطبيعى لما يخدم المصالح التجارية الإسرائيلية. ووفقًا للوثائق، تتضمن الخطة ثلاثة خطوات؛ ومن المقرر أن تستمر الخطوة الأولى منها لمدة 12 شهرًا، وستشهد قيام إسرائيل بإنشاء «مناطق آمنة خالية من سيطرة حماس» فى غزة، تبدأ أولاً فى الشمال وتنتقل إلى الجنوب. والخطوة الثانية سوف تستمر من خمس إلى عشر سنوات؛ وسيحتفظ جيش الاحتلال بالسيطرة على القطاع، فى حين ستكون دول المنطقة مسئولة عن إعادة الإعمار فى إطار هيئة إعادة تأهيل غزة المنشأة حديثاً.

وستشمل جهود إعادة الإعمار «إعادة البناء من لا شيء» وتصميم مدن جديدة من الصفر؛ وهذا يعنى أن الجيش الإسرائيلى سوف يستمر فى تدمير جزء كبير من غزة، إن لم يكن كلها، من خلال القصف والهدم. وأما المرحلة الثالثة من الخطة، فتشهد حصول الفلسطينيين على حكم ذاتى فى قطاع غزة منزوع السلاح بينما تحتفظ إسرائيل بحق التصرف ضد «التهديدات الأمنية». وتهدف الخطة إلى تحويل غزة إلى ميناء صناعى مهم على البحر الأبيض المتوسط، وتسهيل تصدير البضائع والنفط والمواد الخام الأخرى. وسيستغل الكيان الصهيونى حقول الغاز الطبيعى قبالة سواحل غزة لتوفير الطاقة اللازمة للتصنيع الصناعي، حيث منعت إسرائيل تطوير الحقول، المملوكة قانونيا للفلسطينيين، لعقود من الزمن.

■ المباني المدمرة في خان يونس

ومن المرجح أن تستفيد المصالح التجارية الإسرائيلية أكثر من غيرها، حسب ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز»؛ التى أوضحت أن أى خطة إسرائيلية لغزة ما بعد الحرب ستحتاج أيضًا إلى تلبية مطالب المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين، الذين يطالبون باستعمار غزة وبناء المستوطنات اليهودية هناك بعد الحرب. وتشير الصحفية البريطانية المستقلة «فانيسا بيلي»، إلى أن خطة نتنياهو لغزة التى ظلت لعقود طويلة تحت الهيمنة العسكرية والاقتصادية الصهيونية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة فى غرب آسيا.

◄ اقرأ أيضًا | الخارجية القطرية: الجهود الثلاثية مستمرة لوقف العدوان على غزة

ومن خلال تقديم الدعم الأمريكي غير المشروط للكيان الصهيوني لغزو واحتلال قطاع غزة بأكمله، وعلى الرغم مما قد يقوله مسئولو البيت الأبيض، تتطلع الولايات المتحدة منذ فترة طويلة إلى فرصة لمنح إسرائيل السيطرة على موارد الغاز الطبيعى البحرية، والتي بموجب القانون تابعة لفلسطين.

وتضم هذه المنطقة، المعروفة باسم «بحرية غزة»، تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من اكتشافه عام 2000، إلا أن إسرائيل لم تسمح أبدًا للسلطة الفلسطينية بالوصول إليه، وبالمثل، ظل قطاع غزة منذ فترة طويلة تحت حصار بحرى واقتصادي، مما منع تطويره خارج السيطرة الإسرائيلية. وأدت بعض الأحداث العالمية التى وقعت خلال العامين الماضيين إلى تضخيم القيمة الإستراتيجية للغاز الطبيعى بشكل كبير.

وعلى وجه التحديد، دفعت الحرب فى أوكرانيا الدول الغربية إلى التدافع للحصول على موارد طاقة بديلة لتقليل الاعتماد على روسيا. ولتحقيق هذه الغاية، زاد الاهتمام السياسى الأوسع ببحرية غزة، ومع اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، اتخذ نتنياهو القرار السياسى بالغزو بهدف احتلال القطاع غزة بالكامل، وكشف الخداع بشأن الخطوط الحمراء الغربية والتأكيد على السيطرة السياسية عليه بعد ذلك، والتى تم ترميزها على أنها «تحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة».

وهذا يعنى أن إسرائيل ستحصل أيضًا على السيطرة الكاملة على اقتصاد القطاع وموارده، وبالتالى لن تضطر إلى التعامل مع النظام القائم فى القطاع كطرف مشارك فى أى مفاوضات للاستفادة من موارد الغاز الطبيعي. وفى نهاية المطاف، تقع السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية فى منطقة غير ساحلية بعيدة عن البحر وليس لديها أى نفوذ للسيطرة على موارد الغاز الطبيعى التى هى ملك لها من الناحية القانونية.

ونظراً لذلك، يبدو من المشكوك فيه أن تقرر الولايات المتحدة التى قامت ببناء الرصيف البحرى المؤقت فى غزة بأن الهدف إنسانى وتقديم المساعدات، ولكن لتحقيق مصالحها. كيف يُحدِث مثل هذا التعهد بالمساعدات البحرية مع استمرار الولايات المتحدة فى إعطاء الضوء الأخضر وتمكين القصف الإسرائيلى العشوائى على المنطقة؛ لذا فإن الهدف الحقيقى على المدى الطويل هو المساعدة فى إعداد القطاع استراتيجيًا لما يتصورونه بالفعل على أنه المرحلة التالية من الاحتلال العسكرى الإسرائيلى الكامل. قال الكاتب والمحلل البريطانى «توم فودي» إن هناك أهدافًا خفية وراء إنشاء مثل هذا الرصيف البحري، وأنه واجهة إنسانية تخفى الهجرة الطوعية إلى أوروبا.

بمعنى آخر، سيتم استخدامه لتمكين تهجير سكان غزة وفرارهم إلى أوروبا. بالإضافة إلى ذلك، فإنه سيمكن لنتنياهو أيضًا من السيطرة على كل نقطة دخول إلى القطاع. وترى الصحفية البريطانية المستقلة «فانيسا بيلي»، أن الأمر المؤكد هو أن هذه الخطة كانت فى طور الإعداد الصهيونى الأمريكى منذ عقود، ولم يتم وضعها موضع التنفيذ إلا الآن مع استغلال إسرائيل لأحداث 7 أكتوبر وزيادة البصمة الصهيونية فى ما تبقى من فلسطين فى الأراضى المحتلة.