دائمًا مع الحق الفلسطيني.. عادل إمام في مواجهة معارك التشويه والاتهام بالتطبيع

صورة من فيلم السفارة في العمارة
صورة من فيلم السفارة في العمارة

“الفن ثروة مصر القومية، وتشويه الفنانين يعتبر إهدارا لتلك الثروة”، هكذا كان يرى عادل إمام قيمة الفن والفنان المصري.. لم يسلم زعيم الفن وإمام الفنانين من محاولات تشويه صورته أمام محبيه فى أرجاء الوطن العربي واتهامه دائما بترحيبه بالتطبيع مع إسرائيل، رغم تقديمه عدد من الأعمال التى تناولتها بسخرية لاذعة.

فبخلاف العمل الدرامى الوطنى “دموع فى عيون وقحة” المأخوذ عن ملف للمخابرات المصرية، قدم إمام صورة الإسرائيلي فى عدة أعمال مثل فيلم “السفارة فى العمارة” ومسلسل “فرقة ناجى عطا الله” وغيرها، وهو ما وضعه دائما فى ميزان محبيه ومعارضيه، وكانت أفكاره تجاه قضية التطبيع مع إسرائيل دائما محل نقد وتشكيك.. هذا ما نرصده فى السطور التالية.

فى منتصف التسعينيات وتحديدا عام 1996 شهد معرض الكتاب وقتها ندوة جماهيرية ضخمة أقيمت للزعيم عادل إمام، وتسببت بعض تصريحاته بالندوة فى اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل، حينما تم سؤاله عن رأيه فيمن يذهب إلى إسرائيل من الفنانين وإمكانية ذهابه إلى هناك، حيث جاء رده أن هناك انفصام فى بلدنا، فلهم سفارة عندنا ولنا سفارة عندهم وبين الوزراء زيارات، نحن نريد أن نعرف ماذا يريدون منا، فالسلام قادم لامحالة، ولابد أن نبنى خططنا على كيف نستفيد من السلام مع إسرائيل.

هذه التصريحات تركت إنطباعا وقتها أنه ليس ضد فكرة التطبيع ولاضد من يسافرون إلى إسرائيل، كما أنه لايدعو أحدا إلى السفر، مضيفا أن القضية حرية شخصية. وقال أيضا أنه إذا كانت مصلحة مصر فى أن يزور عادل إمام إسرائيل ما تأخر، قائلا “ أنا أروح النار بقدمى من أجل حب مصر”.

◄ اقرأ أيضًا | شريهان في عيد ميلاد الزعيم: دمت لنا علم مصري مبدع وعظيم نفتخر به

وعلى طريقة المفكرين، فرق عادل إمام بين كراهيته لإسرائيل وبين اليهودية كدين، حيث قال “ولدت ومعدتى وبنكرياسى وحتى كبدى يكره إسرائيل”، لكن لامانع لديه من الاشتراك فى فيلم أو عمل مسرحى يكون فيه يهود فقط، على شاكلة وودى آلن.

تسبب تحوير كلامه وقتها فى حدوث بلبلبة مع اتهامه بالتطبيع مع إسرائيل، لكنه خرج بعدها فى عدة لقاءات بالصحف المصرية ليقطع الشك باليقين، قائلا بملء الفم “لن أزور إسرائيل ولم أفكر فى الزيارة ولا طرأت لى فى حلم”، وعن هذه الواقعة تحديدا فتح الزعيم قلبه فى حوار خاص بمجلة المصور مع الكاتب الصحفى حمدى رزق، ليوضح ملابسات ما حدث، حيث قال “أنا هدفى السلام، وهدفى أن يترجم هذا السلام لفلوس فى جيب المواطن المصرى، عاوز أستفيد، تلك هى الخلاصة”.. لكنه عاد وأكد رفضه السفر إلى إسرائيل مطلقا لكن ليس لديه مانع من السفر إلى فلسطين ودعمها. 

وعاد وأكد فى لقاء آخر أنه تم تحريف كلامه مضيفا أنه لم يدع إلى التطبيع ولن يذهب إلى إسرائيل، فقط علينا أن نستعد للمستقبل إذا أردنا عبور الأزمات التى نمر بها، وأشار عادل إمام إلى وكالة رويتر التى نقلت عنها بعض الصحف المصرية أنه دعا إلى التطبيع مع إسرائيل، موضحا أن كل هذه الصحف نسبت هذه الدعوة إلى هذه الوكالة التى لم يعرف من أين جاءت بها، خاصة أن تسجيلات الحوار موجودة ومفاده أنه علينا التنبيه إلى مخاطر المستقبل، والذى حدث هو استغلال غير شريف لهذا الكلام من قبل أصحاب وجهة النظر الداعية إلى التطبيع، خاصة عندما يأتى من فنان له شعبية وجماهيرية واسعة.. وهذا ما أكد عليه أيضًا الإعلامي محمود سعد في حوار سابق معه حيث قال له إمام “بعيدا عن التشنج والشعارات والعبارات الرنانة.. أنا مع السلام الشامل والعادل.. السلام الذى يعنى إعادة كل الأراضى العربية وإعطاء كل ذى حق حقه.. لكنى لن أسافر إلى إسرائيل لأن كل كيانى يرفض ذلك”. 

◄ إيمانه بالقضية الفلسطينية
توجهات عادل إمام تجاه القضايا العربية، بدءا من القضية الفلسطينية التي قدمها في أكثر من عمل فني، و”مذبحة قانا” حينما وقف خلال عرض مسرحية “بودي جارد” وأوقد الشموع، وهجومه على الموقف الأمريكي خلال غزو العراق، ليؤكد على نحو عملي أن الفنان الحقيقي يعكس بفنه قضايا مجتمعه.

وهذا يعود بنا إلى موقفه السابق من الانتفاضة الفلسطينية، حيث أعلن فى التسعينيات إلى أن وقفته مع الانتفاضة كانت غيرة على مصر، وقال وقتها “ أحسست أن المظاهرات تحدث فى أمريكا وداخل إسرائيل ضد ما يجرى فى الأرض المحتلة”، وأضاف أنه كان يريد التظاهر لكن القانون كان يمنع ذلكوالتقى بوزير الداخلية للحصول على تصريح لإقامة حفل يهب عائده لصالح الانتفاضة الفلسطينية.

واستطرد: مصر لها مائة ألف شهيد ماتوا من أجل الدفاع عن الأراضى الفلسطينية، ولهذا فإن مصر السياسية والثقافية والفنية مطالبة بالاستماتة فى الدفاع عن هذه الأرض والوقوف فى صف شعبها الأعزل الذى يحمل بيده الحجارة ليواجه بها أعتى القوى وأكبرها.

وفى تصريحات سابقة أكد الزعيم أنه تربطه بالرئيس الفلسطينى السابق ياسر عرفات علاقات طيبة، وكثيرا ما جمعتهم لقاءات حارة لكنها كانت دائما فى ظروف صعبة من عمر القضية الفلسطينية، وكشف أن الرئيس الفلسطينى اتصل ذات يوم بإحدى الشخصيات السياسية المصرية وطلب منه إبلاغ عادل إمام أن الفندق الذى سيعرض عليه مسرحية “الواد سيد الشغال” فى جنيف يديره أحد دعاة الصهونية، وعلى الفور طلب الزعيم من منظم الرحلة أن يغير المسرح أو يلغى السفر إلى سويسرا نهائيا، وهو ماحدث بالفعل وتسبب فى ارتباك كامل للمنظمين.

◄ شعبية عربية جارفة
خير دليل على الشعبية الجارفة التى يتمتع بها الزعيم فى كافة أرجاء الوطن العربى، حين استقبل عشرات الدعوات من المسئولين أصدقائه فى البلاد العربية لعرض مسرحية “الزعيم” وكانت بيروت هى أول محطة فى جولاته الخارجية، ودائما ما يقول عادل “عندما أكون فى لبنان لا أشعر أننى خرجت من مصر”.. وهناك تلقى إمام دعوة لعرض المسرحية فى الكويت ولاقت هناك المسرحية نجاحا منقطع النظير.. وبعد المفاوضات والتليفونات والفاكسات العديدة بين الإمارات والكويت، سافر الزعيم وفرقته إلى دبى بعد أن حملت سيارات اللورى ديكور المسرحية الذى يزن أكثر من ثلاثة أطنان. وبعد عرض المسرحية فى دبى يقرر السفر إلى المغرب لإحياء ثلاث حفلات من أجل دعم “صندوق القدس”، وهناك قرر جلالة الملك الحسن الثانى منحه وسام الكفاءة الفكرية وهو أرفع الأوسمة المغربية يمنح لأهل الثقافة والفن، وهو أول فنان فى العالم العربى يحصل على هذا الوسام. ومن هناك أعلن أنه قام بهذه الزيارة رغما عن أصوات إسرائيلية رفضت هذه الرحلة ودعمه لـ “صندوق القدس” وصرح وقتها أنه وعد الرئيس ياسر عرفات أنه سيكون أول فنان يهنئه بتحرير فلسطين.

“من يريد أن يعرف قيمة مصر ومدى حبه لها عليه أن يبعد عنها” قال جملته الشهيرة بعد ساعات قليلة من عودته من الولايات المتحدة الأمريكة فى أعقاب رحلة فنية استمرت شهرا كاملا عرض خلاله مسرحيته “بودى جارد” فى أربع ولايات لتصبح أول عمل عربى جماهيرى حى يعرض بأمريكا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وخلال 8 حفلات للمسرحية شهدت حضور أكثر من 30 ألف حيث قال “ما أسعدنى هو أننى وجدت العرب كلهم يجلسون بجوار بعضهم البعض فى المسرح، العراقى بجوار السورى والسعودى بجوار الكويتى والمصرى، وقد وجهت لهم كلمة قلت فيها لاتنسوا الوطن الأم وهو الوطن العربى”. 

وردا على فتوى أحد العلماء الجزائريين بإهدار دمه فى عام 2009، أكد عادل إمام أن شعبيته كبيرة جدا فى الجزائر أكثر من هذا العالم الجزائرى الذى أصدر هذه الفتوى، وأنه اعتاد على مثل هذه الفتاوى، وفى نفس الوقت دافع عن دور مصر تجاه القضية الفلسطينية حيث ضحت كثيرا فى سبيل هذه القضية بآلاف الشهداء ومليارات الجنيهات.

◄ تجدد الاتهامات
وعقب اندلاع ثورة يناير 2011 لم يسلم عادل إمام من التشكيك بوطنيته وعروبته مجددا، فمع بث الحلقات الأولى من مسلسل “فرقة ناجى عطا الله” عام 2012 بدأت الصحف الإسرائيلية فى شن حرب لتشويه سمعة عادل إمام، حيث قالت إحدى الصحفيات الإسرائيليات أنها التقت عادل إمام فى إحدى المناسبات وأنه قال لها حرفيا “أعرف أنكم تحبوننى وأتمنى أن تأتى اللحظة التى يتم فيها التعاون مع صناع السينما الإسرائيلية”، وأضافت الصحفية الإسرائيلية قائلة “لكنه بدأ يتحدث بشكل آخر ويقول أنه يعد مفاجأة للإسرائيليين من خلال المسلسل، ولم يعد يهمه غضبهم، بل وأكد أن دولة إسرائيل هى دولة احتلال”. وأضافت أن عادل إمام قد نجح فى الماضى فى إثارة غضب بعض معارضيه من التيار الرافض لفكرة التطبيع مع إسرائيل، بعد إظهاره بعض الجوانب الإيجابية لإسرائيل فى فيلم “السفارة فى العمارة” مما أغضبهم بشدة، وأشارت إلى أن هذا الأمر أغضب الإسرائيليين فى تل أبيب أيضا.

وانطلاقا من هذه المواقف سئل الزعيم عادل إمام فى إحدى المرات عن موقفه من بيع الأفلام المصرية لإسرائيل، وكان رأيه أن من يمنع عرض فيلمه فى إسرائيل لايعاقب إلا نفسه، لأنه يمنع فنه وفكره من الوصول إلى دولة معادية، وأضاف أن الأفلام المصرية تعرض هناك بالفعل عن طريق الموزع العربى، وما دام الفيلم المصرى موجود فى إسرائيل سواء رفضنا أو وافقنا فلماذا لا نبيعه بالطرق المشروعة ونحصل على حقوقنا المادية، وماذا يضيرنا كمصريين إذا عرضت أفلامنا داخل إسرائيل ؟.

وفى عام 2016 عادت الانتقادات لعادل إمام بعدما أثار مسلسل “مأمون وشركاه” بعض الانتقادات التي اتهمته بالتطبيع مع إسرائيل، فمن ضمن أحداث الفيلم أن نجله “يوسف” متزوجًا من يهودية.

إلا إنه رد على الاتهامات من خلال بعض التصريحات الصحفية، قائلا: “إن المسلسل كانت الرسالة منه هي إظهار السماحة بين الأديان وإننا نعيش مع بعضنا البعض، ويجب على كل إنسان أن يحترم حرية اختلاف العقائد”، ونفى إمام بشكل تام أمر التطبيع مع إسرائيل، وأكد أن هناك فرق بين اليهودية والصهيونية.

واكد على ذلك فى أكثر من تصريح وقتها، حيث قال إن أعماله دائمًا ما تهاجم الكيان الصهيوني مثل “السفارة في العمارة” و “دموع في عيون وقحة” و”فرقة ناجي عطاالله”.

 

 

;