أصل الحكاية| «البهرة»: إرث لا ينسى وتاريخ يتجدد

صورة موضوعية
صورة موضوعية

يعتبر البهرة من الأسر النبيلة.. التي نشأت في مصر كأحفاد للفاطميين، الذين كانوا يحكمون مصر خلال العصر الفاطمي.

عندما انتهى عصر الفاطميين، هاجر العديد من أفراد الأسرة من مصر وانتقلوا إلى بلدان أخرى، حتى انتقل البعض منهم إلى جنوب الهند، حيث استقروا وأسسوا مجتمعًا قويًا هناك.

خلال القرون العاشر والثاني عشر الميلادية، تمكن أفراد الأسرة البهرة من حكم أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي، بدءًا من شمال إفريقيا في الغرب وصولًا إلى باكستان في الشرق. كانت لهم دور بارز في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في تلك الفترة، وتركوا بصماتهم في تاريخ العالم الإسلامي بتفانيهم وعلمهم وقيادتهم.

وأشار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، إلى أن البهرة هم أحفاد الفاطميين في مصر، وعندما إنتهى العصر الفاطمي هاجر الكثيرون من مصر وانتقلوا من بلد إلى أخر حتى انتهى بهم المقام إلى جنوب الهند، وخلال القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، حكموا أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي تمتد من شمال إفريقيا في الغرب إلى باكستان في الشرق.

"البهرة" تعنى التاجر فاسمهم مشتق من اللغة الكجراتية «الجو جاراتيه»، السائدة في غربي الهند، ويتبعون المذهب الشيعي الفاطمي الإسماعيلي الطيبي أحد فروع الطائفة الإسماعيلية التي تنتمي إلى إسماعيل بن جعفر الصادق المنحدر من سلالة الحسين بن علي بن أبي طالب، وتقوم عقيدتهم على الإيمان بأهل البيت ويعيشون في غرب الهند، كما يضم البهرة بالإضافة إلى هذه الأغلبية الشيعية، والذين يكونون غالبًا من طبقة التجار، أقلية سنية تكون عادةً من المزارعين الفلاحين.

أوضح الدكتور ريحان أن البهرة نشأت في مصر ثم نقلت مركزها الديني إلى اليمن، واكتسبت موطىء قدم في الهند من خلال المبشرين في القرن الحادي عشر الميلادى، وبعد عام 1539م، وهو الوقت الذي نمت فيه الجالية الهندية بشكل كبير، تم نقل مقر الطائفة من اليمن إلى سيدبور في الهند، وينقسموا إلى ثلاثة أقسام، البهرة الداوودية: نسبة إلى قطب شاه داود، وينتشرون في الهند وباكستان منذ القرن العاشر الهجري، وداعيتهم يقيم في "بومباي"، البهرة السليمانية: نسبة إلى سليمان بن حسن، وهؤلاء مركزهم في اليمن حتى اليوم والبهرة العلوية.

إنتشار البهرة

وينوه الدكتور ريحان إلى اندماج البهرة في المجتمع الهندي الذي يتسم بالتسامح وتعدد الأديان، ومع انفتاح دول الخليج هاجر إليها البهرة للعمل شأنهم شأن بقية الأسيويين وتوجد أعداد كبيرة منهم في الإمارات العربية المتحدة وخاصة في دبي إذ يعتبرونها مركزًا لهم، كما يتواجدون في بقية دول الخليج، كما أنهم لهم تاريخ عريق في محافظة صنعاء والتي تعتبر تابعه لليمن، ويوجد في منطق الحطيب المبارك قبة حاتم محيي الدين، ولهذه الطائفة مزارات دينية وآثار تعود للدولة الفاطمية، مثل ضريح حاتم الحضرات الداعية الفاطمي المدفون في منطقة حراز غربي العاصمة اليمنية صنعاء، ومسجد الحاكم بأمر الله فى القاهرة.

ينتشر الداووديون البهرة حاليًا في 40 دولة حول العالم، ويبلغ عددهم حوالي مليون عضو، ويرشدهم زعيمهم الملقب بـ"الداعي المطلق" أو "المبشر غير المقيد"، الذي كان انتقل مقره من اليمن إلى الهند قبل نحو خمسة قرون، وتوجد تجمعات كبيرة أيضا في باكستان وشرق إفريقيا والشرق الأوسط بالإضافة إلى تزايد عددهم في أوروبا وأميركا الشمالية وجنوب شرق آسيا وأستراليا.

وعن صفات البهرة

وأردف الدكتور ريحان بأن البهرة من الطوائف المسالمة والمتسامحة لا يتدخلون في الأمور السياسية كما أن هذه الطائفة تقوم بإنشاء مشاريع خدميه مثل رصف الطرق في حراز وإنشاء مشاريع المياه وبناء المدارس والمستشفيات وإنشاء مدارس لحفظ القران الكريم يقومون بإحياء الليالي الرمضانية واكثار الصلاة والتعبد في الليالي الفاضلة في شهر رمضان المبارك ويقومون بمساعدة الفقراء والمساكين واطعام الناس. وفي كل عام يتوافد عشرات الآلاف من أتباع البهرة «الداؤوديين» إلى منطقة حراز التي تبعد عن صنعاء بحوالي 90 كم لزيارة ضريح حاتم محيي الدين.

ومن العناصر الأساسية لعقيدة الداووديين البهرة أن الإمام المنحدر من النبي من خلال حفيده، الإمام الحسين، موجود دائمًا على الأرض لمواصلة مهمة إرشاد البشرية، ويقوم البهرة بانتظام بأداء فريضة الحج في مكة وضريح النبي في المدينة المنورة، بجانب زيارة أضرحة أسرة النبي المقربين، والتي تعد أيضا جزءًا من تقليد البهرة الديني.

ويتابع الدكتور ريحان أن المركز الرئيس لأبناء الطائفة في مدينة مومباي ويعيش معظم أعضاء مجتمع البهرة في الهند، ويقوم أعضاء الطائفة بجمع مبلغ شهري من كل الأعضاء للإنفاق على المشاريع المشتركة وذلك يعتبر مصدر التمويل، حيث يصل عدد أتباعها في العالم إلى مليون ونصف المليون شخص ويحرصون على إقامة علاقات جيدة مع الحكام.

والزعيم الحالي للداووديين البهرة هو مفضل سيف الدين، ويأتي ترتيبه الثالث والخمسين، وتولى منصبه في يناير 2014، خلفًا لوالده وسلفه، محمد برهان الدين، حيث تدار الإمامة في تسلسل الخلافة من الأب إلى الإبن

يتحدث مجتمع الداووديين البهرة في جميع أنحاء العالم بلغة مميزة والمعروفة باسم "لسان الدوات" التى تجمع بين عناصر من العربية والفارسية والأردية والغوجاراتية، وقد بدأت في الظهور منذ حوالي ألف عام، عندما أتت إرسالية تعرف باسم دوات إلى ولاية غوجارات في الهند من خلال مبشرين من الأئمة الفاطميين، وتعتمد لغة الدوات في تركيبتها الأساسية وبنيتها على اللغة الغوجاراتية، لكن النصوص وجزءًا كبيرًا من مفرداتها تتكون من كلمات عربية.

 ثقافة البهرة

ويشير الدكتور ريحان إلى عادات وتقاليد البهرة، حيث يعتمد البهرة على المركزية في إدارة أمور الحياة ويتبعون تقاليد خاصة بهم في الزواج والوفاة، إذ يقوم مجموعة من الأشخاص المسؤولين عن جمع العشور من أفراد البهرة خاصة في يوم 23 رمضان، ويتم جمع هذه الضرائب من أجل الزيجات والجنازات، وفي مجتمع البهرة الخاضع للسيطرة المركزية، لا يمكن إجراء طقوس الزواج أو الجنازة دون الحصول على إذن من شيخ المجموعة، أي يستلزم الحصول على موافقة أو (إذن) الشيخ المحلي للزواج أو دفن الأقرباء.

ويُحظر على رجال البهرة الزواج من نساء غير البهرة، ولكن عندما يفعلون ذلك، فإنهم يحولونها إلى عقيدة البهرة ويقسمون الولاء في وقت التحول، ولا يمكن إجراء الزواج إلا بعد تحولها، وحفلات الزواج تتعلق بالثقافة المحلية الغوجاراتية التي يلتزم بها البهرة.

ويحافظ الداووديون البهرة على شكل مميز من الملابس المجتمعية يسمى لباس الأنوار، حيث يرتدي رجال الدين زيًا أبيضًا مكون من ثلاث قطع وقبعة ذات تصميمات ذهبية تسمى توبي، وترتدي النساء فستانًا من قطعتين وهو "الرداء" الذي يمكن تمييزه عن غيره من أشكال الحجاب بألوانه الزاهية وأنماطه الزخرفية، وأن سبب بقاء البهرة حتى اليوم تبرره عدة عوامل، منها ما هو مذهبي يعتمد على عاطفة محبة آل البيت، ومنها ما يرجع إلى أسباب اقتصادية؛ حيث يُشهد لهم اليوم بالرخاء الاقتصادي.

اقرا ايضا | سلطان طائفة البهرة بالهند يستقبل سعفان ويشيد بجهود مصر في دعم عملية السلام