كتابى الحياة السرية لمها توفيق

الحياة السرية لمها توفيق
الحياة السرية لمها توفيق

هبة عبد العليم

كانت البداية هناك، منذ أربع سنوات، حيث وردتنى رسالة على صندوق رسائل الغرباء“Others” ذات محتوى جنسي. أغضبتنى الرسائل بشدة، إلا أننى توقفت أمامها وسألت نفسى: تُرى من يقوم بإرسالها؟ بالتأكيد أشخاص عاديون، إلا أن لهم حياة أخرى يخفونها خلف الأقنعة العادية التى يمارسون بها يومهم وحياتهم.

تحركت الفكرة فى رأسى وأخذت حيزًا من يومي. لم يكن الأمر سهلًا، لكنى قررت العمل عليه ومن هنا بدأت الفكرة، عن الذات الرقمية للسيدة مها عادل توفيق وما الذى تخفيه. وضعت أسس الرواية كمن يضع أساسات بيت ينوى بناءه. فكرت فى الحبكة وتشعبها، فكرت فى الشخصيات والروابط التى تجمعهم والاختلافات التى تفرقهم. سعيت وراء التفاصيل ومزيدٍ من التفاصيل.

بدأت فى رسم خيوط متشابكة لحياة امرأة تعانى من الغضب. وتهرب من كل ما يذكرها به حتى انها تهرب من اسمها وهويتها عبر اسم آخر وهوية مختلقة وذات رقمية تحاول التحقق عبرها، لتجد نفسها فى النهاية فى مواجهته. وفى هربها تتشابك حياتها مع حيوات أخرى. 

عبر أحداث الرواية حاولت أن أراقب عن كثب الحياة السرية للأشخاص العاديين، وما الذى تدفعنا الوحدة إليه وما الذى يجره الغضب علينا. 

هى قصة بالأساس عن السقوط فى العدم والغضب الناتج عن هذا السقوط والمقاومة والنهوض مرة أخرى. عن الرحلة التى تبدأ من القاع لتتعرف مها توفيق عبر ذاتها الرقمية على نفسها مرة أخرى. يصاحبها فى تلك الرحلة أفراد آخرون منهم من سيظل فى القاع ومنهم من سيحاول الخروج من مأزقه والتعافى من أثر ذلك السقوط.

نبتت الفكرة فى رأسى عند مراقبة الفارق بين ما تكون عليه حقيقة المرء وما يدعيه ليعيش فى سلام بين الناس. فالجميع لديه وحشه الغاضب الذى يعيش بداخله، كل الأمر أنه يقمعه أو يكبته ليبدو عادياً. فما الذى تفعله بنا مقابلة الوحوش؟!

عبر تلك الفكرة كانت التساؤلات تدور فى رأسي، هل يمكن للجنس علاج الوحدة والغضب؟ وماذا عن سيدة لا تريد رفقة أو تسعى للانتماء؟ هل الحل فى إقامة العلاقات مع الغرباء.

وماذا يعنى أن تدخل علاقة مع غريب تسعى من خلالها لأن تظل غريبا؟ وهل فى لقائنا مع الغرباء كشف لذواتنا الحقيقية؟  كنت أفكر فى الكتابة عن سيدة أرادت أن تعيد اكتشاف ذاتها وإجلاء الحقيقة عن هويتها عبر قناع من  الهويات المزيفة التى يتيحها لنا التقدم التكنولوجي. 

وهل منصات التواصل الاجتماعى بما تتيحه لنا من إظهار جزء من ذواتنا وإخفاء الجزء الآخر منها قادرة على أن تتيح لنا ما لم تتحه حياتنا العادية من خلق علاقاتٍ تمكننا من التعامل مع الوحدة والغضب؟ 

أرى أن صعوبة كتابة رواية تحمل هذه التساؤلات التى كانت تدور بعقلى تكمن فى رؤية العوالم المتشابكة لأبطال الرواية والقدرة على تفهم دواخلهم ونوازعهم ورغباتهم، ثم نقل تلك العوالم فى شكل سردى قادرٍ على توصيل الفكرة للمتلقي. ولتجاوز تلك الصعوبة حاولت أن أتعلم، فدرست سيناريو وأسس كتابة روائية وكتابة حرة وتحرير أدبى كما أطلعت على تجارب شخصية وتواصلت مع أطباء نفسيين وقرأت مراجع تاريخية ومراجع فى علم الاجتماع.

فكانت الحياة السرية لمها توفيق، الرواية التى حاولت عبر كتابتها أن أقترب من الغضب، وأن استجليه وأتفحصه. وأتأمله من كل الزوايا. كنت أريد أن أعرف كيف يحطمنا الغضب فتتناثر شظايانا لتتحول إلى هويات متعددة تتجاور فى جسد واحد. وهل يمكن للجنس أن يعيد لملمة تلك الشظايا؟

ورغم ذلك أنا لا أعتبرها رواية عن الجنس والغضب، فهى أولا وأخيرا رواية عن الناس. حاولت عبر كتابتها أن أكتب عن الأحلام المجهضة والرغبات المهملة والدموع المكبوتة. عن الأسرار التى نتجاهلها، والدوافع التى نطأها، والقوة التى ندعيها.حاولت عبر كتابتها أن أكتب عن وجهنا الآخر الذى نخافه وحياتنا الأخرى التى نهابها. عن الفراغ والسقوط فى العدم والوحدة والفزع والخوف.

حاولت عبر كتابتها أن أكتب عن الوحوش التى تلتهم قلوبنا فى بداية الرحلة ثم تهبنا هيئتها فنصبح وحوشا فى نهايتها.

كل ما أرجوه أن أكون قد وفقت فى محاولاتى وأن يجد القراء فى حياة مها توفيق السرية ما يعبر عنهم وعن حيواتهم.