افتتاح مسجد السيدة زينب.. لحظة تاريخية تجسد التراث الديني والثقافي في مصر

ضريح السيدة زينب في مصر
ضريح السيدة زينب في مصر

بتوجيهات ورعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، شهدت مصر أمس 12 مايو افتتاح مسجد السيدة زينب بعد إنجاز أعمال الترميم والتجديد، وسط حضور مميز من السلطان مفضل سيف الدين سلطان طائفة البهرة بالهند ووفد من أسرته الملكية، بما فيهم الأميران جوهر عز الدين وجعفر الصادق عماد الدين، ومفضل محمد ممثل السلطان بالقاهرة.

تعتبر هذه اللحظة لحظة تاريخية تجسد الروحانية والتراث الديني والثقافي الغني لمصر، حيث يعد مسجد السيدة زينب أحد أهم المعالم الدينية في البلاد ومركزاً للعبادة والزيارة للمصريين والزوار على حد سواء. يأتي افتتاح المسجد بعد جهود متواصلة لترميمه وتجديده، ويعكس التزام الدولة بالمحافظة على تراثها الديني والثقافي وتعزيز قيم الوحدة والتسامح بين جميع أطياف المجتمع المصري.

** أهمية وجود ضريح السيدة زينب في مصر: 

وفى ضوء هذا يشير خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار إلى أهمية وجود ضريح السيدة زينب حفيدة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام فى مصر، وقد باركت أرضها ودعت لأهل مصر قائلة "نصرتمونا نصركم الله، وآويتمونا آواكم الله، وأعنتمونا أعانكم الله، وجعل لكم من كل مصيبة مخرجًا ومن كل ضيق فرجًا".

وعن أسباب دعوتها الكريمة التى تتحق فى مصر يومًا وراء اليوم منذ نصر أكتوبر والخروج من كل أزماتها بسلام بفرج الله عز وجل، يذكر خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان أن الصحابى الجليل مسلمة بن مخلد الأنصارى والى مصر عام 47هـ من قبل الخليفة الأموى معاوية بن أبى سفيان هو الذى استقبل السيدة زينب ابنة الإمام على بن أبى طالب وحفيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مصر حين اختارت الإقامة بمصر عقب مقتل أخيها الحسين، حيث توجه هو وأعيان مصر للقائها ووافق دخولها رضى الله عنها إلى مصر أول شعبان سنة 61هـ وأنزلها الوالى مسلمة بداره بالحمراء القصوى فأقامت بها أحد عشر شهرًا ونحو 15 يوم من شعبان.


** رحلة السيدة زينب في أرض مصر: بين الاستقبال الرائع وتحويل القصر إلى مسجد :

ونوه الدكتور ريحان إلى استقبال أهل مصر للسيدة زينب استقبالًا رائعًا لم يسبق له مثيل وفرحوا بقدومها  حبًا في جدها المصطفى- صلى الله عليه وسلم- وهى أخت الحسن والحسين محبوبي نبي الله وبعد الترحيب الكبير من أهل مصر دعت دعوتها الشهيرة، وحين استقرت السيدة زينب بأرض مصر وهبها والي مصر آنذاك قصره كله للإقامة فيه لكنها اكتفت بغرفة واحدة في القصر أقامت بها وجعلتها مكانا لتعبدها وزهدها وتحولت هذه الغرفة بعد وفاتها إلى مقامها الآن فتسمى هذه الغرفة مقام السيدة زينب وأوصت السيدة زينب قبل وفاتها بأن يتحول باقي القصر إلى مسجد فكان لها ذلك وتحول قصر الوالي إلى مسجد السيدة زينب رضي الله عنها.


** إستقبال أهل مصر للسيدة زينب: رحلة من الفرح والتقدير إلى مقام السيدة زينب

ويتابع الدكتور ريحان بأن السيدة زينب رضى الله عنها حين أحست بدنو أجلها طلبت من مسلمة بن مخلد أن يجهز لها مخدعًا بمحل سكنها فى داره وحدث أن استقرت تقرأ القرآن به ولما أكملت عدة قرائتها إحدى عشرة مرة دخل عليها مسلمة فقالت له  يا مسلمة إنك بعدنا وتوفى مسلمة بعد السيدة زينب رضى الله عنها وكانت المدة بينهما هى إحدى عشرة يومًا.

ويقع مقام الصحابى الجليل مسلمة بن مخلد الذى استقبلها مع كل أهل مصر بالترحاب الشديد بمجمع الأديان قرب جامع عمرو بن العاص بشارع سوق مسلمة بمصر القديمة بمذبح الجمل .

** مسجد السيدة زينب: لغز التأريخ وتحديات التوثيق في التراث الإسلامي

وبخصوص مسجد السيدة زينب يشير الدكتور ريحان بأنه لا يعرف على وجه التحديد متى أنشىء المسجد على قبر السيدة زينب، فلم تذكر المراجع التاريخية سوى أن والي مصر العثماني علي باشا جدد المسجد عام 951 هـ/1547م، ثم أعاد تجديده مرة أخرى الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1171 هـ/1768م، وفي عام 1940 هدمت وزارة الأوقاف المسجد القديم تمامًا، وأقامت المسجد الموجود حاليًا وبالتالي فالمسجد ليس مسجلًا كأثر إسلامي.

وكان المسجد وقتها يتكون من سبع أروقة موازية لجدار القبلة يتوسطها صحن مربع مغطى بقبة، وفي الجهة المقابلة لجدار القبلة يوجد ضريح السيدة زينب رضي الله عنها محاط بسياج من النحاس الأصفر، وتعلوه قبة شامخة، وفي عام 1969 ضاعفت وزارة الأوقاف مساحة المسجد.

ويحتل المسجد مكانة كبيرة في قلوب المصريين ويعتبرون زيارته شرف وبركة يدعون الله أن ينالونها.، كما يعتبر المسجد مركز من مراكز الطرق الصوفية ومريديها، وفي كل عام في شهر رجب يقام مولد السيدة زينب حيث يتوافد آلاف من البشر على ميدان السيدة زينب وتقام احتفالات ويتغير شكل المنطقة تمامًا لبضعة أيام.

** مسجد السيدة زينب في الأدب: رواية «قنديل أم هاشم» وأهميتها في إبراز دور المسجد في الحياة اليومية:

وويتابع الدكتور ريحان بأن مسجد السيدة زينب ذكر في رواية يحيى حقي «قنديل أم هاشم»، وأم هاشم كنية السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب. وتحكى الرواية قصة شاب ريفي جاء في صغره هو وعائلته الريفية إلى القاهرة وسكنوا بالقرب من مشهد السيدة، ومحور الرواية يدور حول طرق معالجة مرض العيون عند أهالي الحي، فأكثرهم كانوا يتعالجون عن طريق استخدام زيت القنديل الذي كان يشعل داخل المشهد وفوق ضريح السيدة. وللرواية معاني كثيرة، ولكنها توضح مكانة هذا المسجد حتى كانوا يتباركون بالزيت.

ويوجد قبران متجاوران لشيخين من آل بيت النبي محمد أمام باب مزار السيدة زينب في ساحة واحدة مفروشة بالرخام وعليهما قبتان مضلعتان من الحجر وهما للسيد محمد العتريس وللسيد عبد الرحمن العيدروس.

** تطور موقع مسجد السيدة زينب: من خط السباع إلى أسم الميدان والحي

وكان موقع ميدان السيدة زينب في العصر المملوكي يعرف باسم خط السباع نسبة إلى قنطرة شيدها السلطان الظاهر بيبرس البنقداري 658 هـ على الخليج المصري الذي كان يمر من أمام المسجد، وكان على هذه القنطرة رسم للسباع وهو شعار السلطان الظاهر بيبرس، وقد تم ردم الخليج المصري عام 1898م ومع عملية الردم اختفت قنطرة السباع وظهرت واجهة مسجد السيدة زينب، ومنذ ذلك التاريخ أي في نهاية القرن التاسع عشر بدأ يطلق على الميدان والحي بأكمله اسم السيدة زينب المدفونة داخل المسجد.

ويعد حي السيدة زينب من الأحياء الشعبية القديمة بالقاهرة تكثر به المطاعم الشعبية كما ارتبط بفوانيس وحاجيات رمضان، كما يوجد به منطقة قلعة الكبش وجامع أحمد بن طولون والكثير من المساجد والأضرحة التى تجتذب عاشقى السياحة الروحية كما تضم الكثير من الأماكن الأثرية.