مؤلف رواية «طيران»:الأساطير ستحررنى من الإسكندرية

محمد جمال مؤلف رواية «طيران»:الأساطير ستحررنى من الإسكندرية
محمد جمال مؤلف رواية «طيران»:الأساطير ستحررنى من الإسكندرية

ماذا يحدث إذا وجدت الناس يطيرون فى الفضاء، هذا ما حدث بالفعل؛ عام 2005، حيث طار سكان مدينة الإسكندرية فى السماء، لم يحدث هذا فى الواقع بل فى رواية «طيران» لمحمد جمال، كان  قد انتهى للتو من كتابة روايته الأولى (كتاب خيبة الأمل)، وقد حاول استكشاف قدراته، وجرب الكثير من تمارين الكتابة التى وجدها على مواقع «الإنترنت»، ومنها تدريب  بعنوان «ماذا لو كان بوسع البشر القدرة على الطيران؟». تزامن هذا مع قراءته لرواية (انقطاعات الموت) لخوزيه ساراماجو، فجرب تقليده مع فكرة الطيران. لكنها سرعان ما أصبحت شيئا يتجاوز مجرد التمرين والتقليد، ظهر واقع مواز فى التجربة سيطر على تفكيره وقلمه، فتحولت إلى  رواية - وعن كل ذلك تحدث إلينا جمال.

هل رواية طيران محاولة للتحرر من قيود الواقع؟
نعم، ولا أيضاً. فكرة الطيران فى حد ذاتها هى تحرر من أحد أقدم وأرسخ القيود الواقعية، أى الجاذبية الأرضية. والخيال هو سبيلنا الوحيد للتحرر الوجيز من قيودنا المجازية والفيزيائية. لكن فى نفس الوقت، كما لعلك قرأت، لا سبيل للتحرر الكامل من قيود الواقع حتى فى الخيال، فقد فرض الواقع نفسه على خيالي، وقيدت شخصياتى نفسها بنفسها.

اقرأ أيضًا| «عين الحسود» تطارد قيثارة الغناء !

فما سبب اختيارك لفترة بداية الألفية -خاصة عام 2005- لتكون زمن أحداث الرواية؟
اختيار عشوائى ومقصود فى نفس الوقت. اخترت هذا الزمن بسرعة، وبلا تدبر فى بداية العمل على الفكرة، لكن الاختيار صمد أمام كل المراجعات التى بدلت الكثير، والكثير مما عداه. أظن ذلك لأن ٢٠٠٥ وما بعدها كانت توازى زمن مراهقتي، وذكريات صعلكتى فى الشوارع الخلفية لمدينة نشأتى الحبيبة، الإسكندرية.

و«طيران» كتبتها، وأنا بين السادسة والثامنة والعشرين من عمرى، أى الوقت الذى صارت فيه مراهقتى موضوع «النوستالجيا» المفضل بالنسبة إلي، الزمن الذى بدأ وعيى فيه يتفتح ليحيط بالعالم، وتفاصيله بشكل أعمق من انبهار الطفولة. لذا كان من المنطقى أن ألجأ، وأنا ما زلت فى بداية تجربتى الكتابية أتحسس خطواتى بحذر، لعالم أشعر بيقين نحو تفاصيله وحنين تجاهها، على عكس كل أوقات التردد، وانعدام اليقين التى أعقبته، وما زلت أعيشها إلى الآن.

مدينة الإسكندرية مسرح أحداث رواياتك، هل تحاول إعادة تشكيل فى هذه المدينة؟
اختيارى للإسكندرية له نفس أسباب اختيارى للزمن فى النقطة السابقة. فهى مسقط الرأس، ومحل الحنين، ومنطقة الأمان، خاصة بعدما انتقلت مضطراً إلى المصب الإجبارى لكل من يحاول فعل شيء فى مصر، أى القاهرة، وكانت الكتابة عن الإسكندرية دفاعا عن النفس ضد تحولى الحتمى إلى قاهرى متجهم. كنت حتى وقت قريب أتخيل أنى سألتزم بالإسكندرية مسرحاً لكل محاولاتى المستقبلية، لكن مشروعى المقبل عن الأساطير المصرية دفعنى إلى التخلى عن هذا التمسك المقيد بالجذور. وهو تخلى بقدر ما هو حزين، مفيد.

لديك شغف كبير بعالم الأساطير، وهذا يظهر فى إبداعك بشكل كبير، فلماذا؟
تزامنت كتابتى لطيران مع ترجمتى لكتاب (البطل بألف وجه)، ما تطلب قراءات موسعة وعميقة فى أنظمة «ميثولوجية» عالمية متنوعة. تحول اهتمامى العابر بالأساطير حينئذٍ إلى ولع، وتحول ما كان يفترض به أن يكون فقرة محدودة فى الكتاب إلى فصل كامل، يحاول تخيل أسطورة تكوين كاملة.

هذا الفصل كان فى الواقع تدريباً آخر على الوصول إلى صوت سردي، صار نواة الكتاب التالى الذى يصدر بعد أشهر قليلة، وهو عمل يشهد أول تحرر لى من أطواق الجغرافيا (الإسكندرية) والتاريخ (العقود الأولى من القرن الحالي) الآمنة، التى تمسكت بها فى أعمالى الأولى خشية الغرق.