«الأدب الرقمـــي وتداوليـة النـص التشعُّبــي» بمؤتمر مجمع اللغة العربية

مؤتمر مجمع اللغة العربية
مؤتمر مجمع اللغة العربية

واصل مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة برئاسة الدكتور عبد الوهاب عبد الحافظ رئيس المجمع، انعقاد جلساته ، تحت عنوان "اللغة العربية وتحديات العصر: تصورات، واقتراحات، وحلول"؛ حيث ناقش أعضاء المؤتمر فـي جلسته المغلقة المصطلحات المقدمة من كل من لجنة الإعلام، ولجنة الهندسة، ولجنة الجغرافيا. 

اقرأ أيضًا| «البحث التربوي في تعليم اللغة العربية» بمؤتمر مجمع الخالدين


وفـي جلسته العلنية التي رأسها وأدارها الدكتور حافظ شمس الدين عبدالوهاب (عضو المجمع)، ألقى الدكتور هشـام زغلـول (الخبير بالمجمع، ومدرس النظرية والنقد الأدبي بآداب القاهرة) بحثًا بعنوان "الأدب الرقمـــي وتداوليـة النـص التشعُّبــي". وفيه طرح ثلاثة محاور، صدَّرها بجملة ضوابط منهجية. حدد فيها إشكاليته البحثية حيال أدب رقمي تشعُّبي يتعمَّد في مختلف مستوياته -إنتاجه وتداوله وتلقيه وإعادة إنتاجه- زحزحة الجدران بين أجناس الفنون المختلفة، متسائلًا عن منهجية قراءته وأدوات تحليله. وتلك إشكالية شائكة تُجابِه النقد الأدبي بكثير من التحديات.


وفي المحور الأول ناقش د.هشام الطفرات التي يشهدها الأدب العربي المعاصر في تجاوبه مع المنجز التقني الهائل الذي يجتاح عالمنا المعاصر، محاولًا استشراف مستقبل الأنواع الأدبية، في عالم بات للتكنولوجيا فيه حضورها المهمين على مختلَف الصناعات الثقافية، بما فيها الفنون والآداب؛ فلم تعد الشبكة العنكبوتية فقط "امتدادًا للإنسان"، بقدر ما باتت "تنذر بإعادة تركيب العناصر الأساسية التي تتألف منها الثقافة الإنسانية".


وفي المحور الثاني توقف د.هشام أمام مصطلح الأدب الرقمي، محاولًا فك إشكالية المفهوم وتبصُّر حدود هذا النوع الأدبي الهجين، الذي عدَّه التمثيل الثقافي الأهم لكون العالم قرية صغيرة، بكل ما يستحدثه هذا المفهوم من خلخلة البنى القارة في التصور التقليدي لمختلف أضلاع المثلث الإمبريقي الشهير؛ إنتاجًا وتوزيعًا واستهلاكًا. ففيه أخذ الأدب العربي سبيله إلى تضفير النص الأدبي بما يسميه علماء الاتصال "الفنون السمعبصرية". الأمر الذي رآه د.هشام مستوجبًا إعادة النظر في التعريف الشائع للأدب بوصفه تشكيلًا جماليًّا باللغة؛ فليست النصوص التشعُّبية تشكيلات جمالية باللغة وحدها، إلا لو توسَّعنا بمفهوم اللغة لتتجاوز اللغة الأبجدية بمعناها الحرفي، إلى آفاق أرحب، فلكل تلك الفنون لغاتها الخاصة، التي سيكون من السذاجة بمكان إغفال علاقاتها الجدلية باللغة المكتوبة عند تحليل النص التشعُّبي؛ من حيث كونه فعلًا إبداعيًّا تثويريًّا متمرِّدًا، يحرِّر متلقيه من سلطة النص والمؤلف معًا.


وفي المحور الثالث والأخير تتبع د.هشام مسار النـص التشعبـي مــن التأليــف إلــــى التلقـــي،مفرقًا بين نسقين من النص التشعبي التكويني؛ وهما: النسق المغلق (السلبي) الذي لا يتيح لمستعمليه إجراء أي تدخل فيه، فليس لهم أن يغيروا من الجسم الأصلي للنصوص أو طريقة تشكيلها، وإنما بمقدورهم فقط تصفحه والتجول بين شبكة الكتل والروابط على النحو الذي يُرضي أهدافهم. في مقابل النسق المفتوح (الإيجابي) الذي هو الأقرب لمعنى التفاعلية؛ إذ يمنح مستعمليه إمكانية أن يعدّلوا أو يحذفوا كتلًا من النص، وأن يعدلوا كذلك الروابط المختلفة بين تلك الكتل؛ كل هذا وفق قواعد دقيقة لتنظيم المداولات في حلقة بحث. وجليٌّ كيف أن بمقدور النص التشعبي ذي النسق المفتوح أن ينقلنا نقلة نوعية من حيز التأليف الفردي إلى حيز التأليف الجماعي، ثم ما يلبث أن يتفاعل معهم جمهور المستعملين؛ وعن هذا كله ينبثق النص التشعبي الذكي أو نص الخبرة Expertext. وهذا ما يخلق جوًّا من العمق السرابي الذي يتهاوى فيه بعدا الزمان والمكان؛ بمعنى أن القصيدة تنمو من الداخل نموًّا عضويًّا كما تنمو النبتة.


وأنهى د. هشام بحثه بالإشارة إلى أن النص التشعبي نصٌّ نوعي، كلٌّ يمتح منه على قدر معرفته وموسوعيته، وليس مبذولًا لجميع متلقيه بالقدر ذاته؛ ولكن -بتعبير المتنبي- "تأخذ الأفهام منه على قدر المعارف والعلوم". ذلك أن النص التشعبُّي ينفتح بمفهوم النص لما هو أبعد غورًا من إطار النص الخطي المكتوب، مستلهِمًا جذوره المنهجية المرنة -في هذا التوسُّع بمفهوم النص- من مقولات النقد الثقافي؛ ما يتعيَّن معه -حال نقد النصوص التشعُّبية- أن نطور أدواتنا القرائية بما يسعفنا في تقصّي سيروراتها الدلالية، التي ستتعدد مساراتها بتعدد روابطها.