عيد العمال العالمي: تقدير تضحيات العمال ونضالهم منذ العصور القديمة

عيد العمال
عيد العمال

 

تعتبر الأول من مايو مناسبة عالمية تحتفل بها العمال حول العالم، حيث يعود أصل هذا التاريخ إلى نضالات العمال في القرن التاسع عشر. بدأت الاحتفالات بالأول من مايو كعطلة شعبية أوروبية قديمة تُعرف باسم عيد مايو، وذلك كبديل للاحتفال بالعمل وحقوق العمال.

في عام 1886، أصبح الأول من مايو يومًا دوليًا للعمال، ويُعرف باسم "Labour Day" أو "International Workers' Day"، وذلك بعد قرار صدر في مؤتمر الاتحاد الأمريكي للعمال عام 1885 يدعو إلى تحقيق حق العمال في العمل لثماني ساعات يوميًا.

في العديد من البلدان، تحتفل بعيد العمال العالمي في الأول من مايو من كل عام، كما يُعتبر يومًا مخصصًا لدعم العمال والاحتفال بتضحياتهم ونضالاتهم التاريخية. بعض الدول قد تحتفل بيوم العمال في تواريخ مختلفة، مثل الأول من سبتمبر، وتعتبر هذه الاحتفالات فرصة لتكريم العمال وتقدير جهودهم، وتشجيعهم على المطالبة بحقوقهم. كل هذه الاحتفالات تُعكِس أهمية دور العمال في بناء المجتمع وتقدم الأمم، كما أكده الدكتور محمود حامد الحصري ، مدرس الآثار واللغة المصرية القديمة. 

مطالب العمال تتنوع وتشمل الحاجة إلى رواتب أفضل وتحسين ظروف العمل وتقليل ساعات العمل، بالإضافة إلى القضاء على عمالة الأطفال. احتفالات عيد العمال تكرم إنجازات العمال وتسلط الضوء على قضاياهم الاقتصادية والاجتماعية، وتتزامن مع بداية فصل الربيع في العديد من الدول حول العالم، مما يضيف لها أجواء من الفرح والتفاؤل.

مدينة العمال خير شاهد علي بناء الأهرام في هضبة الجيزة من عصر الدولة القديمة :

وإن نقوش المعابد والمقابر في مصر القديمة توثق قيمة العمل ودور العمال في المجتمع، وتبرز هذه القيمة بشكل ملحوظ باختلاف الطبقات الاجتماعية. تصوير العمال وهم يزرعون ويحصدون ويعملون في مختلف الحرف والمهن يظهر أهمية العمل في الحياة اليومية للمصريين القدماء، وتشير هذه النقوش إلى أن العمل كان يُعتبر عبادة وواجبًا دينيًا، وليس مجرد وسيلة للعيش.

حيث تعتبر جبانة ومدينة العمال بناة الأهرام بالجيزة من أهم شواهد بناة الأهرامات، حيث أنه كان المكان الذي عاش ومات فيه العمال الذين اشتركوا في بناء المجموعات الهرمية لكل من خفرع، ومنكاورع، بالإضافة إلى بقايا سكنية أقدم ترجع لعهد خوفو. وتم الكشف عن منازل ومخازن وثلاثة شوارع رئيسية ومبنى إداري ملكي داخل أسوار تلك المدينة، وكذلك أربعة صالات ضخمة، يحتمل أن تكون هي الثكنات التي كان ينام فيها العمال بناة الأهرامات ويعدون بها طعامهم. وقد تم العثور على كمية هائلة من عظام السمك والطيور والأبقار والأغنام والماعز والخنازير، مما يكشف تكفل الدولة برعاية العمال لضمان الحصول على أفضل مقابل في كفاءة العمل.

 اللاهون من عصر الدولة الوسطى :

اللاهون قرية بمركز الفيوم بمحافظة الفيوم بمصر، ومدينة عمال اللاهون - كاهون  تبعد 800 م من هرم سنوسرت الثاني وترجع أهميتها في أنها أقدم البلاد المصرية الواضحة المعالم.

تل العمارنة في مصر الوسطى عصر الدولة الحديثة :

العمارنة (وكان اسمها "أخـِت أتون" أي: "أفق أتون") هي العاصمة الجديدة التي أنشأها الملك إخناتون، وهي تقع على بعد خمسة وأربعين كم جنوب بني حسن. وبفضل بقاء مساكن هذه المدينة سليمة بشكل يثير الدهشة، أمكن وضع خريطة تفصيلية للقصور الفسيحة التي عاش بها نبلاء القوم، بالإضافة إلى مساكن "عمال المقبرة" والموظفين. 

دير المدينة في الأقصر من عصر الدولة الحديثة : 

أمدتنا بمعلومات عديدة ووفيرة عن طرق العمل وتنظيمه والفرق التي كانت تعمل بها وطرق حياتها والأمراض التي حدثت لهم وأسباب وفاة بعضهم أثناء العمل.

هل كان العمال يأخذون أجازات مثل الوقت الحالي وما هو الدليل علي ذلك ؟

تشير أوستراكا مؤرخة في العام الأربعين من حكم الملك رعمسيس الثاني، محفوظة في المتحف البريطاني، كتب عليها رئيس العمال أسماء عماله، البالغ عددهم 43 عاملا، وأمام كل عامل عدد الأيام التي تغيبها عن العمل، وأعذار التخلف عن العمل بالمداد الأحمر، وكذا التأخير عن نوبة العمل، وكان من بين الأسباب "المرض بعدوى، أو لدغة عقرب، أو بسبب تقديم القرابين للآلهة"، كما كان انحراف مزاج الزوجة سببا أحيانا في تخلف عامل عن نوبة عمله، أو قيامه ببعض الأعمال المنزلية. كانت الدولة تمد هؤلاء العمال وأسرهم بحصص تموينية تعرف بنظام "الجرايات"، وكان أجرهم يُدفع عينا في هيئة مواد غذائية تُصرف من مخازن الدولة شهريا كالقمح والشعير والأسماك والخضراوات وماء الشرب، بالإضافة إلى حوافز الاجتهاد في العمل وتضم البلح والجعة.  

- ما هي "أول ثورة عمالية في التاريخ" ؟ وما هي ساعات العمل في مصر القديمة :

* عرفت مصر القديمة أول ثورة اجتماعية في تاريخ الإنسانية، أشهرها تلك الثورة التي حدثت في عهد الملك بيبي الثاني، الأسرة السادسة، بعد أن بلغ من العمر 94 عاما، وازداد ضعفه تاركا السلطة لحفنة من أفراد الجهاز الإداري الطامحين للسلطة، وسلطت مصادر أدبية الضوء على هذه الثورة مثل بردية "إيبوور" وبردية "هاريس" ونبوءة "نفرتي" وبردية "اليأس من الحياة".  

وتعتبر بردية "إيبوور"، المحفوظة في متحف ليدن الهولندي، المكتوبة بالخط الهيراطيقي، خير دليل على ما أصاب البلاد من فوضى وفساد أدى إلى سقوط الأسرة السادسة، وانهيار طبقات المجتمع بما في ذلك طبقة العمال الذين فقدوا سبل الرزق، وتفشت البطالة.  

- الثورة العمالية في عهد الملك رعمسس الثالث كأول إضراب عمالي ذكرته النصوص الأدبية مثل بردية "هاريس" وبردية "تورينو" :

لعل أسبابها هو انهاك خزينة الدولة بسبب حروب خاضها الملك رعمسيس الثالث لحماية مصر من هجمات شعوب البحر، إلى جانب سيطرة الكهنة على ثروات البلاد، الأمر الذي أدى إلى عجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها تجاه عمال، تأخر استلامهم مخصصاتهم العينية أكثر من مرة.

-أغلب النصوص الأثرية تبين الاهتمام بحقوق العمال في مصر القديمة :

تشير أغلب الوثائق المصرية إلى أن العمال في مصر القديمة كانوا يعملون تحت مراقبة سلطة الوزير المكلف بإمدادهم بالأدوات اللازمة للعمل، كما كانت الدولة مكلفة بإمدادهم بالمواد الغذائية، وكانت طائفة العمال تتألف من 60 إلى 120 عاملا يقسمون إلى قسمين، كل قسم يخضع لسلطة رئيس عمال يحمل كل منهما لقب "كبير الفرقة أو المجموعة". وكانت الدولة المصرية تمد هؤلاء العمال وأسرهم بحصص تموينية تعرف بنظام "الجرايات"، وكان أجرهم يُدفع عينا في هيئة مواد غذائية تُصرف من مخازن الدولة شهريا مثل القمح والشعير والأسماك والخضراوات وماء نظيف للشرب، بالإضافة إلى حوافز الاجتهاد في العمل وتضم البلح والجعة وغيرها من المواد الأخرى التي يحتاجونها.

حيث نجد من عصر الأسرة الرابعة وهو العصر الكبير الخاص ببناء الأهرام، أن شخص كبير من علية القوم يدعي "مني" ذكر أنه "كافأ بسخاء كل من ساهم في بناء وزخرفة مقبرته: حيث يذكر النص "لن يندم أبدا كل من ساهم في بنائها، سواء كان فنانا أو قاطع أحجار، لقد أعطيت كل شخص مكافأته".

يؤكد أيضاً أحد قضاة الأسرة الخامسة في الدولة القديمة إلى احترام طبقة العمال من خلال نص يقرأ : "أن جميع من عملوا في هذه المقبرة (يقصد هنا مقبرته) نالوا أجرهم بالكامل من خبز وجعة وملابس وزيت وقمح بكميات كبيرة، كما أنني لم أُكره أحدا على العمل".

ومن المعتقد أن الملك "أمنحتب الأول" من عصر الأسرة الثامنة عشرة أول من ابتكر فكرة تكوين طائفة خاصة من العمال والفنانين، لذا أصبح محل تقديس منهم بعد وفاته، واستقر هؤلاء العمال في قرية تعرف باسم "دير المدينة"، وكانت محاطة بسياج وتتألف من سبعين منزلا بملحقاتها.