25 أبريل.. شاهدا على النصر

اللواء نصر سالم يروي تفاصيل 180 يومًا خلف خطوط العدو

رئيس القسم العسكري أثناء حوارها مع اللواء نصر سالم
رئيس القسم العسكري أثناء حوارها مع اللواء نصر سالم

- لم يخل جبل من قوات الاستطلاع لمدة 6 سنوات قبل حرب 73

- جعلنا سيناء كتابا مفتوحا أمام القيادة العامة للقوات المسلحة تخطط كيف تشاء

- كنا نتنافس علي العمل بسيناء للقاء عبد الناصر بعد عودتنا في بيته

- تخفينا داخل أحشائهم دون أن يشعروا بنا.. ودمرنا" لواء مدرع" للعدو

بدو سيناء وطنيون.. قدموا لنا الطعام والشراب وأخفونا عن أعين مخابرات العدو 

- فوجئت بوجودي في قلب معسكرهم.. وأدركت وقتها الآية الكريمة "فأغشيناهم فهم لا يبصرون"

قال اللواء أركان حرب نصر محمد سالم أحد أبطال حرب اكتوبر ورئيس جهاز الاستطلاع الأسبق وأستاذ العلوم الاستراتيجية إنه كان أحد قادة مجموعات الاستطلاع الاستراتيجية التي تعمل خلف خطوط العدو وكانت مهمتنا الاساسية هي معرفة أوضاع العدو وحجم نشاطه وتجميع المعلومات عن قوته بداية من تسليحه وأنواع الاسلحة مرورا بنقاط القوة والضعف وصولا بتقديم أفضل الطرق لاستغلال نقاط ضعفه وإفشال نقاط قوته,مضيفا أن عناصرالاستطلاع لم تغادر أماكنها واستمرت في استطلاع العدو بعد هزيمة 67 إلي أن تحقق النصر.

اللواء الاسلامي | حاورت واحدا من الابطال الذين شاركوا في الدفاع عن ارض سيناء وأستعرضت معه جوانب من ملاحم التحرير والسلام في سيناء.

اقرأ أيضًا| مستشار شيخ الأزهر الأسبق: ما تشهده فلسطين اليوم من مجازر وحشية ليس صدفة

تعد أحد أفراد المجموعة التي عملت خلف خطوط العدو لمدة 180 يوما خلال حرب أكتوبر..حدثنا عن تلك الفترة الهامة في تاريخ مصر؟

كنت بالفعل أحد أفراد المجموعة عملت خلف خطوط العدو لمدة 180 يوما خلال حرب اكتوبر لكن الاهم من هذا ان كتيبتي وهي كتيبة الاستطلاع الاستراتيجية التي تعمل خلف خطوط العدو دورها في سيناء لم يتوقف منذ 5 يونيو 67 ,فالذي لا يعرفه الكثيرون عندما صدرت الاوامر من الجيش المصري بالانسحاب يوم 6 يونيو 67 اتم الجيش انسحابه يوم 9 يونيه وتم تدمير جميع المعابرعلي قناة السويس كي لا تستطيع القوات الاسرائيلية العبورخلف قواتنا ,بعدها فوجئت القيادة العامة "الجيش"بان عناصرالاستطلاع لاتزال متواجدة في سيناء ولم تنسحب مع الجيش لمتابعة العدو والإبلاغ عنه وهذا كان اول شعاع نور في ظلام النكسة وعتمتها ما رفع معنويات القيادة وبناء عليه صدرت الاوامر لهذه العناصر بأن تبقي في أماكنها لمراقبة العدو ومتابعته,الا أنها كانت لا تستطيع الاستمرار بلا نهاية لانه لم يكن معها ما يكفيها من طعام وشراب إلا لايام محدودة فضلا عن أن وقود العربيات لا يكفي لوقت طويل وبالتالي بدأت القيادة علي الفور في اعداد مجموعات خلف خطوط جديدة وهي"المجموعات الخاصة بنا"ومن ثم بدأنا استبدال العناصر الموجودة في سيناء قبل النكسة بآخرين,فعلي مدار 6 سنوات كاملة لم يخل جبل في شبه جزيرة سيناء من قوات الاستطلاع المصرية الذين جعلوا سيناء كتابا مفتوحا أمام القيادة العامة للقوات المسلحة تخطط كيف تشاء وتبدأ الحرب بمعلومات غاية في الدقة,بمعني ان التخطيط بالكامل لحرب 73 كان بناء علي المعلومات التي نعطيها للقيادات فهذا كان دور خلف خطوط العدو قبل حرب 73

هل كان العمل يتم وفق أيام محددة؟

من الطريف قبل 73 ان هذه المجموعات كانت تمكث بالشهور في سيناء وهذا نظرا لان طبيعة عمل خلف خطوط العدو مستمرة علي قدم وساق.

وهل يختلف وقت الحروب عن أي وقت آخر؟

بالتأكيد..فطبيعة العمل وقت الحرب تختلف عن العمل في الفترات التحضيرية وبالتالي المجموعات التي عملت قبل 73 دخلت تحت ساتر بشكل ما بنفس الزي العسكري وبالتسليح الخاص بنا بحيث من يرانا يعتقد اننا عناصر من الجيش.

وماذا عن تفاصيل المهمة التي كنت مكلفا بها؟

مهمتي بدأت يوم 6 أكتوبر73 ,حيث كانت تبعد نحو 150 كيلومترا شرق القناة في أكتوبر,مفادها إبلاغ المعلومات عن العدو في منطقة العمل المتواجد بها وبالفعل وصلت مكاني ليلة 6 اكتوبر وحدثت مواقف كثيرة صعبة لكن بفضل الله استطعت التغلب عليها.وكان اول بلاغ قدمته عن لواء مدرع للعدو 6اكتوبر وهذا اللواء لم يتحرك لانه تم تدمير ثلثه تقريبا وعندما ارسلوا دبابات اخري غيره وجهزوه للاندفاع لليوم التالي كنت حريصا علي ابلاغ قواتنا لضربه وكانت المفاجأة انه في نفس التوقيت الذي ضربه طيرانا فيه يوم 7 وجدنا دبابات العدو تندفع للنزول تباعا داخل الحفر وتصطدم ببعضها وتنفجر, ظننا حينها أنهم يضربون الطيران الخاص بنا وكانت المفاجأة اننا وجدنا الطيران الخاص بهم هو الذي يسيرفوقهم وكان هذا اجمل مشهد رأيناه في الحرب يوم 8 أكتوبر.  

وماذا كان رد فعل اسرائيل وقتها؟

اسرائيل كانت تقوم بعمل دوريات وتبحث عنا باستمرار ولو  كانت تمكنت من القبض علي أي فرد منا لقضت عليه في التو,لاننا نعتبر العدو رقم واحد بالنسبة لها الذي يبلغ عنها باستمرار,لكن تدريبنا القتالي العالي الذي يفوق قدرة جيشهم بمراحل منحنا القدرة  علي التخفي داخل احشائهم دون أن يشعروا بنا.

ما الاماكن التي كنت مسئولا عن مراقبتها؟   

كنت أراقب في مكان به احتياطي من العدو "لواء مدرع" الذي تم قصفه 8 أكتوبر ومنعه من التدخل ,وكذا مراقبة مركز قيادة واكثر من محورين طوليين ومحور عرضي "طريق عرضي"يتحرك عليه العدو شرق القناة بحوالي 100 كيلو"فكل هذه المعلومات اقوم بإبلاغها عن هذه المنطقة ,بالاضافة الي مراقبة احد مطارات الجبهة الرئيسية للعدو فهذا المطار بالذات اي بلاغات عنه يتبعها تدمير من قواتنا الجوية ,ومع هذا رفعت اسرائيل كفاءته ثلاث مرات وعندما يئست تركته دون اصلاحات حتي نهاية الحرب, المهم مكثت في مكاني حتي تم وقف اطلاق النار ثم بدأت اكلف بمهام اضافية اخري بالتحرك لاماكن اخري ومتابعة العدو وطلب مني مهام اضافية كثيرة الي ان اتممت 6 اشهر رغم ان كل مهمتي 6 ايام فقط ولكن ربنا قدرنا وحققنا المهمة بنجاح ,ولا انسي ان اقول انني كنت احد مجموعات هذه الكتبية التي كانت متواجدة في سيناء ولست وحدي من قام بهذا العمل فكان يوجد مثلي مجموعات كثيرة وقامت ببطولات عدة.

هل كان هناك تعاون من قبل أهالي سيناء؟

بدو سيناء عظماء ..فلا يمكن ان ننسي دورهم لانه كما ذكرت سلفا مهمتي كانت 6 ايام ومعي طعام وشراب يكفي هذه المدة فقط ومع ذلك ظلت معي شهرا, اي تعديت ال26 يوما بنفس الطعام وواجهت مواقف صعبة بدون طعام وشراب وبناء عليه وجهتني القيادة للاتصال بأحد البدو"بعد وقف إطلاق النارلانه كان ممنوعا الاتصال بهم"وكان في منتهي الوطنية وقدم لنا الطعام والماء الذي كان لا يزيد عن "جركن ماء و3 كيلو دقيق شعير"حيث إنه كان لا يستطيع المجيء بأكثر من هذه الكمية لان الدورية الاسرائيلية اذا أوقفت احدا من البدو ووجدت معه كمية طعام اكثر من المعتاد أثناء سيره في الصحراء وبالذات في المناطق المتواجد بها القوات الاسرائيلية يشكون انه علي اتصال بقوات الاستطلاع خلف خطوط العدو او كوماندوز"الصاعقة"ومن ثم يتم القبض عليهم وتعريضهم للتعذيب حتي يعترفوا اذا ما كانوا يساعدون الجيش المصري ام لا,فالبدو كانوا في منتهي الوطنية ودائمي الرفض للاحتلال الاسرائيلي,ويقومون بمساعدتنا بشكل او بآخرعندما نطلب منهم التحرك لمكان ما علي الرغم من محاولة الاسرائيليين الضغط عليهم لعدم مساعدتنا.

وبالنسبة للمساعدات التي تصلكم ..هل كانت كافية؟

بالطبع لا, لاننا كنا6 أفراد فنأكل ما يجعلنا نقوي علي الحياة,لذا كنا نصنع "قرص الملا" كما يسميه البدو وهو عبارة عن رغيف من الخبزالسميك يتم اعداده بعجن قدر من الدقيق بالماء مع اضافة الملح ثم نشعل الاعشاب الخضراء وبعد أن تهدأ النيران المتأججة في العشب يتم ازاحتها علي أحد الاجناب ووضع قرص الملا فوق الرمال الساخنة وتغطيته بالاعشاب المشتعلة حتي ينضج فيتم رفعه من علي النار وتنظيفه من الرمال ونقسمه علينا لنأكله.

وماذا كنتم تفعلون عندما يبدأ الدقيق في النقصان؟

كنا نعد صنفا آخر"العصيدة"عبارة عن وضع كمية من الدقيق في ماء مغلي بعد اضافة الملح عليه ونستمر في تقليبه وهو فوق النار حتي يتحول قوامه الي اللزوجة فنتناوله - نحن الستة أثناء غليانة - بأدوات الطعام التي صنعناها من البيئة وهي عبارة عن قطعة من الصخر يقوم كل منا بشطفها لتكون أقرب للملعقة.

وكيف كان يتعامل عبد الناصر معكم؟

الزعيم عبد الناصر كان حريصا علي استقبال قادة المجموعات بعد عودتهم في بيته بعد انتهاء العمل الرسمي,وكان لقاء ابويا اكثر منه لقاء قائد مع مرءوسيه وهذا كان يجعلنا نتنافس علي الذهاب للعمل بسيناء للقاء الرئيس بعد عودتنا.

ما أكثر المواقف التي لاتزال تتذكرها حتي الان؟

بعد مرور اربعة شهور علي حرب اكتوبر تم تكليفي بمكان ما لمراقبة واكتشاف العدو فوجدت افضل طريق للاقتراب لسان صخري عبارة عن جبل مستطيل طوله 7 كيلو,كنت بمفردي"حيث انني تركت باقي المجموعة " ومعي الجهاز اللاسلكي فقمت بالسيرعليه من بدايته طوال الليل علي ان اصل الي حافة الجبل مع مطلع النهار حتي اتمكن من مراقبة مواقع العدو واكتشف القوات المتواجدة به,لكن ما حدث انه طوال فترة سيري لم تنقشع ظلمة الليل وفي نفس الوقت لم افكر في النظر للساعة او معرفة الوقت لاني لا أكاد أبصر من شدة الظلام الي أن فوجئت بالشمس تعلو فوق رأسي في وضح النهار وكأنني كنت في غرفة مظلمة وأضيأت مرة واحدة ووجدت نفسي علي حافة السلسلة الصخرية "في قلب معسكرهم" وامامي جرف حاد وتحتي مباشرة قوات العدو ينظرون الي وانا ايضا انظر لهم لدرجة انني تخيلت انه  "كابوس"وليس حقيقة وتحسست الساعة  في معصمي ونظرت اليها فوجدتها ال8 صباحا، فما حدث انني كنت اسيرطوال الليل وسط سحابة ثقيلة جدا وداكنة ما اعطاني شعور بظلام الليل الذي لم ينقشع الا عندما وصلت لآخر حافة الجبل فوق العدو والمسافة التي بيننا لا تقل عن 100 متر افقي أما رأسيا فأنا فوقهم مباشرة ,ومع ذلك قررت الا استسلم واقاتل حتي استشهد واخذت اقدر الموقف سريعا فوجدت ان اقل وقت يحتاجه العدو للصعود الي من 20:15 دقيقة فرأيت أنها كافية لحصر جميع المعلومات عن الموقف وابلاغها قبل وصول العدو لي وأخذت احصي اعداد الدبابات والمعدات والافراد في المعسكر وحاصرت العدو "كان لواء مدرع" بنظارة الميدان من الوضع جالسا فوق الصخرة ..ثم أعددت الجهاز اللاسلكي وقمت بإبلاغ المعلومات كاملة عنهم بصوت عال ولم يخطر ببالي أن اذكر للقيادة شيئا عن الظرف الذي أنا فيه ,وبعدها التفت حولي لكي اسمعهم ينادون علي او يوجهون ضرباتهم نحوي وأنا حتما لن استسلم لهم فكان معي ثلاثين طلقة من الذخيرة أستطيع الاشتباك بها حتي تنفد,وأخذت أدعو في نفسي"اللهم ارزقني الشهادة ولا توقعني في الأسر"..دقائق مرت كأنها الدهر وأنا أراقبهم وانتظر رد فعلهم ,فما لبث أن رأيتهم يتعاملون بشكل طبيعي ومنشغلين فتذكرت قول المولي عز وجل"فأغشيناهم فهم لا يبصرون"ربنا اعماهم عني ولم انكشف لهم فقمت بإخفاء الجهاز والزحف بعيدا عنهم لانني كنت متوغلا داخل معسكرهم لمسافة لا تقل عن خمسمائة متر ولكن من مكان مرتفع,حتي ابتعدت خارج نطاق رؤيتهم.

بعد عودتك سالما إلي أرض الوطن هل سردت كل ما مررت به من أحداث؟  

ظللت 25 سنة لم أستطع كتابة كلمة عن ال180 يوما التي عشتها علي الرغم من إلحاح قادتي وزملائي المستمر علي لكتابتها  لاني كلما عدت بالذكريات للوراء أري أمامي شريط من الاحداث والمواقف الصعبة والمشرفة. حتي جاءت لحظة لم استطع مقاومتها حين صرخ في وجداني واجب وطني يقول أكتبها فإنها ملك للاجيال وليس من حقك كتمانها أو تركها للنسيان ومن ثم قمت بتدوين ما مررت به خلف خطوط العدو لمدة 180 يوما