تقرير| القطاع الطبي بغزة.. مرضى «بلا دواء أو مستشفيات»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

مع مضي 200 يوم على الحرب الإسرائيلية الغاشمة في غزة، يتجلى بوضوح أمام أعين العالم آثار العدوان الإسرائيلي الذي غطى كل شبر وكل بقعة من أرض غزة المنكوبة، تاركًا ورائه بصماته السوداء والمؤلمة في أرجاء القطاع، مدمرًا كل حيٍ يُذكر أمامه، لا سيما القطاع الطبي، الذي بات يتصدر قائمة القطاعات المُتضررة.

 

إذ شُلت معظم خدمات الرعاية الصحية في القطاع، وتعرضت المؤسسات الطبية لضربات إسرائيلية متكررة أضعتها في حالة يرثى لها، ما أدى إلى تدهور الأوضاع الصحية لدى المرضى، وجعلهم عالقين في معركة جديدة بلا "منافذ" للعلاج أو مساعدة طبية.


القطاع الطبي يكافح لتوفير الرعاية الصحية

 

يواجه المرضى في قطاع غزة صعوبات متزايدة في الوصول إلى العلاجات الضرورية بسبب ندرة الدواء ونقص المعدات الطبية، حتى بات نقص الأدوية يهدد حياة الأطفال والكبار على حد سواء، الأمر الذي يضع حياتهم على المحك في ظل هذه الأوضاع الراهنة.

ومع استمرار الفرق الطبية في استقبال الجرحى بعد 200 يوم من الحرب، بأعداد كبيرة، وصلت إلى 34.183 تقريبًا، في المستشفيات المتبقية في القطاع التي لم يصبها وابل القصف الإسرائيلي، يوجد هناك أعباء إضافية على كاهل هذه المستشفيات نتيجة لنقص المعدات والأدوية الطبية، مما يلقي بظلاله على حياة المرضى الغزيين الذين يتكبدون معاناة الحرب على غزة بالأصل.

ومنذ السابع من أكتوبر المنصرم عقب عملية طوفان الأقصى، وبعد اندلاع الحرب على غزة وحتى يوم 124 من الحرب الإسرائيلية، عانى أكثر من 350 ألف مريض من نقص الإمدادات والمعدات الطبية وسط الحصار الإسرائيلي المفروض على كامل القطاع، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.


معاناة الأمهات الحوامل والأطفال الرضع

وفي ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، تكبدت الأمهات الحوامل والأطفال الرضع البالغ عددهم حتى الآن نحو 60.000 جاءوا إلى هذا العالم تحت ضجيج أصوات القصف والحصار القاسي، معاناة صعبة أخرى بجانب معاناتهم القائمة بسبب الحرب الإسرائيلية التي لم تستثني أحدًا في هذا القطاع سواء كانوا صغارًا أوكبارًا.

وتكافح مستشفيات غزة لتوفير الخدمات الطبية لهؤلاء الأمهات والأطفال حديثي الولادة وسط نقص حاد في الرعاية الصحية بعدما توقفت معظم المستشفيات عن العمل بفعل القصف الإسرائيلي الغاشم على القطاع، في حين يتعرض المرضى منهم لمخاطر صحية جسيمة نتيجة لهذه الأوضاع المتردية.

وبعد ولادة الأطفال من أرحام أمهاتهم ودخول الأطفال المرضى الحضانات تبدأ معاناة الأطفال الرضع في مستشفيات غزة التي تحاول بشتى الطرق توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم ولأمهاتهم...


جرحى الحرب ومعاناة مرضى السرطان

وتتجسد مأساة مرضى السرطان ومعاناتهم، وتتسارع آلامهم وهمومهم في ظل غياب شبه تام للكيماوي نتيجة للنقص الشديد في الإمدادات الطبية، ويمرون برحلة مؤلمة بين أوجاع العلاج وآمالهم في الشفاء.

وبعد 200 يوم من الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة، يقف مرضى السرطان البالغ عددهم نحو 10.000 في غزة اليوم أمام تحديات مُضاعفة في معركة زادت صعوبتها بين الألم والأمل.

حيث يعاني مرضى السرطان من نقص حاد في الإمدادات الطبية والأدوية الضرورية، بالإضافة إلى نقص في الكوادر الطبية المختصة التي كان من المفترض أن تسهر على رعاية هؤلاء المرضى داخل المستشفيات.

كما تتفاقم معاناة مرضى السرطان بسبب امتلاء المستشفيات بجرحى الحرب، ما يجعل من الصعب على المرضى مراجعة الأطباء ومتابعة وضعهم الصحي، إذ يخرج العديد من هذه المستشفيات عن الخدمة نتيجة القصف الإسرائيلي المتواصل.


تعقيد المشهد لـ«مرضى الكلى»

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة دائمًا تعمل بجد لتوفير الخدمات الطبية الحيوية للمواطنين، وكانت في كثير من الأحيان تستفيد من دعم المؤسسات العربية والدولية لتقديم مساعدة لمرضى الكلى، حيث كانت توفر وسائل النقل لحمل مرضى الكلى إلى المستشفيات لإجراء جلسات غسيل الكلى المهمة، والتي كانت تتكرر مرتين في الأسبوع لكل مريض.

ولكن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة والتي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي عقب عملية "طوفان الأقصى"، أدت إلى توقف هذه الخدمات الحيوية، وهذا التوقف جعل أهالي المرضى يبحثون عن بدائل صعبة للوصول إلى المستشفيات بمعاناة كبيرة بالنظر إلى انعدام المواصلات العامة تقريبًا، حسبما أفادت "فرنس برس" الفرنسية.

ومع تفاقم الأوضاع في غزة، ازداد تعقيد المشهد لمرضى الكلى على مدار 200 يوم من الحرب، الذين يعانون من مشقة الوصول إلى المستشفيات، بسبب تكدسها بأعداد الجرحى والمصابين الذين يحتاجون للعلاج الفوري، وهو ما يجعل الوصول إلى المشافي والحصول على علاج الكلى مهمة شاقة وتستغرق وقتًا طويلًا.


أزمة صحية «خانقة» إثر تفشي الأمراض المعدية بين النازحين

كما يواجه أهالي غزة تحديات صحية خانقة تتسارع بوتيرة مقلقة نتيجة لنقص الأدوية والخدمات الطبية، لتتسبب هذه الأزمة الصحية الخطيرة في تفاقم الوضع الصحي للسكان.

وتزايدت حالات الإصابة بالأمراض المعدية في الملاجئ المكتظة بالنازحين خلال الأسابيع الأخيرة من الحرب، حيث يواجه أهالي غزة من الأطفال والنساء والرجال تحديات جسيمة للوصول إلى الرعاية الطبية الضرورية وسط حصار الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرضه على القطاع منذ 200 يوم من الحرب الإسرائيلية.

وأعربت الصحة العالمية عن قلقها المتزايد إزاء التصاعد المحتمل لخطر تفشي الأمراض المعدية في قطاع غزة.

وأشار المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم جبرييسوس، في تغريدة نشرها في 29 ديسمبر الماضي، عبر منصة "إكس"، إلى أن هناك قلقًا كبيرًا حيال احتمال زيادة تفشي الأمراض نظرًا لاستمرار نزوح سكان قطاع غزة نحو جنوبه بأعداد كبيرة، واضطرار بعض العائلات للنزوح مرارًا، واستخدام الكثيرون من المنشآت الصحية كملاجئ، مما يزيد من اكتظاظها.
وفي هذا السياق، يعاني ما يقرب من 1.090.000 حالة مصابة بأمراضٍ معدية تفشت بين النازحين الغزيين إثر نزوحهم، بين إصابة بالجدري والطفح الجلدي، والقوباء، واليرقان الحاد.


مواد طبية بـ«القائمة السوداء» لدى الاحتلال

 

وامتدت يد العدوان إلى عرقلة دخول الكثير من الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية إلى القطاع المنكوب، منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر الماضي.

حيث يعمل الاحتلال الإسرائيلي على عرقلة دخول المساعدات لقطاع غزة من خلال منع دخول الكثير من المواد الإغاثية والطبية الضرورية وغيرها وحتى بعض الفاكهة، إلى القطاع المكلوم، فقد أعلنت الأمم المتحدة في منشور عبر حسابها على منصة "إكس"، عن قائمة طويلة من المستلزمات الطبية والإنسانية التي يحظرها الاحتلال من دخول غزة عن طريق شاحنات المساعدات الإغاثية التي تفتشها القوات الإسرائيلية قبل دخولها للقطاع. 

ومن بين هذه المواد الممنوعة، تشمل أجهزة التنفس الصناعي وأقلام الأنسولين، فضلا عن الكراسي المتحركة ومستلزمات الولادة والموجات فوق الصوتية، وحتى المولدات الكهربائية، وكذلك العقاقير المخدرة ومستلزمات القسطرة القلبية، والعكازات ومستلزمات المستشفيات الميدانية، وأنابيب وأسطوانات الأكسجين وأجهزة قياس الجلوكوز والمحاقن وغيرها من المعدات الطبية، وفقًا لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.


روايات مرضى غزة «العالقون في الألم»

 

ومن بين المتأثرين بأزمة الدواء في القطاع، تتجلى قصة نضال حمد، امرأة غزية تنقلت في أرجاء مستشفيات القطاع بحثًا عن الدواء بعد نزوحها من بيت حانون إلى مدينة رفح جنوب غزة.

فقبل حرب غزة، كان لدى نضال نفحة من الأمل بعد نجاح عملية زرع الكلى من ابنها المتبرع صاحب الـ25 عامًا، ولكن اليوم وبسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على أرجاء القطاع عقب طوفان الأقصى، أصبحت تواجه خطر الإصابة بالفشل الكلوي مرة أخرى، جراء نقص الدواء الناتج عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وكأن الأمل الذي عاد في حياتها قبل الحرب بدأ يتلاشى بسبب صعوبة الوصول إلى الدواء اللازم لحالتها المرضية..

وبين أروقة مستشفيات قطاع غزة المنهكة، تسعى نضال إلى الحصول على الدواء الضروري لحالتها، وأعربت عن معاناتها في رحلتها الشاقة للبحث عن الدواء، وتشير قائلة: "ابني، البالغ من العمر 25 عامًا، أعطاني كليته، ولكنني لا أستطيع العثور على الدواء، أنا لا أرغب في شيء سوى الدواء"، وفقًا لـ"العربية" الإخبارية.

وبحسب قناة "العربية"، قال أحد المرضى الذين يعيشون في غزة، ويدعى عبد العاطي، إنه يعاني من مرض السرطان ويحتاج إلى جرعة من العلاج الضروري، ولكنه لم يتمكن من تلقيها بسبب نقص العلاج في القطاع.

وليس عبد العاطي وحده من يواجه هذه الصعوبات، فهناك آلاف من المرضى في القطاع يعيشون ظروفًا مشابهة، حيث حرمتهم الظروف القاسية للحرب من الوصول إلى الأدوية الضرورية، وأصبح النقص الحاد في العلاجات هو الخيط الرفيع بينهم وبين الأمل في الشفاء.


«أزمة مزدوجة».. المصابين والنازحين تحت سقف واحد

 

وتتزايد الصعوبات التي يُواجهها سكان قطاع غزة يومًا بعد يوم، والآن، يجدون أنفسهم لا يعرفون إلى أين يمضون وإلى أي مأمن يلجئون، فلا ملاذ آمن يمكن اللجوء إليه في غزة، فالحصار المستمر الذي يمارسه الاحتلال، والقصف المباغت والعنيف الذي يستهدف كل ما يعيق تحقيق أهدافه يضعهم في مواجهة خطر لا هوادة فيه.

ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر الماضي، أصبحت المستشفيات في القطاع تحت ضغط هائل يفوق تحملها، فهي اليوم مكتظة بأعداد ضخمة من المصابين والجرحى الذين يتوافدون إليها بشكل يومي، ولكن تلك المستشفيات لم تعد مجرد أماكن لتقديم الرعاية الصحية، بل أصبحت ملاذًا أيضًا للنازحين الذين فقدوا منازلهم جراء القصف المستمر في أنحاء القطاع.

فاليوم، نجد في أروقة هذه المستشفيات الأشخاص الذين فقدوا كل ممتلكاتهم وقصف الاحتلال أماكن عيشهم وبيوتهم، يبحثون عن مكان آمن ويكن لهم ملجأ مؤقتًا مضطرين إلى النزوح للمستشفيات والبحث عن مأوى آمن، وفي ذات الوقت، يصل الجرحى أيضًا إليها بأعداد مهولة كل يوم، يبحثون عن الشفاء لجراحهم النازفة بسبب استمرار طائرات العدوان بقصف كل مكان في القطاع.

هذا الضغط الهائل في مستشفيات القطاع يجعل الأطقم الطبية تعمل بسعة كاملة بل وأكثر من المعتاد أو الطبيعي بكثير، في الوقت الذي تواجه المستشفيات فيه نقصًا حادًا في الموارد والأجهزة الطبية والأدوية، مما يزيد أيضًا من صعوبة تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمصابين، وهذا الوضع يضع حياة العديد من الأشخاص في خطر، ليجعل الأمور تتحول إلى كارثة إنسانية وصحية خطيرة.


مستشفيات غزة «لم تعد آمنة» لا للمصابين ولا للنازحين

 

ولم يكن هناك حد لوحشية الاحتلال، الذي لم يكتف بقصف المنازل والمخابز والمحلات التجارية وغيرها من المنشآت الحيوية في قطاع غزة، بل امتدت يد الاحتلال لتطال العديد من المستشفيات في القطاع، التي تعدّ ملاذًا للمرضى والجرحى والنازحين أيضًا في وسط أوضاع الحرب، وسبّب القصف الوحشي الذي نفذته طائرات الجيش الإسرائيلي على هذه المستشفيات أضرارًا جسيمة وأجبر هذه المؤسسات الطبية على الخروج عن الخدمة بالكامل.

وفي ظل استمرار القصف العنيف والمروع في قطاع غزة هذا، لم تعد المستشفيات مأمونة بالمعنى الحقيقي للكلمة، لا بالنسبة للمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج ولا حتى بالنسبة للنازحين الذين يجدون فيها اللجوء الوحيد بعد فقدان منازلهم وممتلكاتهم بشكل وحشي جراء القصف الإسرائيلي.